Saturday, December 17, 2005

ماذا بعد انتخابات مصر القبيحة

الصحف الأجنبية تنصح بوش بالتعامل مع الإخوان مباشرة

ـ مبارك سيوافق على إعطاء شرعية لأحزاب المعارضة إذا أيدته في قضية خلافته
ـ عند لحظة معينة ستبتكر الولايات المتحدة سياسة تعتمد على تسلم الإسلاميين المعتدلين للسلطة
ـ هل سيتم الربط بين سلوك مبارك والمعونة الأمريكية السنوية التي تتلقاها مصر؟
ـ يجب ألا يخشى بوش من الفزاعة التي يستخدمها مبارك.
ـ يجب ألا تتهاون الإدارة الأمريكية مع انتقال غير ديموقراطي مستقبلا للسلطة من مبارك إلى إبنه، أو أي شخص آخر
ـ مبارك غض الطرف عن الصعود السياسي للإخوان لأن الوضع المحتقن في مصر كان يمكن أن ينفجر في أي لحظة



لو أنك تحب مصر، الناس والماضي والمستقبل، ربما تحزن وأنت تقرأ التغطية الصحفية للانتخابات البرلمانية المصرية، وبالأخص مرحلتها الأخيرة، وستشعر –في الغالب- أن هناك من يسيء عامدا متعمدا إلى مصر –الناس والماضي والمستقبل، وليس الحكومة والحزب والزعيم الأوحد فلان بن فلانة.. الصحفيون والكتاب الأجانب ليسوا هم بالطبع الذين يتربصون بمصر ويحقدون على حاضرها الزاهر ومستقبلها الأكثر إزهارا، وإنما أولئك الجهلة الصغار الذين يديرون طاحونة القمع والقهر وتشويه إرادة الناس.. ولا يعيرون انتباها إلى أن العالم كله أصبح مكشوفا، وأن فضائح اليوم أصبحت عابرة للقارات بسرعة الضوء.. وأن دولا مثل ليبريا في وسط أفريقيا التي كانت مظلمة، أصبحت أكثر احتراما من دول عريقة مثل دولة الرئيس.. هؤلاء يستحقون فعلا أن يقاضيهم المصريون فردا فردا أمام المحاكم بتهمة تشويه سمعة الوطن.. الذي أصبحت تعرفه الآن "الناس والماضي والمستقبل"، ليس فيه حاضر لأن إخوتنا في الحزب المزعوم سرقوه، جهارا نهارا وحولوه إلى أموال سائلة في جيوبهم وجيوب من يلف لفهم من المنتفخين كذبا ونفاقا وأكلا من مال الناس.

***

مثلا تقرأ في افتتاحية لواشنطن بوست عنوانها "انتخابات مصر القبيحة" أن "الأيام الأخيرة في الانتخابات البرلمانية المصرية كانت مخزية. قوات الأمن وعصابات البلطجية من الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم حاصرت مداخل عشرات اللجان الانتخابية حيث يوجد مرشحون أقوياء من المعارضة. وفي عدة حالات فتحت قوات الأمن النار على المواطنين الذين حاولوا التصويت؛ وذكر أن 10 أشخاص قتلوا. وداخل مقار الانتخابات، زور مندوبون حكوميون بطاقات التصويت علانية على مرأى من القضاة".

الرئيس حسني مبارك، الذي تلقى فترة رئاسة لست سنوات أخرى في انتخابات غير نزيهة في سبتمبر الماضي، استخدم مثل هذا التزوير قبل أسبوعين لكي يحرم أيمن نور عضو البرلمان الليبرالي الديموقراطي ومنافسه في الانتخابات الرئاسية، من مقعده في البرلمان.

