Thursday, December 01, 2005

ليس غريبا أن تضرب أمريكا قناة الجزيرة- روبرت فيسك




بوش فعلها في بغداد وكابول وكلينتون فعلها في يوجوسلافيا

في مقاله الأسبوعي والذي حمل عنوان "لا عجب أن الجزيرة كانت هدفا" 26 نوفمبر في صحيفة الإندبندنت قدم الصحفي البريطاني المرموق روبرت فيسك شهادة نادرة حول ما كشفته صحيفة الديلي ميرور قبل أيام عن أن الرئيس الأمريكي جورج بوش خطط لضرب قناة الجزيرة الفضائية العام الماضي.. فيسك كان شاهد عيان على محاولة مبكرة للقوات الأمريكية لضرب مكتب الجزيرة في بغداد، قبل ثلاثة أيام من ضرب المكتب بصاروخ بالفعل في 7 أبريل 2003، أودى بحياة الصحفي الأردني –الفلسطيني طارق أيوب، وكان فيسك شاهدا أيضا على قصف المقاتلات الأمريكية لتليفزيون صربيا في 1998.. إنها شهادة تستحق القراءة.. يقول فيها:

في 4 أبريل 2003، كنت أقف على سطح مكتب الجزيرة في بغداد. في الأفق كانت ملحمة شاهقة من حرائق النفط والبنايات المحترقة. والأسلحة المضادة للطائرات في متنزه عام قريب من المكتب كانت تطلق القذائف إلى السماء وأزيز الطائرات يتردد عبر المدينة. وكنت على وشك أن أبدأ مقابلة مزدوجة مع مقر الجزيرة الرئيسي في قطر عندما مر صاروخ أمريكي فوق نهر دجلة من خلفي. وتسبب "حفيف" مساره في صراخ فني قطري التقط الصوت على سماعاته.

وسألني "هل كان ذلك كما اعتقدت؟". وأجبت إنني أخشى أن يكون الأمر كذلك، بينما اندفع الصاروخ كروز المدهون باللون الأبيض تحت أحد جسور دجلة واختفى في تياره. بعد انتهاء "مشاركتي" في البرنامج – طلب التليفزيون مشاهد من قمة السطح لبغداد حتى في هذا اليوم، بينما كان أغلب المراسلين محتجزين في مكاتبهم وفنادقهم بفرق المرتزقة المستأجرين- نزلت إلى غرفة أخبار الجزيرة حيث كان مدير المكتب الأردني- الفلسطيني، طارق أيوب، يحاول تجميع تقريره القادم. قلت له "أنت لديك أخطر مكتب تليفزيون في تاريخ العالم".

وأشرت إلى مدى سهولة أن يكون مكتبه في بغداد هدفا إذا أراد الأمريكيون أن يحطموا تغطيته -التي يشاهدها العالم العربي- للضحايا المدنيين جراء القصف الأنجلو-أمريكي للعراق. فأجاب طارق "لا تقلق، يا روبرت". "لقد أعطينا الأمريكيين موقع مكتبنا بدقة ولذلك لن نصاب بقصف" وبعد ثلاثة أيام، قتل طارق.

وكانت الجزيرة بالطبع قد أعطت إحداثي خريطة مكتبها إلى وزارة الدفاع الأمريكية. وبالفعل، ذهب ضابط الشئون العامة بوزارة الخارجية الأمريكية– وهو رجل من أصول لبنانية اسمه نبيل خوري- إلى إدارة المحطة في قطر في 6 أبريل لطمأنتهم أن مكتبهم لن يتعرض لأذى. ثم في 7 أبريل، بينما كان طارق أيوب يبث مشاهد من بغداد في الساعة 7.45 صباحا من نفس البقعة على السطح حيث كنت أقف قبل ذلك، عبرت طائرة أمريكية فوق نهر دجلة وأطلقت صاروخا واحدا على مكتب الجزيرة. وأسفر الانفجار عن مقتل طارق على الفور. ولم يكن هذا هجوما خاطئا. وحسبما قال لي تيسير علوني زميل طارق أيوب فيما بعد "كانت الطائرة منخفضة جدا، لدرجة أننا اعتقدنا أنها ستهبط على سطح البناية".

تيسير يعرف ذلك. فقد كان مراسل الجزيرة في كابول في 2001 عندما دمر صاروخ كروز مكتبه (الذي كان خاليا وقتها لحسن الحظ). كانت الجزيرة تبث تهديدات وخطب بن لادن من أفغانستان ولم يشك أحد في ذلك الوقت في أن الهجوم - الذي ادعى الأمريكيون أنه كان خطأ - كان متعمدا. وبعد مقتل طارق أيوب في بغداد في 2003، عبرت وزارة الدفاع الأمريكية في رسالة تفسيرية بلا روح عن أسفها لمقتل أيوب، لكنها لم تهتم بتقديم تفسير للهجوم. لماذا يجب أن تفعل؟ ومع ذلك، وفي نفس اليوم، أطلقت دبابة أمريكية طراز أبرامز إم -1 –إيه-1 قذيفة على فندق فلسطين، فقتلت ثلاثة صحفيين آخرين. وقال الأمريكيون إن نيران أسلحة خفيفة كانت تطلق من مبنى الفندق. وكان ذلك أكذوبة.

