فوز الإخوان صفعة في وجه الوطني وجمال مبارك وأبيه
الصحافة العالمية تتابع بدقة "فشل القمع الوطني"
المقال منشور في صحيفة الدستور المصرية الأربعاء 30 نوفمبر 2005
المقال منشور في صحيفة الدستور المصرية الأربعاء 30 نوفمبر 2005
الكلمتان الأكثر تكرارا في عناوين التقارير والتحليلات المتعلقة بالانتخابات المصرية في صحف العالم من باكستان وربما الصين شرقا حتى كندا وأمريكا غربا في اليومين التاليين للمرحلة الثانية هما "الإخوان المسلمين":
"تقدم الإخوان المسلمين يقلق الغرب" - الأسوشيتدبرس (تحليل نشر في عشرات الصحف).
"في ظل الإكراه، الإخوان المسلمون ما زالوا يصعدون" -نيويورك تايمز
"الإخوان يبدأون الزحف نحو الدولة الإسلامية" -التايمز البريطانية
"قمع مبارك يفشل في وقف نجاحات الإخوان المسلمين" -فاينانشيال تايمز
"قوة الإخوان المسلمين تحرج حكام مصر"- واشنطن بوست.
هذا هو الموجز وإليكم الأنباء بالتفصيل، مع ملاحظة مهمة أنني حذفت لدواعي مهنية كل ما يمكن أن تقرأه وتشاهده من صور فاضحة في صحافتنا المصرية –غير الحكومية طبعا- لمآسي وممارسات "حكم البلطجة أو بلطجة الحكم" أمام مقار اللجان الانتخابية في الحلقة الثانية من مسلسل "النظام المذعور"، فيكفيك ما تقرأه في مواضع أخرى.
في تحليل عنوانه "انتخابات مصر تقلق الغرب" كتبت سالي بازبي "لعدة شهور، ظلت إدارة بوش تعلن أنها جادة بشأن دفع الديمقراطية قدما في الشرق الأوسط. وهي الآن على وشك أن تتلقى اختبارا جديا لنواياها".
فمصر، أكبر دولة عربية من حيث عدد سكانها، هبت فجأة على انتخابات شرسة ومنفتحة بدرجة كبيرة يبدو أكيدا أنها ستسفر عن أن الفائز الأكبر فيها هو الجماعة الإسلامية الرئيسية في البلاد، "الإخوان المسلمين" المحظورة.
وقد بدأ حكام البلاد، وهم حلفاء لأمريكا منذ مدة طويلة، في إظهار علامات الرعب: منعت الشرطة الناخبين من التصويت وأطلقت الغاز المسيل للدموع عليهم وهاجم البلطجية أنصار الإخوان المسلمين في الأيام الماضية في محاولة واضحة لمنع التقدم المتزايد للجماعة.
وحتى قبل الدورة النهائية للتصويت يوم الخميس، زادت مقاعد الإخوان -الذي يتنافسون كمستقلين- في البرلمان خمسة أضعاف. وهذا ليس كافيا لعزل الحزب الحاكم، لكنه يعتبر صفعة قاسية للرئيس حسني مبارك.
وبشكل من الأشكال، وعلى الرغم من العنف، تسير الأمور كما يمكن أن يتمنى الرئيس بوش. بعد تسعة شهور من اتخاذ مبارك خطوات أولى نحو الإصلاح تحت الضغط الأمريكي، من الواضح بشكل غير قابل للجدل أن المصريين يتوقون إلى الاختيار والتغيير، وهو الأصل في الديمقراطية.
ورغم ذلك، هناك أمران فيما يتعلق بالانتخابات يمكن أن يثيرا قلق الغرب بشدة:
ـ الأول هو جماعة الإخوان المسلمين نفسها، وما يمكن أن تفعله الآن بعد أن اكتسبت قوة كافية للتأثير على سياسة الحكومة في نظام علماني هي تعارضه.
ـ الثاني الاضطراب الذي يحتمل أن تواجهه مصر أثناء أي تحول،والذي يرتبط بصراع مبارك المعمر ونخبته الحاكمة منذ زمن طويل من أجل أن تقرر ما إذا كانت تتخلى عن السلطة، وإذا كان الأمر كذلك، فبأي درجة وبأي سرعة.
