Monday, February 25, 2008

السوسة في الجدر



"النفخ في قربة مقطوعة" مثل شعبي و"الضرب في الميت حرام" مثل آخر، لكل منهما معناه المعروف المختلف عن الآخر، ولكنهما في حالة الصحف التي أنشئت خصيصا لتلميع صورة سياسات الحزب "الوطني" –لا مؤاخذة- الحاكم يتساويان، فما تفعله تلك الصحف نفخ وضرب في وقت واحد.
بعض جهابذة الحزب لاحظوا أن الصحف المستقلة والمعارضة سيطرت على الساحة الصحفية رغم ضعف إمكانياتها، وأصبحت مسموعة الصوت لدى القراء، وزاد توزيعها كثيرا عن الصحف الحكومية التي لا يعرف أحد أعداد توزيعها بالضبط، فهي الناشر والموزع في نفس الوقت، والأهم أنها أصبحت بلا مصداقية، لأنها مازالت تسير على نفس نهجها القديم.. تبحث عن رضا المسئولين ولا تبحث عن اهتمامات القارئ، هذا بخلاف أن المزاج العام في مصر لم يعد يخيل عليه النفاق الدائم وأصبح يتعامل بقرف مع فيض أخبار المسئولين التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
هؤلاء الجهابذة تفتق ذهنهم عن فكرة أقل ما توصف به أنها "عبيطة".. أن يصدروا صحفا جديدة يتولى إدارتها وجوه "جديدة" على دولاب الحكومة، كان لها أحيانا بعض المواقف "نصف المعارضة"، ولها رصيد معقول من "المهنية"، لتقدم طبخة "جديدة" لعلها "تخيل" على القراء، وتم نسف حمام "مايو" القديم، واستبداله بحمام آخر، واختلقت من مؤسسة "روزاليوسف" ذات التاريخ "اليساري" النقدي المعارض منذ أيام العظيمة فاطمة اليوسف مطبوعة أخرى، وكان الهدف التالي من مشروع "الصحف الجديدة الملتبسة" هو "الغلوشة" على الصحف المعارضة والمستقلة بسحب شريحة من قرائها ولا مانع أيضا من تشويهها والدخول في معارك رخيصة معها.
وكانت النتيجة هي تلك الجملة التي كنا نسمعها أحيانا في الراديو –قبل مجيئ الإنترنت- عند إذاعة نتائج الثانوية العامة، "مدرسة الحزب الوطني.. لم ينجح أحد"، أرقام التوزيع في الحضيض، المصداقية غير موجودة، الصدى في الوسط الصحفي متواضع، وصورة الحزب كما هي من سيء إلى أسوأ في أذهان الناس، وصحف المعارضة واصلت ارتفاع أسهمها لدى القارئ.
المشكلة إذن ليست في "الحمام القديم" والحل ليس في نسف الحمام واستبداله بآخر جديد، وإنما المشكلة في البيت كله.. إنشاء صحف واستخدام أبواق إعلامية وتوظيف إعلاميين ناجحين في برامج لتلميع "الحكومة والحزب" لا يمكن أن يغير صورتهما في أذهان الناس، وإنما تغيير سياسة الحكومة والحزب، وربما تغيير الحزب نفسه هو مايمكن أن يقنع أحدا بأن هناك أمل كما يرى كثيرون، وإن كنت شخصيا لا أرى في ذلك حلا.. "فالسوسة -كما يقول الصديق حمدي عبد الرحيم- في الجدر"، لا بد من اقتلاعه أولا.
أرابيسك - أيمن شرف - الدستور فبراير 2008

0 Comments:

Post a Comment

<< Home