حال العرب عندما زارهم بوش.. حيرة وفوضى ويأس
قائمة طويلة من المقالات والتحليلات تناولت على مدار الأسبوعين الماضيين جولة الرئيس بوش إلى الشرق الأوسط، إلى عدد من الدول العربية وإسرائيل، تحدثت عن دوافعه وأهدافه من الزيارة، لكنها جميعا –تقريبا- لم ترصد حال العرب الذين يزورهم بوش، والذين يعيشون الآن حالة من الحيرة والفوضى، ويستقبلونه بمزاج متشائم يائس.
العرب كشعوب يعيشون هذه الأيام أحوالا صعبة بالفعل، الجيل الذي تخطى الخمسين من العمر يشعر بأن الأحوال قد تغيرت كثيرا بشكل لم يعد قادرا على التكيف أو التعامل معه وأصبح إحساسه بالاغتراب داخل وطنه حادا، وجيل الشباب الذي تلقى تعليما لسنوات في مدارس حكومية كئيبة لم يهيأ بشكل كاف للتعامل مع العالم الجديد، والحقوق التي يتمتعون بها كمواطنين محدودة إن لم تكن غير موجودة، أما السفر إلى الخارج فقد يعني احتمال الاتهام بالإرهاب لمجرد أن الملامح التي يحملونها "شرق أوسطية"، ناهيك عن مخاطر الموت غرقا أو الاعتقال إن كان السفر غير شرعي، وحتى الزعماء العرب لا يحسنون فهم كثير من المتغيرات في العالم، بعضهم ليسوا في واقع الحال إلا رجال أعمال يحملون صولجان السلطة وهمهم الأول تكديس الأموال، وبعضهم الآخر مجرد أبواق يتبنون لغة خطابية فارغة، وقليل منهم من يمتلكون رؤية أو خيالا ملهما.
لا يعني ذلك التعميم أنه لا توجد اختلافات ضخمة بين الـ 300 مليون عربي في الـ 22 دولة، ففي ظل أسعار النفط المرتفعة بشكل غير مسبوق يزدهر الاقتصاد في بعض الدول العربية، حتى أن الفجوة بين لاجىء من دارفور ومواطن في دبي يقتني سيارة "بورش" أصبحت الأكبر بين غني وفقير على سطح الكرة الأرضية، ورغم ذلك فهناك قاسم مشترك في المزاج العام في العالم العربي، خصوصا بين الشباب تحت الثلاثين، الذين يمثلون الأغلبية الساحقة من السكان، هو خليط من السخط والقلق.
وهناك عوامل عدة تساهم في ذلك المزاج المتشائم، من بينها أن المنطقة تشهد معدلات نمو سكاني هو الأسرع في العالم، إلى جانب أنظمة تعليم حكومية فاشلة وتقاليد اجتماعية بالية تتعارض أحيانا مع نمط الحياة المدينية الذي أصبح الآن معيارا في الدول العربية وخصوصا في الخليج، لكن السياسة تلعب الدور الأهم في خلق حالة السخط بين الجيل الجديد.
وفي الخارج عموما لا تبدو الأمور جيدة بالنسبة للعرب منذ زمن طويل، فجيل ما بعد الحرب العالمية الثانية آمن بحتمية حدوث نهضة عربية بعد قرون من الاحتلال العثماني والإستعمار الأوروبي، وخلال مشروع النهضة العربية وقفت مشكلة فلسطين حجر عثرة أمامه، وحطمت هزيمة 1967 كثيرا من الأحلام، وحتى بعد تفوق إسرائيل عسكريا واستمرار احتلالها العنصري والدعم الأمريكي والغربي غير المحدود لها، ظلت قضية فلسطين وطريقة التعامل معها معيارا للمواقف الوطنية العربية، وظل الإحساس العام بين العرب بأن العدل سيتحقق إن عاجلا أو آجلا.
هذه الثقة تلقت مؤخرا ضربة جديدة، ولم يتوقع كثير من العرب أن تحقق مبادرة السلام التي أعلنها جورج بوش في "أنابوليس" في نوفمبر الماضي شيئا على الإطلاق، والخلاف بين حماس وفتح هز بشدة ما كان بديهية مسبقة لدى العرب عن عدم إمكانية حدوث خلاف فلسطيني-فلسطيني، وأطلت برأسها مقولة جديدة: إذا كان الفلسطينيون أنفسهم لا يستطيعون الاتفاق والتوحد في قضيتهم فلماذا يجب على العرب الآخرين أن يساعدوهم؟ ومع أي طرف من الطرفين يقفون؟ وأصبح الأمر محيرا بالنسبة للعرب، كما هو بالنسبة للفلسطينيين أنفسهم، فالاختيار بين "حالة عاطفية" تدعو إلى "المقاومة" و"حالة عقلانية" تنصح بالتسوية أصبح محيرا جدا.
