"بتوع الجاز"
"بتوع الجاز"
أرابيسك الدستور 24 نوفمبر 2007
العرب لم يعودوا"بتوع الجاز" -كناية عن النفط- حسب تعبير الشاعر الجميل أحمد فؤاد نجم، وكما كنا نتصور عنهم في الماضي.. فكل من يسافر إلى دول الخليج حاليا يدرك تغيرا ملحوظا، المدن منظمة، والشوراع نظيفة والحياة مريحة، والأهم والجديد أن المشاريع كثيرة.
دبي التي اكتسبت شهرة في منطقتنا العربية من خلال مهرجان التسوق، مما أوحى لي ذات مرة باقتراح ساخر هو أن يضاف في وسط علمها علم دولة الإمارات شعار جديد يعبر عن سمة مميزة لأهلها وهو شعار مهرجان التسوق نفسه "أسرة رجل وزوجته وطفليه يدفعون أمامهم ترولي به حاجياتهم التي جمعوها من السوبر ماركت، دبي هذه تتغير الآن كل شهر تقريبا، تبنى ثلاث جزر في قبالة ساحل الخليج لتكون منتجعات سياحية وتبني أعلى برج في العالم ومطارات دولية وتضاعف عدد الغرف السياحية لاستقبال 15 مليون سائح عام 2015.
والدوحة تقفز قفزة كبيرة استعدادا لاستضافة بطولات رياضية عالمية وتنفذ فكرة تكاد تكون خيالية نظرا للطقس الحار والرطوبة المرتفعة هناك.. تقيم "ممشى مكيف" مفتوح في الهواء الطلق لمممرسة الرياضة، وأبوظبي تستقطب متاحف عالمية مثل اللوفر وجوجينهايم وتبنى مدينة ثقافية ومدينة للطاقة "مصدر" تعمل كلها بالطاقة المتجددة، والسعودية يقام بها ست مدن جديدة دفعة واحدة هي ليست فقط مدنا سكنية لتستوعب الزيادة السكانية الكبيرة وإنما مدن صناعية تهدف إلى جلب استثمارات خارجية، وتبني أيضا جامعة للأبحاث العلمية بالأساس مستقلة عن وزارة التعليم ولا تخضع لسلطة "المطوعين" هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تمارس سلطاتها في كافة أرجاء المجتمع السعودي، والبحرين تسعى بقوة لتكون عاصمة مصرفية.
إنها حالة من المنافسة الشديدة، ليس للتباهي والمفاخرة كعادة العرب القديمة، وإنما لهدف واضح: مواجهة مرحلة ما بعد النفط، وتنويع مصادر الدخل الاقتصادي، وقائمة المشروعات طويلة جدا، ولدبي فيها نصيب الأسد والسبق.. للوهلة الأولى ربما ترجع ذلك التطور إلى الطفرة النفطية في السنوات الثلاث أو الخمس الماضية، وإلى تدفق عائدات بالمليارات نتيجة ارتفاع أسعار النفط حتى قاربت 100 دولار للبرميل مؤخرا، لكن الأمر له بعد إضافي يتعلق بأسلوب إدارة تلك الدول، التي يشبهها البعض "بإدارة الشركات"، فالقائمون على أمور دول الخليج يستعينون بخبراء محترفين في إدارة الموارد والتخطيط للمستقبل وتسويق المشروعات لتحقيق أعلى عوائد على البلد نفسها وعلى مواطنيها، بل إن كثيرا من الخبراء الغربيين يشكون من تراجع اسثمارات دول الخليج في أمريكا تحديدا، واتجاهها إلى مشاريع البنية الأساسية داخل دول الخليج نفسها، ولتحقيق رفاهية المواطنين.
العرب يسابقون الزمن وهاجسهم المستقبل، فخلال خمسين أو مائة عام قادمة ربما تتراجع أو تنفذ تماما احتياطياتهم النفطية، بينما يتضاعف عدد سكانهم مرات، ولذلك راحوا يركزون على صناعات الخدمات: السياحة والتجارة والتنمية البشرية والعلم.. العرب لم يعودوا "بتوع الجاز" يا عم أحمد، وإحنا في مصر اللي بقينا بتوع حاجة تانية.
mal3onaboeldonya@hotmail.com
أرابيسك الدستور 24 نوفمبر 2007
العرب لم يعودوا"بتوع الجاز" -كناية عن النفط- حسب تعبير الشاعر الجميل أحمد فؤاد نجم، وكما كنا نتصور عنهم في الماضي.. فكل من يسافر إلى دول الخليج حاليا يدرك تغيرا ملحوظا، المدن منظمة، والشوراع نظيفة والحياة مريحة، والأهم والجديد أن المشاريع كثيرة.
