التجريس في منى
يتصل قارئ لا أعرفه.. يبدي ملاحظة، أنتم تقدمون صورة سوداوية لما يحدث في مصر، تعرضون فقط ما هو سيء، وتنحون ما هو إيجابي جانبا، والقارئ لا يخص الدستور وحدها بملاحظته، بل يشير إلى صحف أخرى مستقلة ومعارضة، والقارئ له عذره، فهو يريد أيضا أن يقرأ شيئا يفتح النفس، ونحن أيضا كصحفيين في صحف مستقلة ومعارضة لنا عذرنا، فالواقع في إجماله سيء، وأحيانا يدعو لليأس والإحباط، صحيح أن مهمتنا بالفعل هي البحث عن الحقيقة، لكننا في واقع الحال كأي بشر لا نستطيع- إدراك الحقيقة كاملة- فقط أن نحاول إدراكها، وتقديم جانب منها، ففي بلاد مثل بلادنا ترسم فيها الصحف الحكومية صورة وردية للأوضاع، يصبح من المنطقي أن نختار إكمال الصورة بإظهار جانبها المظلم، وفي بلاد مثل بلادنا تسيطر فيها الدولة على معظم وسائل الإعلام وحولت بعض صحفييها إلى موظفين وكتبة ومنافقين، تصبح مهمتنا الأهم هي النبش بإبرة عن الفساد وإبراز الأخطاء، ليس لأننا نبحث عن بطولة زائفة، ولكن لأننا نريد تغيير الوطن للأجمل والأفضل والأحسن، في بلاد كبلادنا لا ينبغي أن يكون الصحفي "محايدا" أو "أرزقيا" يعمل لدى من يدفع أكثر، بل أن يكون صاحب دور ووظيفة اجتماعية.
ولنأخذ المثال الأحدث.. تصدير مظاهر الفساد الإداري إلى الخارج في مشهد يراه العالم كله، في الحج.. في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الحجاج المصرييين.. أضرب الحجاج عن الطعام احتجاجا على سوء أوضاع بعثتهم، ورفض 4 آلاف حاج تابعين لبعثة وزارة الداخلية المصرية تسلم وجبتي الإفطار والغداء، احتجاجا على سوء التنظيم من قبل مسئولي وزارة الداخلية، مقارنة بغيرهم من البعثات، واشتكوا أيضا من سوء مكان الإقامة، بالإضافة إلى دورات المياه السيئة وأكوم القمامة، وافترش الحجاج الأرض والطرقات في منطقة جبل عرفات بعد أن تركهم مشرفو البعثة دون أتوبيسات تنقلهم إلى منى لاستكمال مناسك الحج، ولك أن تتصور الفوضى الناجمة عن ذلك، ومع الغضب احتجز الحجاج أتوبيس البعثة المصرية في الطريق من عرفات إلى المزدلفة لعدة ساعات.
ترى من يسئ إلى مصر في الخارج، ومن يسئ إلى مصر والمصريين في الداخل، من يهينهم ويهين آدميتهم وكرامتهم، من يتاجر في عرقهم ويسرق أموالهم، من يتسبب في هجرتهم من بلدهم وموتهم غرقا أو كمدا في الغربة، ليست بالطبع صحف المعارضة التي تظهر الجانب المظلم من حقيقة ما نعيشه في مصر، والإجابة واضحة، لكن السؤال الأهم هو كيف ولماذا؟ لأن من يحكمون مصر منذ زمن الاستقلال استعاروا تراث المستعمر في حكمها وراحوا يطورون أدوات قمعه واستبداده، والآن أصبح من الضروري أن يتغير رد فعل المصريين من السكون إلى المقاومة، وأن يعتصم حتى الحجاج وأن يضربوا عن الطعام ويحتجزوا أتوبيس البعثة المصرية في الحج، أن يجرسوا قامعيهم على رؤوس الأشهاد.
أرابيسك- أيمن شرف- الدستور 8 ديسمبر 2007
mal3onaboeldonya@hotmail.com
0 Comments:
Post a Comment
<< Home