وإدارة بوش التي كانت متلهفة لتصديق وعود مبارك بأنه سيقود إرساء ديموقراطية تدريجية في مصر، كانت بطيئة في ردها على هذه الأحداث الواضحة. فأصدرت وزارة الخارجية الأسبوع الماضي بيانا أحمقا يقول "لم تكن هناك إشارة على أن الحكومة المصرية لم تهتم بإجراء انتخابات سلمية وحرة ونزيهة". وهذا الأسبوع صححت موقفها، بالقول إن هناك "قلق شديد حول مسار الإصلاح السياسي في مصر". لكن خطوات الإدارة القادمة ستكون حاسمة: فهل ستدعم تقنين وضع جماعة الإخوان المسلمين، التي نبذت العنف وأيدت الديمقراطية- والتي أثبتت أنها تحظى بتأييد ملايين المصريين؟ هل ستطلب الإدارة إطلاق سراح أيمن نور وتدعم الحركة المدنية المستقلة التي طالبت بإصلاح سياسي حقيقي؟ هل سيتم الربط بين سلوك مبارك والمعونة الأمريكية السنوية التي تتلقاها مصر وتبلغ 1.8 مليار دولار؟ المصريون سيرون الآن ما إذا كان بوش جادا في الدفاع عن قضية الحرية في قلب الشرق الأوسط.

***

الواشنطن بوست الليبرالية واسعة الانتشار والمختلفة بالطبع مع إدارة بوش تحاول تحفيزها لكي تثبت مصداقيتها، وتشير بالطبع إلى إمكانية قطع المعونة التي لا يعرف كثيرون من المستفيد الأكبر منها، ولا يعرفون أيضا من يدفع ثمن دماء "القتلى" ضحايا أغلبية الثلثين، وكم تساوي كل قطرة دم سالت فيها، وهل العمولات الناجمة عن الاتفاقيات الناجمة عن التفويض الناجم عن أغلبية الثلثين تستحق هذه الدماء؟ عليك أن تسأل نفسك وتجيب لتعرف لماذا كانت "معركة النزع الأخير" من الانتخابات البرلمانية، ولتعرف أن رقم الضحايا لو زاد عشرة أضعاف لم يكن ليحرك شعرة بيضاء، مصبوغة بلون أسود سواد قرن الخروب كسواد السنوات التي نعيشها، في رأس النظام، (تعبير السنة القادمة سنة سوداء سواد قرن الخروب استعمله الرئيس المصري حسني مبارك في تليفزيون مصر على الهواء مباشرة في جلسة مشتركة لأعضاء مجلسي الشعب والشورى عام 1986).. وننتقل إلى صفحة تالية في صحيفة أخرى، بريطانية هذه المرة..

***

في نفس اتجاه افتتاحية واشنطن بوست كتبت فاينانشال تايمز البريطانية تحليلا عنوانه: "مكاسب الإسلاميين في مصر .. يتعين على الولايات المتحدة الآن التعامل مع الإخوان المسلمين"، وكما هو واضح في العنوان، ومع استعارة لغة رأس النظام البليغة جدا "يبدو أن حكومة الحزب المزعوم هيطلع نقبها على شونة وتلبس المقلب، إذا قبلت الإدارة الأمريكية الأمر الواقع وقررت التعامل مع الإخوان، ويكون لسان حالها "خوتونا بفزاعة الإخوان، طيب إركنوا على جنب وخلونا نتعامل معاهم".

تقول الصحيفة: إن السلطات المصرية استخدمت كل الخدع الممكنة في محاولة للتلاعب بالانتخابات التشريعية.. زورت صناديق الاقتراع ومنعت الناخبين عمدا من الوصول إلى مراكز الاقتراع. وخلفت أكثر المصادمات دموية عشرة من القتلى".

ومن سخرية القدر، وعلى الرغم من كل هذه المعوقات، حققت حركة الإخوان المسلمين المحظورة مكاسب كبيرة، بفوزها بنحو عشرين بالمئة من مقاعد البرلمان المصري. ولكن الإخوان دفعوا فقط بمرشحين للمنافسة على 130 مقعدا فقط من بين 440، أي أن أداءهم كان يمكن أن يكون أقوى لو كانوا قد سعوا إلى عدد أكبر من المقاعد.

والرئيس المصري حسني مبارك الذي واجه مطالب أمريكية متكررة بانتهاج إصلاحات ديموقراطية، سيحاول مقاومة هذه الضغوط بحجة قوية، هي أن الديموقراطية في مصر ليست في صالح الولايات المتحدة. لكن يتعين على إدارة الرئيس جورج بوش ألا تقع في هذا الفخ.

لقد أبرزت الانتخابات التشريعية المصرية أن الإسلاميين يمثلون أكبر معارضة للحكومة.. ولكن مزيدا من الإصلاحات والحريات ستؤدي إلى مزيد من التنوع في الحياة السياسية.

