Wednesday, December 21, 2005

النظام وأميركا والإخوان سيتوافقون على انتقال السلطة


ما بعد "الانتخابات البرلمانية" في مصر

المقال منشور بصحيفة الغد الأردنية الخميس 22 ديسمبر 2005


السؤال الذي يطرح نفسه في مصر حاليا؛ ماذا بعد انتخابات مجلس الشعب التي شهدت مفاجأة للجميع: بروز واضح لجماعة الإخوان المسلمين وتراجع واضح للحزب الوطني رغم حيازته صوريا للأغلبية وانزواء واضح أيضا لأحزاب ورموز المعارضة التقليدية اليسارية أو الناصرية أو الليبرالية؟ ترى أين تكمن الإجابة؟

يمكن القول دون الخوف من الوقوع في شبهة المبالغة إن في مصر حاليا ثلاثة أطراف رئيسية هي التي تمارس اللعبة السياسية، ومع اختلاف أهداف ورؤى كل منها لتحقيق تلك الأهداف يظل محور الاحتكاك بينها جميعا هو: شكل انتقال السلطة في المرحلة المقبلة.

الأطراف الثلاثة حسبما ما تظهر خريطة الفعل ورد الفعل وميزان القوى بينها في العام 2005 هي: النظام، ممثلا في مجموعات متفرقة على رأس أجهزة الدولة ابتداء من الرئاسة وانتهاء بالصحف الحكومية وباقي الوزارات والهيئات الرسمية، ثم الولايات المتحدة، وأخيرا حركة الإخوان المسلمين. ويمكن إضافة هوامش مساعدة قد تمثل أحيانا أداة لعمل كل من تلك الأطراف أو عوامل محفزة لنشاطها، هي الحزب الوطني (الأداة السياسية الشعبية للنظام)، وجمعيات ومنظمات المجتمع المدني الحقوقية علمانية الطابع والتي تمثل في جانب منها –وبغض النطر عن وطنية نشطائها ونبل أهدافهم- يدا طولى للإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي باعتبارهما جهات التمويل الأساسية والموجه لأجندة تلك الجمعيات تقريبا أو التي تتماس مطالبها مع المعلن من الأجندة الأميركية في مصر والمنطقة، وثالثا حركات المعارضة الناشئة مثل حركة كفاية وتجمعات القضاة والصحافيين والمحامين وهي حركات تجمع مطالبها بين الديمقراطية ورفض أجندة السياسة الأميركية في المنطقة وليس مجرد رفض تدخلها، والتي تمثل محفزا وربما شريكا لحركة الإخوان المسلمين في الأهداف المرحلية على الأقل.

واللعبة مفتوحة على سيناريوهات مختلفة، أقصاها الصدام بين أي من طرفيها إذا ما تعارضت الأهداف تماما، وأدناها التواؤم والتماهي في أهداف الطرفين الآخرين، ولكن السيناريوهات المتشددة الأقصى والأدنى تبدو هي الأبعد في احتمالات تحققها.

وتعلم الأطراف الثلاثة - كما سبقت الإشارة- أن النقطة المفصلية هي "انتقال السلطة"، وما عداها أهداف ثانوية، أو قائمة من قبل ومن بعد. فطموح الولايات المتحدة نحو تجفيف منابع الفكر الإسلامي المتطرف - أيا ما كان تصورها عن معالجته الذي هو في الغالب فتح العملية السياسية للتيارات التي تنبذ العنف وإزاحة أقطاب التفكير السلفي عن قيادة الجماهير سواء في الأزهر أو المساجد واستبعاد النصوص والمحتوى السلفي من المناهج التعليمية- كان موجودا قبل أحداث 11 سبتمبر وتزايد زخمه بعدها وسيتواصل بعد انتقال السلطة. وطموح الإخوان المسلمين إلى الانتشار في هياكل إدارة المجتمع والتوغل بين نخبه في الجامعات وأجهزة الدولة لا ينقطع منذ سنين، وطموح النظام في البقاء لا ينقطع أيضا.

مفاجأة صعود الإخوان رغم الاستعداد لها، وانحسار الشعبية عن رافعي شعار الحزب الوطني وتجنب توقعها رغم وجود مؤشرات كبيرة عليها، واحتمالات تغيير الإدارة الأمريكية لموقفها المعلن من عدم التعامل مع الإخوان رغم محاولة النظام عرقلته، وتخويف الأميركيين دائما من أن بديله هو "التطرف الإسلامي". كل ذلك يصب في احتمالات أن تتحرك الأطراف الثلاثة باتجاه التوافق النسبي لعبور النقطة المفصلية.

الأرجح أن النظام المصري سيعد نفسه لتعامل مزدوج مع الإخوان يتمثل بالملاحقة الأمنية-كما هو في السابق- والتشويه المنتظم عبر صحفه ووسائل إعلامه، إلى جانب محاولة التشتيت بدعم جناح منفصل هنا أو هناك، وفتح المجال، وربما رعاية أحزاب أخرى ليبرالية أو قومية الطابع لتأكل من مساحات تأييد وشعبية الإخوان، واستقطاب عناصر من الإخوان - وبالذات في صفوف البرلمان- للخروج من عباءة الجماعة أو على الأقل الاشتراك في صفقات جزئية مع النظام. أما في قضية انتقال السلطة فسيحتاج إلى توافق كبير قد يجعله راغبا في تقديم تنازلات من نوع إعطاء شرعية ما لجماعة الإخوان المسلمين في مقابل أن تدعم تصوره لانتقال السلطة، والذي لا يعني بالضرورة انتقالا من الأب إلى الابن.

