جنرال ولا مدني
من مفارقات هذا الزمان أن يستعير بعض منظري الحزب الوطني مقولة قديمة لليسار المصري لكي يبرروا بها الاستيلاء على السلطة في مصر لصالح "الوريث" المحتمل جمال مبارك.
اليسار المصري كان يرفض سلطة عبد الناصر باعتباره عسكري "فاشيست" (أي ديكتاتوري معادي للديموقراطية) وصل إلى السلطة بانقلاب عسكري، يستوي عندهم مع موسولويني رمز الفاشية الأول وربما هتلر أيضا، فهو لم يأت بثورة شعبية، ذلك الشكل الأمثل في تصوراتهم عن التغيير السياسي، وإنما جاء بانقلاب عسكري، ولا يمثل البروليتاريا (الطبقة العاملة)، وإنما يمثل البورجوازية الصغيرة، (التجار والمهنيين والضباط والتكنوقراط) ولذلك يمكنك أن تلاحظ حرصهم على استخدام تعبير "انقلاب يوليو" في أدبياتهم السياسية.
المفارقة تكمن في أن "الحزب الوطني الديموقراطي" ليس حزبا من الأساس وصفة "الوطني" نفسها محل شك، أما صفة الديموقراطي فلا محل لها من الإعراب، هل تتذكر مثلا أين كان الأعضاء المؤسسون للحزب الوطني قبل أن يعلن الرئيس الراحل أنور السادات الخروج من حزب مصر وتأسيس الحزب الوطني، هل كانوا تيارا سياسيا في الشارع أم مجرد مجموعات متحلقة حول السلطة من منبر الوسط إلى حزب مصر ثم الحزب الوطني؟ هل تذكر متى انضم رئيس الحزب الحالي "الرئيس مبارك" إليه؟ وهل انتخب نائبا لرئيسه السابق أو أمينا مساعدا أو ما شابه أم عينه السادات في الحزب كما عينه نائبا له في رئاسة الدولة؟.
والآن علينا أن نختار –طبعا نظريا- بين فزاعة "الجنرال" التي يرفعها -عفوا- منظرو ما يسمى بالحزب الوطني الذين يرفعون شعارات ماسخة بلا مضمون "كالفكر الجديد" و"مصر بتتقدم بينا"، وبين شخص يعلم الجميع أنه لا شرعية له سوى انتسابه الوراثي للرئيس، لكن الاختيار فاسد من الأساس، فالانتقال إلى "المدني" بعد "العسكري" ليس مطلبا لأحد، على الأقل حاليا، وإخواننا اليساريون توقفوا عن طرحه، وربما أنهم نسوه في غمرة المواجع وطوفان المعاناة التي يشهدها المصريون على مدى ربع قرن ويزيد، وإنما مطلب الناس في مصر هو الحريات والديموقراطية وإنهاء زمن الفساد ورجاله، ووقف التعذيب وزبانيته، وإعادة الكرامة للمواطن المصري، وبناء شخصيته من جديد وتحريره من سيطرة محتكري الاقتصاد.. المواطن البسيط يريد حياة أفضل والنخبة السياسية تدرك أن الحريات والديموقراطية والتقسيم الفعلي الحقيقي للسلطات بين تنفيذية وقضائية وتشريعية كفيل بإصلاح النظام المصري، ولا أحد "تفرق معاه" إن كان القادم إلى السلطة مدنيا أو عسكريا، فالأجندة المطروحة أهم كثيرا من تلك التصنيفات التي لم يعد لها معنى الآن
أرابيسك- أيمن شرف الدستور 2 ديسمبر 2007
0 Comments:
Post a Comment
<< Home