والقضية الثانية تحظى بالاهتمام لأنها مؤثرة في المصالح الأمريكية.
بينما يقول بوش إن من النفاق أن تتخلى الولايات المتحدة عن إصلاح ديمقراطي ملح للأنظمة الاستبدادية مثل تلك الموجودة في مصر والأردن والسعودية في مقابل تأييدها في قضايا أخرى، ما زالت تحتاج واشنطن بعض الحلفاء العرب في الوقت الذي ينشط الموالون للقاعدة، ويتزايد عداء إيران تجاه إسرائيل، ويستمر وضع العراق الدامي.
وسيكون وضع حكومة مصرية فوضوية، ممزقة بالمشاكل الداخلية، أمرا سيئا بالنسبة لأمريكا، العاجزة أو غير الراغبة في المساعدة في تحقيق السلام العربي الإسرائيلي أو تحقيق المصالحة العراقية. ورغم ذلك فإن التراجع الأمريكي عن الديمقراطية يعزز وجهة نظر كثيرين من العرب يرتابون في الدوافع الأمريكية في المنطقة.
حتى الآن، أكدت إدارة بوش على أنها لا تريد سوى انتخابات حرة ونزيهة. وهي لا ترى أي تمييز بين مرشحين شرعيين وأولئك الذين يؤيدون الإخوان المسلمين وكما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية آدم إيرلي إن الإدارة "لا تحبذ نتيجة معينة".
وفي الحقيقة يرى بعض المسئولين الأمريكيين أن الطريقة الوحيدة إلى تحويل جماعات مثل الإخوان إلى الديموقراطية هو وضعهم في نظام سياسي قانوني وترك الناس يقيمون فعليا طريقتهم في الحكم.
ولكن، هناك عدم ارتياح أمريكي تجاه الإخوان، في جماعة ستكون بالتأكيد أقل تكيفا عن مبارك بشأن قضايا مثل إسرائيل بالإضافة إلى أنها تدعو لارتداء الحجاب.
وقد قال زعيم جماعة الإخوان محمد مهدي عاكف إن الجماعة لن تضغط من أجل إلغاء معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، بعد أن أصبح لها تأثير أكبر في البرلمان. لكنه أوضح أن العلاقة مع إسرائيل ليست ودية. وقال "إننا لا نعترف بإسرائيل، لكننا لن نحاربها".
ويخشى البعض من أن موقف جماعة الإخوان المعتدل جدا حاليا –والتي تخلت عن العنفا في السبعينات وقالت إنها تريد إقامة دولة إسلامية عبر الوسائل السلمية- ليس إلا ساتر دخان.
وعندما سئلت إليزابيث تشيني، نائب مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للمنطقة وابنة نائب الرئيس، عن الإخوان المسلمين في وقت سابق من هذا الخريف، قالت هناك "أسئلة جدية" عما إذا كانت مثل هذه الجماعات ستحمي حقوق المرأة والحرية الدينية إذا تولت السلطة.
والواقع أن كثيرا من المصريين الذين صوتوا لصالح الإخوان فعلوا ذلك ليس لأنهم يريدون حكومة إسلامية ولكن احتجاجا على نظام مبارك الذي يعتبر نظاما فاسدا على نطاق واسع.
وقد قال محمد مهدي عاكف، زعيم جماعة الأخوان المسلمين، إن عدم الثقة والإحباط والغضب العام المتزايد من حكم الرئيس حسني مبارك وراء الأداء الجيد للإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية.
والانتخابات -من وجهة نظر أمريكية- تمثل "لا" واضحة وبسيطة ضد الوضع الراهن الذي لا يؤيده سوى أقلية محدودة.
لكن على الرغم من وعود الإخوان بالاعتدال، كما يرى بعض المحللين الأمريكيين- يمكن أن تمارس الحكومات ذات النزعات الإسلامية القوية "الترهيب لمعارضيها وتدفعهم إلى الصمت، وتقلص حقوق المرأة والأقليات وتدعم المجموعات العنيفة".