دبي التي اكتسبت شهرة في منطقتنا العربية من خلال مهرجان التسوق، مما أوحى لي ذات مرة باقتراح ساخر هو أن يضاف في وسط علمها علم دولة الإمارات شعار جديد يعبر عن سمة مميزة لأهلها وهو شعار مهرجان التسوق نفسه "أسرة رجل وزوجته وطفليه يدفعون أمامهم ترولي به حاجياتهم التي جمعوها من السوبر ماركت، دبي هذه تتغير الآن كل شهر تقريبا، تبنى ثلاث جزر في قبالة ساحل الخليج لتكون منتجعات سياحية وتبني أعلى برج في العالم ومطارات دولية وتضاعف عدد الغرف السياحية لاستقبال 15 مليون سائح عام 2015.
والدوحة تقفز قفزة كبيرة استعدادا لاستضافة بطولات رياضية عالمية وتنفذ فكرة تكاد تكون خيالية نظرا للطقس الحار والرطوبة المرتفعة هناك.. تقيم "ممشى مكيف" مفتوح في الهواء الطلق لمممرسة الرياضة، وأبوظبي تستقطب متاحف عالمية مثل اللوفر وجوجينهايم وتبنى مدينة ثقافية ومدينة للطاقة "مصدر" تعمل كلها بالطاقة المتجددة، والسعودية يقام بها ست مدن جديدة دفعة واحدة هي ليست فقط مدنا سكنية لتستوعب الزيادة السكانية الكبيرة وإنما مدن صناعية تهدف إلى جلب استثمارات خارجية، وتبني أيضا جامعة للأبحاث العلمية بالأساس مستقلة عن وزارة التعليم ولا تخضع لسلطة "المطوعين" هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تمارس سلطاتها في كافة أرجاء المجتمع السعودي، والبحرين تسعى بقوة لتكون عاصمة مصرفية.
إنها حالة من المنافسة الشديدة، ليس للتباهي والمفاخرة كعادة العرب القديمة، وإنما لهدف واضح: مواجهة مرحلة ما بعد النفط، وتنويع مصادر الدخل الاقتصادي، وقائمة المشروعات طويلة جدا، ولدبي فيها نصيب الأسد والسبق.. للوهلة الأولى ربما ترجع ذلك التطور إلى الطفرة النفطية في السنوات الثلاث أو الخمس الماضية، وإلى تدفق عائدات بالمليارات نتيجة ارتفاع أسعار النفط حتى قاربت 100 دولار للبرميل مؤخرا، لكن الأمر له بعد إضافي يتعلق بأسلوب إدارة تلك الدول، التي يشبهها البعض "بإدارة الشركات"، فالقائمون على أمور دول الخليج يستعينون بخبراء محترفين في إدارة الموارد والتخطيط للمستقبل وتسويق المشروعات لتحقيق أعلى عوائد على البلد نفسها وعلى مواطنيها، بل إن كثيرا من الخبراء الغربيين يشكون من تراجع اسثمارات دول الخليج في أمريكا تحديدا، واتجاهها إلى مشاريع البنية الأساسية داخل دول الخليج نفسها، ولتحقيق رفاهية المواطنين.
العرب يسابقون الزمن وهاجسهم المستقبل، فخلال خمسين أو مائة عام قادمة ربما تتراجع أو تنفذ تماما احتياطياتهم النفطية، بينما يتضاعف عدد سكانهم مرات، ولذلك راحوا يركزون على صناعات الخدمات: السياحة والتجارة والتنمية البشرية والعلم.. العرب لم يعودوا "بتوع الجاز" يا عم أحمد، وإحنا في مصر اللي بقينا بتوع حاجة تانية.
mal3onaboeldonya@hotmail.com
0 Comments:
Post a Comment
<< Home