Monday, December 31, 2007

برميل بارود




لن تتوقف الاحتكاكات والتوترات بين مسلمين وأقباط في مصر طالما ظل طرفاها يحتكمان إلى نصوصهما الدينية في إدارة العلاقة بينهما، وطالما ظلت الدولة تستخدم الدين وتوظفه لأغراضها السياسية الوقتية قصيرة المدى وقصيرة النظر، فتنحاز مرة هنا ومرة هناك، وتُبقي ملف الأقباط –مثله مثل كثير من الملفات المهمة في البلد- تحت يد الأجهزة الأمنية التي لا تفهم ولا تعتمد سوى منطق واحد في معالجة المشاكل هو القوة والقمع والقهر، دون أن تراعي الجوانب الاجتماعية والثقافية للمشكلة.
النصوص والتعاليم الإسلامية تعتبر الإسلام خاتما ومكملا لما قبله، وترى عيسى بشرا دون أن تنفي عنه المعجزة أو النبوة، وترفض التثليث، أما النصوص والتعاليم المسيحية فلا تعتبر محمدا رسولا، ولا ترى خلاصا غير خلاص عيسى، وكل منهما ترى نفسها الأفضل والأحق، والمعتقدات لدى كل فريق تحيط نفسها بسياج من القداسة لايقبل أي نقاش.
لكن كثيرين من المسلمين والأقباط في مصر تعايشوا على مر القرون دون احتكاكات أو توترات وهناك نماذج كثيرة على علاقات اجتماعية وإنسانية في غاية النبل بين الطرفين، والعنصر الأساسي الذي صنع هذه العلاقات وحافظ عليها متينة وقوية هو تنحية النصوص الدينية جانبا، والتعامل على أساس أننا جميعا "مواطنون مصريون" جيران وأصدقاء وأصحاب مصالح مشتركة.. ثقافة "المواطنة المصرية" تغلبت على الثقافة الدينية لدى الطرفين فانصلح حالهما، رجحت كفة ثقافة الحقوق والواجبات والتضامن والهوية الواحدة الممتدة تاريخيا إلى ما هو أقدم من الإسلام والمسيحية، وتراجعت كفة الاحتكام إلى النصوص قحسنت العلاقة.
وقد يبدو جيدا أحيانا تغليب النصوص التي تحض على حسن العلاقة وقبول الطرف الآخر، لكن ذلك لا يكفي كلية، ولا يمنع الاحتكاكات نهائيا، ففي مقابل تلك النصوص الإيجابية هناك غيرها يمكن إساءة استخدامه وتوظيفه سلبا.
أما الخطر الأشد الذي نعيش إرهاصاته منذ سنوات فهو تحول الولاية الدينية للبابا على الأقباط إلى ولاية سياسية، وتحول الولاية الدينية للأزهر أو لجماعة ذات طابع ديني بالأساس مثل الإخوان المسلمين إلى ولاية سياسية، مما يعني إقحام النصوص في صلب إدارة العلاقة بين الطرفين، كأن يقول الإخوان لا رئيس قبطي لمصر، وكأن يطالب أقباط بتمثيل نسبي لهم –حسب أعدادهم- في هيئات الدولة تشريعية أوغير تشريعية، عندئذ سيصبح في مصر ولأول مرة في تاريخها "برميل بارود" جديد قابل للانفجار في أي لحظة اسمه "الطائفية"، عندئذ سنرى في مصر مشاهد كالتي نراها
الآن في لبنان.
أرابيسك- أيمن شرف- الدستور 3 ديسمبر 2007
mal3onaboeldonya@hotmail.com

0 Comments:

Post a Comment

<< Home