والوضع في العراق مشابه للوضع في فلسطين، فالاحتلال الأمريكي في 2003 أدى إلى غضب عربي عالمي تقريبا، وبدت "المقاومة" العراقية في الخارج طبيعية ونبيلة، لكن مع ازدياد الفوضى في العراق، اختلط الحق بالباطل، وأصبح قتلة من القاعدة والميليشيات الشيعية والعصابات الإجرامية والإنفصاليين الأكراد والسياسيين الفاسدين أبطالا.
وفي أماكن أخرى أصبح من الصعب على العرب أن يدينوا المذابح في دارفور غرب السودان أو المسئولين عن مأزق الأطراف اللبنانية حول السياسة الخارجية الأمريكية، ومازال كثير من العرب يرون "حرب بوش على الإرهاب" حملة صليبية ضد الإسلام، لكن آخرين يرون أيضا أن "الجهاد" على طريقة القاعدة أسفر عن مقتل مسلمين من المغرب إلى السعودية إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينية في لبنان، أكثر مما قتل من "الكفار" حسب مفهمومهم.
وفي العقود الماضية كان العرب يعتمدون على الزعماء لكي يرشدوهم إلى الطريق الصحيح، وكان جمال عبد الناصر في مصر والحبيب بورقيبة في تونس، والملك حسين في الأردن والحسن الثاني في المغرب والملك فيصل في السعودية وحافظ الأسد في سوريا –رغم كل أخطائهم- زعماء حقيقيين يتمتعون بشعبية كبيرة في بلادهم، وحتى صدام حسين نفسه كان يتمتع أيضا بشيء من صورة رجل الدولة الوطني، أما قادة اليوم، فعلى النقيض، لأنهم يفتقرون إلى مشروع ملهم، ولا يتمتع أي منهم بشرعية طبيعية، انتخابات أو رضا شعبي عام، ولم تعد مصر التي يحكمها الرئيس مبارك منذ 26 عاما "بطل العروبة"، والسعودية التي تحوز أكبر ثروة نفطية في العالم العربي لا تمتع بسجل جيد في السياسة الخارجية العربية ولا تلعب دورا قياديا في توحيد العرب، مؤخرا فقط أبدت تحركات دبلوماسية في هذا الاتجاه لكنها فشلت فشلا ذريعا في المصالحة بين حركتي فتح وحماس.
انتهت زعامة الستينيات والسبعينيات التي كانت تعتمد على الكاريزما الشخصية في القيادة، لكن للأسف لم تحل محلها أنظمة تقوم على حكم المؤسسات، ناهيك عن أن تحل محلها أنظمة ديموقراطية –رغم كل الإلحاح الغربي على تطبيقها.. أجريت الانتخابات عدة مرات وأصبحت الأحزاب المعارضة والصحف أكثر حرية، لكن الوضع في الغالب كان إصلاحا شكليا بلا جوهر حقيقي، الأنظمة تشير إلى وجود برلمانات، لكنها في الواقع تخادع وتمارس ألاعيبها لدعم عملاءها وتستبعد وتهمش معارضيها الحقيقيين، تروج لبرامج الخصخصة التي تقلص دور الدولة، وتحجب حقيقة أن المستفيدين الحقيقيين منها هم أتباع النظام والحاشية المحيطة به من رجال الأعمال.
الصحف الأكثر حرية تتصدر التوزيع عند باعة الجرائد في مصر وفي كل أنحاء العالم العربي، لكن ذلك الانفتاح في مجال الصحافة والإعلام كان حتميا، بسبب صعوبة منع وسائل الإعلام والاتصالات الجديدة عبر الأقمار الصناعية والإنترنت، واتجهت الحكومات من السيطرة المطلقة على المعلومات عبر احتكارات التلفزيونات الحكومية، إلى سن قوانين تجرم "نشر الأخبار الكاذبة" أو "إهانة مؤسسات الدولة"، واستخدمت الحكومات الموالية للغرب كالمغرب والأردن وتونس ومصر مثل هذه الوسائل لخنق المعارضة، وبينما كانت سوريا –على سبيل المثال- في ظل حكم حافظ الأسد تلقي بالمعارضين إلى السجون بدون أي محاكمة، راح وريثه بشار يحاكمهم أولا، لكن مصير المعارضين في الحالتين هو السجن، الفرق في الطريقة.
هذه الحيل والألاعيب تفقد العمل السياسي حيويته، وحتى المغرب الأكثر جرأة في إجراء الإصلاح، وعلى الرغم من انتعاش ديموقراطيتها وحرية الصحافة فيها وإجراء انتخابات تعددية، مازال المغاربة متشككين في السيطرة على العملية السياسية بإحكام، والنتيجة تراجع الإقبال على التصويت خلال العقدين الماضيين، وفي مصر لا يذهب إلى التصويت في الانتخابات سوى أقل من 10% من الناخبين.