الإخوان ليسوا الحزب الليبرالي الموالي للغرب الذي تتمنى أن تراه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وقادتها الذي يرفعون شعار "الإسلام هو الحل"، يريدون الترويج لمجتمع أكثر تدينا ويعارضون بشكل عاطفي السياسة الخارجية الأمريكية. وقد عانى الإسلاميون في مصر من وطأة قمع النظام. وفي نفس الوقت، سمح وضعهم القانوني الغامض – الحظر مع إغماض الطرف مؤخرا - بتوسيع شعبيتهم.

والأحزاب اليسارية والعلمانية، من ناحية أخرى، مازالت منقسمة وضعيفة التنظيم. لكن أداؤها المحبط في الانتخابات - 21 مقعدا فقط – هو أيضا نتيجة القيود الخانقة على أنشطتها السياسية.

يتعين على واشنطن أن تنتقد بوضوح ما جرى في الانتخابات التشريعية المصرية. وأن تكون رسالتها إلى مبارك هي الضغط من أجل الإصلاح وتشجيع حياة سياسية أكثر حيوية.

ولكن في هذه اللحظة يجب على إدارة بوش أن تمضي قدما وتتعامل مباشرة مع الإخوان المسلمين من خلال ممثليها الجدد في البرلمان. قد يكون الإسلاميون في مصر واقعا غير مريح. لكن إذا كانت الولايات المتحدة جادة بشأن نشر الديموقراطية في الشرق الأوسط، فإنه لم يعد ممكنا أن تتجاهلهم بعد الآن.

***

عن التوقعات والاستنتاجات ما بعد "زلزال الإخوان" نقرأ في لوس أنجليس تايمز أن الحكومة أصبحة مضطرة للتعامل معهم، وأن صعودهم في مصر لا ينفصل عن صعود التيار الإسلامي في أماكن أخرى، وأن التقسيم الحاد للعالم بعد 11 سبتمبر إلى غرب وإسلام دفع كثيرين في العالم العربي والإسلامي نحو "الهوية الإسلامية" لمجتمعاتهم..

يقول ميجان ستاك في لوس أنجليس تايمز في مقال عنوانه "الخروج من الظل إلى الضوء- جماعة الإخوان المسلمين المصرية المحظورة تظهر كقوة تشريعية لكن عليها أن ترتفع لمستوى الحدث":

لا أحد، حتى أعضاء الجماعة أنفسهم، كانوا يتوقعون بروز الجماعة الإسلامية شبه السرية بقوة في هذه الانتخابات البرلمانية.. وتمت هذه المكاسب المفاجئة على الرغم من شكاوى واسعة الانتشار بأن بعض انصارها هوجموا بالغاز المسيل للدموع وتعرضوا للترويع والمنع من التصويت.. وهي تقدم رؤية مهمة لأسئلة قديمة حول عمق تأييد الإخوان المسلمين بين جموع المصريين الذين لم يصوت منهم سوى نسبة ضئيلة في الانتخابات.

الاتجاه الواضح بين المصريين لتأييد بديل إسلامي قد يوحي بإحباط على نطاق واسع نتيجة الركود الاقتصادي والسياسي في الدولة الأكثر سكانا في العالم العربي، لكنه لا ينفصل أيضا عن المكاسب الانتخابية التي حققتها تيارات الإسلام السياسي في أماكن أخرى من العالم الاسلامي منذ هجمات 11 سبتمبر.

فتقسيم العالم إلى معسكرين، أمريكا والغرب من جهة والمسلمون من جانب آخر، يعطي الجميع انطباعا بأن الإسلام في خطر وهوية المسلمين في خطر، لذلك يجب أن يختاروا طريقة لبناء أنفسهم بأنفسهم. والإسلام في هذه الحالة هو الرد.

وبعد عقود اتسمت فيها السياسة المصرية بعلاقة عدائية ودامية في أغلب الأحيان بين الإخوان المسلمين والدولة، بشرت الانتخابات بزلزال. للمرة الأولى، ستجبر حكومة الرئيس حسني مبارك على التعامل مع الجماعة كحزب معارضة شرعي وليس عصابة هدامة من الخارجين على القانون.. وبدلا من، أو ربما بالإضافة إلى، ملاحقة وسجن أعضاء الإخوان، ستستعد الحكومة للمواجهة ضد الإسلاميين في البرلمان.

