Thursday, May 04, 2006

الذعر سيد الموقف




الذعر سيد الموقف، والقلق على المستقبل القريب شعور تلمسه بوضوح في جلسات المصريين على المقاهي وفي كتابات صحفييهم وحتى في تصريحات كبار مسئوليهم.. لا أحد يعرف بالضبط اتجاه الريح القادمة.

الأمر لا يتوقف فقط على تفجيرات دهب جنوبي سيناء، الثالثة في نفس المنطقة خلال عامين، وما تعنيه ضمنيا من تقييم سلبي للإجراءات الأمنية المتخذة منذ تفجيرات طابا في ذكرى انتصار أكتوبر 2004، والتي يفترض تكثيفها بعد تفجيرات شرم الشيخ في ذكرى ثورة يوليو 23 يوليو 2005، ثم أخيرا في ذكرى تحرير سيناء 25 أبريل 2006، (اختيار التواريخ لا يخلو من دلالة مؤلمة لشعور المصريين لا شك) وإنما يتجاوزه لأن تلك التفجيرات جاءت في سياق من "الكوارث المتتالية" من غرق عبارة راح ضحيته ما يزيد على ألف مواطن، والاشتباكات المتكررة بين الأقباط والمسلمين في مدينة الإسكندرية الساحلية مؤخرا، وانتشار مرض انفلونزا الطيور، وتفجر أزمة القضاة، واعتداء أفراد من الشرطة على رئيس محكمة في نادي القضاة حيث الجمعية العمومية في حالة انعقاد دائم لبحث إحالة اثنين من أبرز قضاة مصر (هما عضوان في محكمة النقض) لمجلس تأديب على خلفية انتقادهما لنتائج الانتخابات البرلمانية السابقة، واعتقال معتصمين متضامنين معهم، وأخيرا توقيف مدير مكتب الجزيرة بالقاهرة "لبثه أخبارا" "تكدر الأمن العام" على الرغم من أن ما نشرته قناته من تغطية لأحداث سيناء لم يخرج عن مجمل ما نشرته منافذ إعلامية مصرية حكومية وأخرى أجنبية.

ويزيد على تتابع الكوارث ردود واستجابات الحكومة في كل حالة على حدة، بطريقة توحي بالعصبية والتوتر الشديد حينا، وافتقاد حسن التقدير للتداعيات المحتملة حينا آخر، بل إن ردود الأفعال نفسها تصبح مشكلة في حد ذاتها.

ولو أخذنا حالة القضاة كمثال سنجد أن النظام رفض بداية المراقبة الدولية للانتخابات متفاخرا بأن القضاء المصري له سلطته المستقلة وأن القضاة سيشرفون بالكامل على "العملية الانتخابية" (وليس مجرد عملية الاقتراع)، وإذا بالقضاة يطالبون من البداية بصلاحيات إشراف كاملة غير منقوصة، فلا يستجيب النظام، ورغم تواضع مطالب القضاة –فيما يتعلق حتى بنتائج الانتخابات وما يعتبرونه تزويرا في بعض لجان الدوائر وإمكانية أن يتعامل النظام بحكمة مع الموقف ويراجع ما شاب العملية من تزوير وخلافه ودون أن يؤثر ذلك بالمرة على أغلبيته المضمونة بسبل شتى في البرلمان- اختار التشدد بل والتصعيد بإحالة عدد من القضاة إلى مجلس تأديب ولجنة صلاحية تمهيدا لقرار بعزلهم.

وإذا وضعنا في عين الاعتبار أن القاضي يحظى باحترام كبير لدى عامة المصريين، وخصوصا عندما يكون مستشارا بمحكمة النقض أعلى درجات التقاضي في المحاكم المصرية، وأن القضاة موضع الحديث ليسوا معارضين سياسيين يمكن النيل منهم بطريقة أو بأخرى، بل إنهم يتحركون في إطار مطالب مهنية بالأساس تصب في خانة استقلال القضاء واحترام هيبة أحكامه وعدم التلاعب بمقدرات أعضاء هيئته على يد السلطة التنفيذية، عندئذ يمكنك أن تشك –وأنت مطمئن- في أن الحكومة المصرية تبحث بيدها عما يباعدها عن المزاج العام للشعب وللنخبة، وتصر على زيادة الاحتقان العام وكأنها لا ترى نذره، فتقدم للمعارضة قضية على طبق من ذهب لتوظفها في صراعها معها!

ولك بالطبع أن تضيف حالة الاعتداء على أحد القضاة في ناديهم بوسط القاهرة في الثانية بعد منتصف الليل، وما يمكن أن تؤدي إليه من غضب واسع بين القضاة، لدرجة أن القضية الأساسية تتحول لتصبح "إهانة" لهم في شخص أحدهم، وفي نفس الوقت يشكو أحد أفراد الشرطة رئيس نادي القضاة متهما إياه باحتجازه هو وعدد من زملائه والاعتداء عليه بالضرب والسب والقذف داخل نادي القضاة!

مثل هذه التصرفات في الحقيقة توحي بأن من يقف وراءها لا يدرك الزمن الذي يعيش فيه، ولا الأجواء المحيطة به، ولا يراعي تبعات ما يفعل، فلو سألت مصريا صبيا أو كهلا هل تصدق أن رئيس نادي القضاة فعل ذلك؟ فربما يشك في أنك قادم توا من المريخ ولا تعرف "ألاعيب شيحة"، وإذا سألته أن القاضي محمود حمزة -الذي نقل إلى المستشفى بعد الواقعة وفرت الدموع من عينيه على شاشة الفضائيات- يتهم أفراد الشرطة ظلما وبهتانا ربما يرمقك المواطن بنظرة من يشك في قواك العقلية.

الحقيقة أن تفجيرات دهب مثلها مثل غيرها من الأحداث المزعجة في مصر مؤخرا ليست إلا محطة في سلسلة من المحطات المؤسفة من سوء تقدير الأمور ومن تراكم لأخطاء سياسية وإدارية عميقة وليست مجرد عنوان لخطأ عابر أو مؤقت.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home