***
وفي نيويورك تايمز يكتب مايكل سلاكمان تحت عنوان "في ظل الإكراه، الإخوان المسلمون ما زال يصعدون في الانتخابات":
رغم أن جماعة الإخوان المسلمون محظورة تقريبا، إلا أنها أثبتت في الانتخابات البرلمانية أنها أقوى مجموعة معارضة مصرية، فهزمت المعارضة السياسية العلمانية وأضعفت احتكار الحزب الحاكم للسلطة. ومع صدور نتائج الدورة الثانية حصل الإخوان على 76 مقعدا – أي أكثر من خمس أمثال أعضاء الإخوان في البرلمان المنتهية دورته.
وتاتي مكاسب الجماعة في الدورة الثانية على الرغم من جهود قوات الأمن لمنع أنصارها من الوصول إلى لجان الاقتراع حسب شهادة مراقبي الانتخابات المستقلين. وهي الآن مجموعة المعارضة الوحيدة التي يحتمل أن تتأهل –نظريا- لترشيح مرشح ضد الرئيس حسني مبارك في الانتخابات المقبلة.
وصحيح أن حزب مبارك الحاكم سيواصل السيطرة على أغلبية كبيرة من مقاعد البرلمان على ما يبدو، بعد فوزه بـ 195 مقعدا. لكن التركيبة الجديدة للمجلس، قد تعني أن الحزب سيجد نفسه مجبرا على الدفاع عن سجله علنا وعن ممارساته ضد الإخوان التي تحظى بتأييد كبير، وتريد جعل مصر دولة دينية تحكمها الشريعة الإسلامية.
هذا التحول قد يجبر إدارة بوش أيضا على أن تقرر ما إذا كانت تتمسك بسياستها في تجنب أي إتصال بالجماعة، مثلما قالت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس مرارا أثناء جولتها في الشرق الأوسط في يونيو الماضي.
وعلى الرغم من نجاحات الجماعة، من الصعب قياس عمق التأييد الذي تتمتع به، في ظل الإقبال المنخفض على التصويت، والذي تراوح في أغلب الأحيان بين 10 و25 بالمئة. ويرى المحللون السياسيون أن نجاح الجماعة كان على الأقل جزئيا بسبب غياب أي معارضة سياسية منظمة أخرى.
وكان من المفترض أن تكون الانتخابات البرلمانية فرصة للجيل الشاب من قيادات الحزب الوطني تحت قيادة جمال مبارك ابن الرئيس، لمواصلة أجندة تستهدف فتح العملية السياسية -قليلا- وإزاحة الحرس القديم وممارساتهم الأكثر قسوة.
وبدلا من ذلك، فقد بعض كوادر الحرس الجديد مقاعدهم، وقبل أن تنتهي الانتخابات كان واضحا من المسئول. وظهرت الأساليب العنيفة للانتخابات الماضية مرة أخرى، ومنعت الشرطة الوصول إلى مقار اللجان واعتقلت المئات من أنصار الإخوان.
وتظهر نتائج الانتخابات أن هناك حالة مخيفة من الاستقطاب في مصر، وهي ليست لمصلحة أي شخص. ففي مصر الآن تيار ديني من ناحية وحزب فقد شرعيته ومصداقيته ويستميت للبقاء في السلطة على الجانب الآخر.
وقوة الحزب الحاكم التي تمت المبالغة فيها كثيرا، تعود إلى حجمها الطبيعي. وقوة الإخوان المسلمين تظهر كما كان متوقعا حية ومتجسدة.
***
وفي مقال عنوانه "الإخوان يبدأون الزحف نحو الدولة الإسلامية" كتبت صحيفة التايمز البريطانية أن "النجاح غير المتوقع للإخوان المسلمين، الحركة الإسلامية الأقدم والأكبر في العالم العربي، بحصولها على أكثر من خمس مقاعد البرلمان، سيسبب القلق في الغرب وقلق نظام الرئيس مبارك".
هذه النتائج ستجعل الإخوان المسلمين كتلة المعارضة الأكبر لحزب مبارك الوطني الحاكم، وتعطيها الحق في ترشيح مرشح في إنتخابات الرئاسة عام 2011 عندما يتنحى مبارك كما قال.