لكن الإخوان يواجههم تحدي آخر هو الارتفاع إلى مستوى الحدث. وأعضاء حزب مبارك الحاكم وغيرهم يتهمون الجماعة بالاختفاء وراء شعار مبهم لكنه شعبي "الإسلام هو الحل"، بدلا من صياغة برنامج سياسي متماسك.

وفي أوساط العلمانيين والمثقفين في القاهرة، أثارت الانتخابات الأسى على فشل أحزاب المعارضة الأخرى في حشد الناخبين – وما يمكن أن يفعله الإخوان إذا حاز مرشحوها على نصيب أكبر من السلطة. وهناك مخاوف من أن المرأة أو المسيحيين يمكن أن يهمشوا بدرجة أكبر، وأن تمنع المشروبات الروحية وتزداد الرقابة. ويخشى كثير من المصريين من أن الإخوان يريدون فرض نسخة صارمة من الشريعة الإسلامية.

ويقر أحد أعضاء لجنة السياسات بالحزب الحاكم أن "الديمقراطية لا يمكن أن تتقدم في مصر بدون تحديد ما ينبغي عمله معهم". "إذا كانوا جماعة سرية لا تستطيع التعامل مع القضية. والآن هم في العلن، وعليهم أن يتخذوا موقفا. وسنعرف من هم حقا، وسنعرف لونهم الحقيقي".

ولكن الإخوان حاليا يريدون التعامل معهم بجدية أكثر، ليس في الداخل فقط ولكن في الخارج أيضا. ويقول أحد قيادي الجماعة "نريد شيئا واحدا من الأمريكان: احترام إرادة الشعب. التعامل مع الناس وليس الحكومة". "الأمريكان ما زالوا يتعاملون مع الدكتاتوريين".

***

عن توقعات ما بعد الانتخابات البرلمانية نقرأ أيضا في تغطية لندوة عقدها معهد كارنيجي للسلام ونشرت على موقع المركز، عنوانها "الخبراء يتوقعون حدوث تطور في التحول السياسي المصري في العام أو العامين القادمين":

ثلاثة من المتخصصين الأمريكيين اختلفوا حول شكل الصورة في المستقبل القريب، لكن اثنين من المتخصصين المصريين أكدوا أن الأمر يتوقف على نوع تعامل نظام الرئيس مبارك مع الإخوان المسلمين، المجموعة السياسية الإسلامية الرئيسية في مصر والتي تتزايد قوتها في مصر.

فيرى عماد شاهين أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة والأستاذ الزائر في جامعة جورج تاون بواشنطن، إن مبارك "غض الطرف عن الصعود السياسي للإخوان هذا العام لأن "الوضع المحتقن في مصر كان يمكن أن ينفجر في أي لحظة، وأن مزيدا من القمع الحكومي كان يمكن أن يؤدي إلى نتيجة عكسية. وما تزال هناك رؤيتان في الحزب الوطني الديمقراطي للتعامل مع الإخوان الملاحقة أو محاولة تكييف الإخوان.. والبرلمان المصري الجديد سيقرر قضية انتقال الرئاسة، وقد يوافق مبارك على إعطاء شرعية لأحزاب المعارضة السياسية المختلفة إذا أيدته في قضية خلافته، وعند لحظة معينة يمكن أن تبتكر الولايات المتحدة سياسة تعتمد على تسلم الإسلاميين المعتدلين السلطة في مصر.