ولم أكن مندهشا. تذكرت ما حدث في بلجراد في عام 1998، عندما شاهدت الأمريكيين يقصفون مقر تليفزيون صربيا، وهو عمل، حسبما كتبت في الصباح التالي، يسمح لمنظمة حلف شمال الأطلسي بضرب أهداف هي كلمات قالها رجال ونساء – وليس أعمال ارتكبوها. يالها من سابقة يمكن تكرارها في المستقبل؟ كان علي أن أحزر.

ما وجه الغرابة إذن في رغبة جورج بوش في قصف الجزيرة في 2004؟ وما وجه الغرابة في أن اللورد بلير لورد "كوت العمارة" **- الذي يفترض أنه أقنع الرئيس الأمريكي بالعدول عن هذا الجنون الأخير- يهدد الآن الصحافة البريطانية بناء على قانون حماية أسرار الدولة خشية أن يفصحوا عما بداخل علبة الديدان بالكامل، في توافق تام مع تكبر القوة الذي ارتبط بتحالف بوش -بلير الآن. لقد كرر الوزراء البريطانيون بخسة أكاذيب أمريكا عندما قتلت طائرة أمريكية أبرياء في بغداد في 2003 وهم سيغطون بسعادة رغبة بوش الدائمة في قصف أعدائه المفترضين، مهما كانوا أبرياء.

عندما بدأت الجزيرة إرسالها في انحاء العالم العربي، رحب الأمريكيون بظهورها كرمز للحرية وسط دكتاتوريات الشرق الأوسط. وأشاد كاتب نيويورك تايمز الصحفي التبشيري توماس فريدمان بها كمشعل للحرية - وهي سابقة خطيرة أن تأتي هذه المقولة من فريدمان- بينما اعتبر المسئولون الأمريكيون مواد المحطة دليلا على أن العرب يريدون حرية التعبير. وكان في هذا جانب من الحقيقة. وعندما بثت القناة سلسلة رائعة من 16 حلقة عن الحرب الأهلية اللبنانية – وهو موضوع تتحاشاه محطات التلفزيون اللبنانية لحساسيته- أصبح كورنيش البحر المزدحم عادة أمام بيتي في لبنان مهجورا.

العرب يريدون رؤية وسماع الحقائق التي حرمهم منها زعماؤهم.

لكن عندما بدأت الجزيرة نفسها إذاعة كلمات بن لادن، خفت حماس فريدمان ووزارة الخارجية الأمريكية تماما. وبحلول عام 2003، ادعى نائب وزير الدفاع الأمريكي بول وولفويتز- ذلك المثل الأعلى للديمقراطية الذي تساءل لماذا ليس لدى جنرالات تركيا "شيء يقولونه" عندما منع البرلمان التركي المنتخب ديموقراطيا القوات الأمريكية من استخدام أرضهم لاحتلال العراق - كذبا أن الجزيرة "تعرض حياة القوات الأمريكية للخطر". ورئيسه دونالد رامسفيلد كذب كذبة أكبر: هي أن الجزيرة تتعاون مع المتمردين العراقيين. وقضيت أياما أتحرى هذه الادعاءات. واتضح أنها جميعا خاطئة. أشرطة هجمات الفدائيين على القوات الأمريكية كان تصل بشكل مجهول إلى مكاتب المحطة، ولم تقم طواقم العمل بالجزيرة بتصويرها. لكن الموت كان اختيارا. وأثبتت الحكومة العراقية المنتخبة حديثا أوراق اعتمادها الديمقراطية بطرد الجزيرة من البلاد - بالضبط مثلما هدد صدام بعمل ذلك في مطلع 2003.

بالطبع، الجزيرة ليست الطفل العبقري في الصحافة. وبرامجها الحوارية يضعفها في أغلب الأحيان استضافة إسلاميين متشددين، وموازنتها تقديم خطب بن لادن المتعبة بمقابلات مع زعماء غربيين هو أقسى من أي أسئلة توضع أمام قيادة القاعدة الملتحية. لكنها صوت حر في الشرق الأوسط - ولذلك هاجمها الأمريكيون في كابول وفي بغداد. وكادوا أن يفعلوها في قطر. ولذلك سيقمع اللورد بلير، لورد "كوت العمارة"، الصحفيين البريطانيين الآن إذا تجاسروا على كشف آخر نقطة من الهوة المظلمة والدامية التي أسقطنا فيها السيدان بلير وبوش.

* بوصف فيسك لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير بتعبير "لورد كوت العمارة" يشير الكاتب إلى أسوأ هزيمة في تاريخ الجيش البريطاني 1915 – 1916 والتي خسر خلالها أكثر من 23 ألف رجل عندما حاصرهم الأتراك من مطلع ديسمبر 1915 وحتى 29 أبريل 1916 في كوت العمارة بالعراق، واضطرت القوات البريطانية إلى الاستسلام في النهاية.- المترجم

** الترجمة على مسئوليتي الخاصة وأهيب بمن ينقلها أن يتحلى بأخلاق الفرسان ويشير إلى مصدرها.. أيمن شرف

0 Comments:

Post a Comment

<< Home