Monday, January 21, 2008

مستر منضبط





أعرف شخصا يسمونه بالإنجليزية (مستر إنتيجرتي) أي "مستر منضبط".. التعبير كان يطلق عليه في شبابه عندما كان نموذجا للاستقامة وطهارة اليد، قال عنه رئيسه المباشر ذات مرة مبررا ترقيته إن "سمعته زي الفل ومحبوب بين زملائه ومش طماع... شايف شغله.. ملوش لا في الخمرة ولا القمار.. في حاله من الشغل للبيت.. ومستقيم أخلاقيا ومتعته الوحيدة الأكل والرياضة".
ودارت الأيام ومرت الأيام كما تقول أغنية أم كلثوم ولم يعد مستر منضبط كذلك، غادر المؤسسة الصارمة التي كان يعمل بها والتحق بأخرى أقل صرامة وأوسع سلطة ونفوذا وأكثر مسئولية، دون ان تكون لديه خبرة كافية لإدارتها، في البداية حافظ على نمط سلوكياته بدواعي القصور الذاتي، ولكن سرعان ما تغير، أصبح يدخن السيجار ويشرب الخمر حتى في رمضان، لكنه ظل محافظا على صحته بالرياضة.
ذات مرة كان مسافرا إلى دولة أجنبية يجيد لغتها، وطلب من سكرتيره أن يرتب زيارته لمكان معين، فقال له السكرتير الذي يعرفه منذ زمن طويل وتربطهما زمالة أقرب إلى الصداقة إن هذا المكان لا يليق بك الآن، ومن العيب أن تذهب إليه، فانهال عليه بسيل من الشتائم وكاد يضربه بالشلوت، فترك أخينا المكتب وقرر أن يستقيل ويسيب له البلد باللي فيها، وبعد يومين من غيابه اتصل به أحد مساعدي مستر منضبط (سابقا): إنته فين.. الراجل بيسأل عنك.. إنت زعلت ولا إيه؟"، ولم يعد أخينا إلى عمله مرة أخرى حفاظا على كرامته.
ويبدو أن الحياة الجافة في سن الشباب تولد أحيانا درجة كبيرة من النزق عندما يتقدم السن بصاحبها، خاصة إذا كانت الاستقامة ليست فكرة أصيلة في نفسه، وإنما هي أداة للصعود في عمله، أو وسيلة لنيل رضا رؤسائه عنه، فأخينا المنضبط السابق عُرف بين المحيطين به بمعاكسة الفتيات صغيرات السن، أما فكرة طهارة اليد فقد نسيها تماما، وانقلب إلى النقيض، وذاعت أخبار اتساع ذمته المالية بين المحيطين به، وراح يستخدم نفوذ وظيفته الجديدة في جمع الأموال لنفسه ولعائلته والمقربين منه، دون رادع أو وازع من ضمير.
من معرفتي بهذا الشخص تعلمت ألا أربي أبنائي على كبت رغباتهم أو التضييق على أنفسهم أو منعهم من اللهو من أجل المذاكرة.. لم أعد مهتما بأن يكونوا متفوقين في دراستهم وإنما أن يكونوا أصحاء نفسيا، حتى لا يصبح أحدهم "مستر منضبط" في المستقبل.. ونصيحة مني لوجه الله لا داعي للانضباط أكثر من اللازم في تربية أولادك، حتى لا يفجروا عندما يخرجون عن سيطرتك وربما من وراء ظهرك.

أرابيسك- أيمن شرف –الدستور 9 ديسمبر 2007
mal3onaboeldonya@hotmail.com

1 Comments:

At 3:56 AM, Blogger ياسر شمس الدين said...

يا استاذ ايمن
كلنا تقريبا نعرف قصة مستر منضبط وكلنا عيشنا الفترة ديه كلنا جينا فى فترة ربينا دقونا وعملنا فيها شيوخ وفيه ناس مننا قلبت 360 درجة وفيه ناس بقت فى النص
والمشكلة اننا نربى ولادنا زى ما احنا اتربينا نكبت حرياتهم ونكبت افكارهم ونمشيهم على العجين ما يلخبطهوش وبعد ونمارس معاهم اقسى انواع الاضطهاد وكبت الحريات وفى الاخر نطالب احنا الحكومة بحريتنا
حريتنا بتبدا من البيت لما نربى اولادنا انهم يقولوا رايهم بصراحة وبحريه مع تعليمهم يعنى ايه احترام يعنى ايه اخلاق يعنى ايه دين ونسيبهم بعد
كده يختاروا
يا يطلعوا يحبو جيفارا يا يطلعوا يحبو محمد او يحبوهم هما الاتنين

 

Post a Comment

<< Home