وبينما كانت الدورة الأولى من التصويت أقل في معدل المخالفات، أشار القضاة المشرفون على التصويت في تسع محافظات إلى زيادة ملحوظة في المخالفات يرجعونها إلى قلق النظام من نجاح الإخوان. وقال القضاة إن مقار اللجان حوصرت ومنع الناخبون من الإدلاء بأصواتهم. ورفضت الشرطة تنفيذ أوامر القضاة المسئولين عن الانتخابات الذين طلب السماح للناس بالتصويت.
***
وفي فاينانشيال تايمز كتب وليام والاس تحت عنوان "قمع مبارك يفشل في وقف نجاحات الإخوان المسلمين في الانتخابات المصرية":
واصلت جماعة الإخوان المسلمين في مصر نجاحا لم يسبق له مثيل في الانتخابات البرلمانية، بالرغم مما وصفه مراقبون مستقلون محاولة مستميتة من الحكومة لوقف تقدمها.
ومازال حزب الرئيس حسني مبارك الوطني الديموقراطي محتفظا بأغلبية كبيرة بالرغم من خسائره، لكن مستوى نجاح الإخوان كشف الحزب الوطني وأثار قلقا بين المثقفين العلمانيين ورجال الأعمال الذي يخافون من مد الإسلام الأصولي.
وأكدت الانتخابات البرلمانية معضلة واشنطن في الدفع نحو مزيد من الديمقراطية في الشرق الأوسط. وبينما حث الرئيس الأمريكي جورج بوش حليفه القديم مبارك، على تمهيد الطريق للديموقراطية، مثلما فعل في أماكن أخرى في العالم العربي، تواجه واشنطن الآن نتائج قد لا تفضلها.
ورغم أن الجماعة محظورة منذ عام 1954 إلا أنها نجت من عمليات القمع المتكررة بتأسيس قاعدة قوية من التأييد من خلال العمل الاجتماعي وتجنيد الأفراد. وفي حين أن الجماعة تتبنى الديمقراطية، إلا أنها تتتمسك بخط معادي لإسرائيل ومعادي لأمريكا بقوة.
ولم تحصل أحزاب المعارضة اليسارية والليبرالية العلمانية سوى على بضعة مقاعد، الأمر الذي أكد أن جماعة الإخوان هي قوة المعارضة الوحيدة المنظمة في مصر وفرض ضغوطا على مبارك لإعادة النظر في وضعها القانوني وتسبب في زيادة القمع في منتصف الانتخابات.
***
وفي واشنطن بوست نقرأ تحليلا عنوانه "قوة الإخوان المسلمين تحرج حكام مصر": الأداء الجيد للإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية كشف حكام مصر ويمكن أن يغير الحياة السياسية في أكبر دولة عربية.
وبينما يقول مراقبون مستقلون إن الحزب الوطني الديمقراطي لجأ إلى الرشوة وإجبار المواطنين على الخروج للتصويت على نطاق واسع، أظهر الإخوان عمق تأييدهم بتعبئة آلاف النشطاء والفوزر بالمقاعد رغم القمع. وتعتبر النتائج التي حققها الإخوان كبيرة حتى لو كان الإسلاميين لا يمثلون تحديا لتولي السلطة الآن.
وقد حملت الانتخابات حتى الآن رسالة هي أن هناك حاجة إلى ما هو أكبر من الأشكال البسيطة من الرشوة. حاجة إلى أيديولوجية وسياسة ومن الواضح أن الحزب الوطني الحاكم لا يمتلك شيئا من هذا.
والإخوان يتنافسون على ثلث المقاعد فقط حتى لا يثيرون النظام ضدهم وهو كثيرا ما يهاجم الجماعة بحجة أنها ممنوعة رسميا.
وكان تقدير الحكومة أن جماعة الإخوان قوية، لكن ليس إلى هذه الدرجة. وتشير بعض التقديرات إلى أن 20 إلى 25 بالمئة من الأصوات التي حصل عليها الإخوان جاءت من مواطنين صوتوا احتجاجا على الحكومة، لكن الباقي من أنصار الجماعة.
ويعد فوز الإخوان بهذه النسبة صفعة في وجه الحزب الوطني وجمال مبارك - ابن الرئيس الذي قاد جهود إعادة هيكلة الحزب وقاد حملة الحزب في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية هذا العام.
0 Comments:
Post a Comment
<< Home