Wednesday, June 07, 2006

الديموقراطية قادمة حتى لو غاب بوش



هل تتراجع أميركا عن "سياسة نشر الديمقراطية" في العالم العربي بعد أن ظهر جليا أن "الانتخابات" تأتي بالإسلاميين إلى السلطة أو تسمح لهم بمساحة أكبر من الحركة العلنية؟ سؤال يتردد كثيرا في أذهان دعاة الديموقراطية في العالم العربي الذين يدركون جيدا أن الدعم الخارجي – أو قل الضغط الخارجي- له دور حاسم في زحزحزة الأنظمة الحالية عن استئثارها بالسلطة والسيطرة على كل منافذ الحياة السياسية.


الأمر يحتاج إلى تأمل.. أولا؛ إنّ التوجه الأميركي والغربي عموما نحو توسيع الممارسة الديمقراطية ليس جديدا، صحيح أنه اكتسب زخما أكبر مع إدارة بوش الجمهورية والتي جعلته خيارا مركزيا في استراتيجيتها المعلنة "من أجل مكافحة الإرهاب" بعد إدراكها أن الاستبداد فاعل أول في تكوين وانتشار الأيديولوجيا الإسلامية المتشددة إثر هجمات 11 سبتمبر، لكن التحول – الشكلي نسبيا- في بعض دول الخليج – على سبيل المثال- باتجاه إقامة مجالس شورى هو نتاج نصائح غربية للقائمين على الحكم فيها، حتى وإن كان يهدف كما يرى البعض إلى إعطائها شرعية جديدة.


ثانيا؛ إنّ الدفع باتجاه الديمقراطية في واقع الأمر لا يقتصر فقط على الإدارة الأميركية الحالية، بل يمتد إلى منظومة واسعة من المؤسسات الحقوقية الغربية حكومية أو غير حكومية، كمنظمات حقوق الإنسان والمؤسسات الدولية الراعية للتنمية السياسية والاجتماعية في العالم الثالث، التي ساهمت منذ أكثر من عشرين عاما في إنشاء وتنشيط حركة مجتمع مدني في العالم العربي. ويمتد ذلك الدفع أيضا إلى تطور آخر – لا يد للسياسيين فيه- هو كثافة التواصل بين المجتمعات عبر الإنترنت والفضائيات التي تملأ العشرات والمئات منها الأثير العربي الآن بألوان من الموضوعات والتغطيات التي تناصر حقوق الفرد في الحرية والمواطنة وتنتقد التسلط والاستبداد والاستئثار بأدوات الحكم.


ثالثا؛ إنّ أنظمة صنع القرار في الولايات المتحدة وأوروبا أيضا تتمتع بالمرونة والابتكار في أدوات نحقيق أهدافها، وعندما تصطدم بعقبة "فوز الإسلاميين" الذين تعتبرهم خصوما وخطرا على سياساتها إذا ما وصلوا إلى السلطة، فإنها تبحث عن بدائل وخصوصا أنها تطمح إلى خطط بعيدة المدى، فيتجه تفكيرها إلى "صنع" و"دعم نشوء" حركات سياسية ليبرالية يمكنها أن تحل محل الأنظمة المستبدة وتحافظ في نفس الوقت على سياسات الدول المتحالفة معها حاليا.
والأدبيات السياسية المتعلقة بالتخطيط للمستقبل في المنطقة العربية حافلة بكلام عن فتح المجنمعات العربية عبر تفعيل أدوات – غير الانتخابات- كحرية الصحافة واستقلال القضاء وتمكين المرأة وإقرار حكم القانون ومحاربة الفساد ولحترام حقوق الإنسان، بما يصب في النهاية في بروز أشكال سياسية -غير إسلامية- تصلح بديلا.


وبغض النظر عن الشكوك العربية في براجماتية "سياسة نشر الديمقراطية" الأميركية الأوروبية في العالم العربي – وهي صحيحة في جانب كبير منها، نظرا لارتباط تلك البراجماتية بتغيير أنظمة سياسية تعتبرها أميركا معادية أو غير متوافقة مع سياساتها ومناوئة لها– كما هو الحال مع إيران وسورية وحماس مثلا.. بغض النظر عن تلك الشكوك أو مع وضعها في الاعتبار بحيث لا تتماهى جهود النخب العربية الساعية إلى الحرية وتحسين نمط الحكم في بلادها مع أجندة سياسية غريبة ضيقة الأفق.


لا ينبغي التمترس ضد سياسة نشر الديمقراطية بحجج أصبحت في الحقيقة شكلية وتصب أحيانا في خانة الأنظمة الاستبدادية، بل ينبغي التعامل ببراجماتية أيضا مع تلك السياسة وصولا إلى الأهداف النبيلة للنخب العربية الساعية إلى الحرية، فمن المحتمل بدرجة كبيرة ألا ينتهي نشر الديمقراطية بتجزئة المنطقة العربية أو بمزيد من الهيمنة الغربية والإسرائيلية على العالم العربي، بالعكس .. المحتمل بدرجة أكبر هو أن تصبح أنظمة الحكم العربية أكثر رشدا في إدارة علاقتها مع أميركا والغرب وإسرائيل إذا أضافت حرية شعوبها إلى رصيدها في مواجهة الخارج وإذا عبرت التوجهات الحقيقية للشعوب عن ذاتها في سياسة دولها خارجيا وداخليا.

* نشر المقال تحت عنوان "مستقبل الديمقراطية" في الغد الأردنية بتاريخ 8/6/2006

0 Comments:

Post a Comment

<< Home