الإخوان من جانبهم سيميلون - بحكم أنهم على المحك، في أول تجربة ظهور بارز في البرلمان فقط لأنهم سبق وأن أعلنوا عن وجودهم في النقابات المهنية المحامين والأطباء والمهندسين ونجحوا في البقاء، وعدم استفزاز النظام بإحكام سيطرتهم على أي من تلك النقابات- إلى عدم الصدام مع النظام في القضايا الفرعية. أما الموضوعات التي تمس وتشكل محور مصداقيتهم فسيواصلون مواقفهم الثابتة منها. وتبدو رغبة الإخوان في عدم استنفار النظام أو الولايات المتحدة واضحة حتى في عدم منافستهم على كامل مقاعد البرلمان والاكتفاء بالسعى إلى السيطرة على ثلث المقاعد، فرشحوا قرابة 130 مرشحا وحصلوا على 88 مقعدا.

والولايات المتحدة من جانبها لا تبدو معترضة على انتقال السلطة لابن الرئيس، ولكن كمرشح بين آخرين، وهي تمتنع عن إعلان تأييدها أولا لأنه أمر سابق لأوانه، وثانيا لأنه قد يؤدي إلى نتائج عكسية. من ناحية أخرى هي تسعى وسعت لأن يكون لديها مرشح ليبرالي بديل تناور من خلاله، ولنلاحظ درجة الامتعاض التي أبدتها فيما يتعلق بتعامل النظام مع السياسي الشاب أيمن نور، إلغاء زيارة رايس للقاهرة عقب القبض عليه متهما بتزوير أوراق مؤسسين لحزبه الغد، وتنديد المسؤولين الرسميين في الإدارة بالقضية برمتها، وفي الوقت نفسه تراجعت عن تحفظها – إرضاء للنظام- على التعامل مع الإخوان.

والإخوان من جانبهم ليسوا معترضين على هذا السيناريو، فيتجنبون الخوض فيه كثيرا، وبينما يعلنون أنهم ضد التوريث. إلا أنهم لن يجدوا غضاضة في قبول ترشيح ابن الرئيس في مرحلة لاحقة، في مقابل أن يكون لهم مرشحهم من جانب، أو أن يحصلوا على شرعية ما توفر عليهم الملاحقات الدائمة، وتتيح لهم شرعية افتقدوها لزمن طويل. وهم في هذا السياق مستعدون لتعديل الكثير من رؤاهم ذات الطابع الديني، خصوصا ما يتعلق بالأقباط وحقوق المواطنة والاحتكام إلى الديمقراطية وليس إلى "الشريعة" في الحكم.

لكن هل يقوم كل ذلك على أرضية التراكم الديمقراطي أم أنه مدمر للمجتمع، باعتباره لعبة سياسية لتثبيت أوضاع قديمة مع استفادة محدودة وتنازلات متبادلة لجماعات نخبوية بعيدا عن اهتمامات جموع المصريين الذين مازالت لا تشغلهم كثيرا "لعبة السلطة"، ويكفيهم اللهاث اليومي من أجل لقمة العيش، ويعتقدون أن أقصى ما يمكن الحصول عليه هو رشاوى انتخابية أكبر قليلا من رشاوى الانتخابات البرلمانية وتخليص المصالح الصغيرة من تعيين قريب في وظيفة أو وساطة لدى وزير، وليس تغييرا شاملا في أوجه حياتهم من البطالة إلى الكساد الاقتصادي إلى الفساد المزمن في الدولة إلى ضعف التعليم والخدمات الصحية إلى الخلل العميق في إرساء حكم القانون.

الحقيقة أنه فيما عدا احتمالات التوافق على انتقال السلطة وأن الأطراف الثلاثة السابقة هي الأكثر تؤهلا لحسمه، تبدو حركات سياسية وليدة مثل حركة كفاية وحركة القضاة وأساتذة الجامعات مرشحة بقوة إذا ما توفر لها وجود تنظيمي أعلى وأكثر تأثيرا في الشارع السياسي لأن تحدث تعديلا كبيرا أو أن تكون موجها ومرشدا باتجاه عدم تدمير الأطراف الثلاثة للحياة السياسية في مصر؛ تارة من خلال الاستقطاب المشاعري العاطفي للإخوان المسلمين، وتارة بالاستحواذ المطلق على دواليب إدارة مصالح الناس من خلال النظام وحزبه، وتارة باختزال مصالح المجتمع المصري في إطار أجندة سياسة خارجية للولايات المتحدة في المنطقة ممثلة في علاقة أكثر من طيبة مع إسرائيل والتزام كامل بمكافحة الإرهاب، ودور ترويجي للسياسة الأمريكية في المنطقة باعتبارها القوة العظمى الوحيدة الباقية حتى نهاية القرن.
أيمن شرف

4 Comments:

At 12:15 AM, Anonymous Anonymous said...

هايل
تعتبر احسن كاتب فى العالم

 
At 3:35 AM, Blogger aymansharaf said...

لا طبعا
يعني إيه احسن كاتب في العالم
أنا مضطر استبعد هذا التعليق لأنه غير جائز بالمرة ويفضل في التعليق أن يكون إضافة وليس مجرد إشادة

 
At 12:41 AM, Anonymous Anonymous said...

استاذ ايمن
نيفين عندها حق .. سيبها تعبر عن مشاعرها

 
At 11:07 AM, Anonymous Anonymous said...

متشكرة قوى يااستاذ مجهول اخيرا لقيت حد يادفع عنى

 

Post a Comment

<< Home