بينما يميل عمرو حمزاوي، أستاذ العلوم السياسية المصري، والباحث بمعهد كارنيجي للاعتقاد أن الحزب الوطني سيحاول تشجيع الأحزاب السياسية العلمانية والقومية واليسارية لمواجهة الإخوان، وسيكشف العامان المقبلان إذا ما كان سيظهر أكثر من منبر سياسي إسلامي في مصر، ومازالت ديناميكية الحزب الوطني مثيرة مثلها مثل ديناميكية الإخوان المسلمين. وبينما تشير الانتخابات البرلمانية إلى مرحلة جديدة في السياسة المصرية، بحصول المعارضة لأول مرة على نسبة تتراوح بين 20 إلى 25 بالمئة من المقاعد فإن الحزب الوطني سيواصل السيطرة على تصورات الإصلاحات الدستورية المصرية. مصر الآن أصبحت نظاما ثنائي القطبين بدون وسط سياسي.. واستراتيجية الإخوان لتشكيل جبهة معارضة موحدة ضد الحزب الوطني لا تمثل تطورا إيجابيا لمصر لأن هذا يؤدي إلى محاولة الأطراف المختلفة إخفاء اختلافاتها الأيديولوجية الرئيسية. هذه الوسيلة أراحت الأطراف الرئيسية من إدارة حملة جدية، وهي تثير أسئلة حول ما إذا كان البرلمان الجديد سيستطيع الاستمرار أم لا. وأحزاب المعارضة العلمانية ستخرج من اللعبة، فعندما حاول الإخوان تأسيس إجماع وطني للانتخابات، لم يستطع الكثير من أحزاب المعارضة التوصل إلى مثل هذا الإجماع بسبب إختلافاتها الأساسية. وسيعتمد المستقبل السياسي لمصر على التفاعل بين الحزب الوطني والإخوان. وهناك شائعة في مصر أن جمال مبارك، ابن الرئيس، قد يحاول تشكيل حزب سياسي جديد.

واستبعد ميشيل دين من معهد كارنيجي للسلام أي سيناريو في السنوات القليلة القادمة تتخلى فيه عائلة مبارك عن السلطة من أجل المصلحة العليا لمصر. بينما رأى عماد شاهين أن ذلك السيناريو يمكن أن يحدث في عام 2010 إذا وافقت الأحزاب الرئيسية على "مرشح رئاسي إنتقالي" تكون مهمته الرئيسية صياغة دستور جديد.

وقال دين إن الانتخابات البرلمانية المصرية الأخيرة تميزت بثلاثة عناصر جديدة: هي مؤسسة ما يسمى بلجنة الانتخابات المستقلة التي ترأسها في حقيقة الأمر وزارة العدل المصرية؛ وجود مراقبين للانتخابات، ومن بينهم كثيرون تدربوا لدى منظمات غير حكومية وبتمويل دولي، من بين مصادره الولايات المتحدة؛ وثالثا نشاط القضاة المصريين، الذي احتشدوا وعلا صوتهم أكثر كثيرا عن الانتخابات السابقة. ونتيجة لذلك "كان تزوير هذه الانتخابات أصعب من غيرها، مما أدى إلى النجاح القوي للأخوان المسلمين، على الرغم من عودة عناصر الانتخابات السابقة مثل استئجار بلطجية لترويع الناخبين؛ واندلاع اشتباكات؛ واتهامات متزايدة بأن قوات الأمن تحاصر المقار الانتخابية، وخصوصا في مناطق التأييد القوي للإخوان، وشراء مرشحي الحزب الحاكم للأصوات.

ويتوقع دين أن البرلمان الجديد، قد لا يستمر دورته الكاملة (خمس سنوات) بسبب رفع كثير من الدعاوى وتوثيق مراقبي الانتخابات للانتهاكات هذه المرة. البرلمان يمكن أن يحل كما حدث عام 1990 عندما أعلنت المحكمة العليا عدم دستوريته.

***

تعالوا نختتم بمقتطفات من مقال موقع باسم وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس عنوانه "وعد السلام الديمقراطي لماذا الترويج للحرية هو الطريق الواقعي الوحيد إلى الأمن"، لنتأكد أن السعى للديمواقراطية –حسب رؤية فريق ضالع في الإدارة الحالية- مصلحة أمريكية مهمة، وليس لسواد عيوننا، ولك أن تتحفظ ما شئت من التحفظ على أهداف لا صلة لها بالديموقراطية أو على توصيفات غير دقيقة ما بين السطور، ولكن الحقيقة أن السياسة ليس فيها "سواد عيون"، وإنما فيها مصالح وانتهاز فرص وخلق فرص، وأي قوة سياسية في مصر، بل وأي شعب في مصر يريد أن يكون له مستقبل ويريد أن يستفيد من هذا الوضع الضاغط من الخارج عليها أن يتقدم ليحقق مصالحه في المقام الأول، ويخرج من دائرة "أكل العيش" الحلزونية اللعينة التي رسمها له النظام، ويرفع الغمامة من على عينيه لكي يتأكد أنه يدور حول نفسه ليس إلا، وأن المستقبل الأفضل يحتاج إلى المغامرة لا الركون إلى سياط "الحمارين"..

***

تقول رايس في مقالها (واشنطن بوست – 11 ديسمبر) "في منطقة واحدة من العالم، المشاكل التي تبرز نتيجة طبيعة الأنظمة الحاكمة هي الأكثر إلحاحا من غيرها. و"نقص الحرية" في الشرق الأوسط الكبير يقدم أرضا خصبة لنمو أيديولوجية كراهية تتسم بالشر والقسوة حتى أنها تدفع الناس لأن يلفوا أحزمة انتحارية ناسفة حول أجسادهم ويقودوا الطائرات باتجاه البنايات. وعندما لا يستطيع المواطنون في تلك المنطقة تحقيق تقدم نحو مصالحهم والتوصل إلى حلول لشكاواهم من خلال عملية سياسية مفتوحة، سيتراجعون يائسين إلى الظل ليفترسهم رجال أشرار ذوي نوايا عنيفة. في تلك المجتمعات، من الوهم أن نشجع الإصلاح الإقتصادي وحده ونتمنى أن تحل مشكلة نقص الحرية نفسها بمرور الوقت.

على الرغم أن الشرق الأوسط الكبير ليس له تاريخ في الديمقراطية، فإن هذا ليس ذريعة لعدم عمل أي شيء. إذا كان كل عمل يحتاج إلى سابقة، فلن يكون هناك أعمال رائدة. إننا واثقون أن الديمقراطية ستنجح في هذه المنطقة ليس ببساطة لأن مؤمنون بمبادئنا ولكن لأن تطلع الإنسان الفطري نحو الحرية والحقوق الديمقراطية قد غير عالمنا. لقد كان الكتاب من أصحاب القوالب الفكرية الجامدة ومن يميلون إلى التحديدات الثقافية من قبل متأكدين أن "القيم الآسيوية" أو الثقافة اللاتينية، أو الاستبداد السلافي، أو القبلية الأفريقية ستجعل الديمقراطية مستحيلة. لكنهم كانوا مخطئين، وقاعدة حكم الدولة لدينا الآن يجب أن تقودها الحقيقة الساطعة القائلة بأن الديمقراطية هي الضمان الوحيد للسلام الدائم والأمن بين الدول، لأنها الضمان الوحيد للحرية والعدالة داخل الدول.

وبعد كل هذا، من يصدق حقيقة، بعد هجمات 11 سبتمبر, 2001، بأن الوضع الراهن في الشرق الأوسط كان مستقرا ومفيدا ويستحق الدفاع عنه؟ كيف يكون من التعقل إبقاء الأوضاع كما هي في منطقة تفرخ وتصدر الإرهاب؛ حيث كان انتشار الأسلحة الفتاكة يزداد سوءا، ولا يتجه إلى التحسن؛ حيث الأنظمة الاستبدادية تسلط فشلها على الدول والشعوب البريئة؛ حيث كانت لبنان تعاني تحت وطأة الاحتلال السوري؛ حيث كانت السلطة الفلسطينية الفاسدة مهتمة بالحفاظ على بقائها أكثر من اهتمامها بتطلعات شعبها؛ وحيث كان مستبد مثل صدام حسين حر في ذبح مواطنيه، وزعزعة استقرار جيرانه وتقويض الأمل في السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين؟ إن افتراض أن الشرق الأوسط كان ممتازا قبل أن توقع أمريكا إستقراره المزعوم في حالة من الفوضى ليس إلا محض خيال مطلق.

وإذا صدقنا هذا، وصدقنا أننا لم نفعل شيئا، فلننظر إلى كل ما غاب عنا في العام الماضي فقط: لبنان تحررت من الاحتلال الأجنبي وتجري إصلاح ديمقراطي. السلطة الفلسطينية يديرها زعيم منتخب يدعو إلى السلام علانية مع إسرائيل. مصر التي عدلت دستورها لإجراء إنتخابات متعددة الأطراف. الكويت حيث النساء يتمتعن بحقوق مواطنة كاملة الآن. وبالطبع، العراق الذي أجرى في مواجهة تمرد شنيع انتخابات تاريخية، وصاغ وصدق على دستور وطني جديد، وسيذهب إلى الانتخابات ثانية في الأيام المقبلة لانتخاب حكومة دستورية جديدة.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home