وأساتذة العلوم السياسية منذ فترة طويلة يحملون الثروة النفطية والاقتصاد الريعي -الذي يصاحبها عادة - المسئولية عن بقاء الاستبداد العربي، ففي مقابل عدم وجود نظام ضريبي لا يوجد تمثيل برلماني، الحكومات العربية وخصوصا في دول الخليج طبقت تلك الصيغة بالكامل وأكثر منها: خصصت موارد الطاقة الوطنية فلم يحتاجوا إلى فرض ضرائب باهظة وحصدوا سكوت مواطنيهم عنهم.
والمصدر الذي لا يمكنك أن تلمسه بوضوح لقوة الدولة هو الخوف مما قد يحدث في حال غيابها، والخوف من بطش آلتها القمعية، وقد أصبح الولاء للدولة في كثير من الدول العربية أضعف من الولاء إلى التجمعات الثانوية القائمة على العلاقة القبلية أو الانتماء العرقي أو الديني، وهي مشكلة مازالت موجودة في مناطق أخرى من العالم؛ ومازالت كثير من الديمقراطيات الناجحة تعاني منها، لكن العالم العربي الإسلامي بكل دوله تقريبا مازال يواجه مشكلة إضافية أساسية لم تحل، هي مصدر التشريع، هل هو وضعي أم إلهي.
قد تبدو هذه النقاط مجردة أكثر من اللازم لكنها ذات تأثير فعلي في الواقع، ففي معظم الدول العربية تسيطر أنظمة على السلطة استنادا إلى حماية التقاليد أو حركات تتمتع بدعم العسكر وتدعي أنها تمثل إرادة الجماهير.. بينما تتآكل تلك الأنظمة وتنهار من أعلى لأسفل، مثلما حدث في عراق ما بعد صدام أو في الأراضي الفلسطينية ما بعد عرفات، تواجه تلك الأنظمة صعوبة شديدة في إصلاح التآكل والانهيار من أسفل إلى أعلى.
العرب كشعوب يعيشون هذه الأيام أحوالا صعبة بالفعل، الجيل الذي تخطى الخمسين من العمر يشعر بأن الأحوال قد تغيرت كثيرا بشكل لم يعد قادرا على التكيف أو التعامل معه وأصبح إحساسه بالاغتراب داخل وطنه حادا، وجيل الشباب الذي تلقى تعليما لسنوات في مدارس حكومية كئيبة لم يهيأ بشكل كاف للتعامل مع العالم الجديد، والحقوق التي يتمتعون بها كمواطنين محدودة إن لم تكن غير موجودة، أما السفر إلى الخارج فقد يعني احتمال الاتهام بالإرهاب لمجرد أن الملامح التي يحملونها "شرق أوسطية"، ناهيك عن مخاطر الموت غرقا أو الاعتقال إن كان السفر غير شرعي، وحتى الزعماء العرب لا يحسنون فهم كثير من المتغيرات في العالم، بعضهم ليسوا في واقع الحال إلا رجال أعمال يحملون صولجان السلطة وهمهم الأول تكديس الأموال، وبعضهم الآخر مجرد أبواق يتبنون لغة خطابية فارغة، وقليل منهم من يمتلكون رؤية أو خيالا ملهما.
لا يعني ذلك التعميم أنه لا توجد اختلافات ضخمة بين الـ 300 مليون عربي في الـ 22 دولة، ففي ظل أسعار النفط المرتفعة بشكل غير مسبوق يزدهر الاقتصاد في بعض الدول العربية، حتى أن الفجوة بين لاجىء من دارفور ومواطن في دبي يقتني سيارة "بورش" أصبحت الأكبر بين غني وفقير على سطح الكرة الأرضية، ورغم ذلك فهناك قاسم مشترك في المزاج العام في العالم العربي، خصوصا بين الشباب تحت الثلاثين، الذين يمثلون الأغلبية الساحقة من السكان، هو خليط من السخط والقلق.
وهناك عوامل عدة تساهم في ذلك المزاج المتشائم، من بينها أن المنطقة تشهد معدلات نمو سكاني هو الأسرع في العالم، إلى جانب أنظمة تعليم حكومية فاشلة وتقاليد اجتماعية بالية تتعارض أحيانا مع نمط الحياة المدينية الذي أصبح الآن معيارا في الدول العربية وخصوصا في الخليج، لكن السياسة تلعب الدور الأهم في خلق حالة السخط بين الجيل الجديد.
وفي الخارج عموما لا تبدو الأمور جيدة بالنسبة للعرب منذ زمن طويل، فجيل ما بعد الحرب العالمية الثانية آمن بحتمية حدوث نهضة عربية بعد قرون من الاحتلال العثماني والإستعمار الأوروبي، وخلال مشروع النهضة العربية وقفت مشكلة فلسطين حجر عثرة أمامه، وحطمت هزيمة 1967 كثيرا من الأحلام، وحتى بعد تفوق إسرائيل عسكريا واستمرار احتلالها العنصري والدعم الأمريكي والغربي غير المحدود لها، ظلت قضية فلسطين وطريقة التعامل معها معيارا للمواقف الوطنية العربية، وظل الإحساس العام بين العرب بأن العدل سيتحقق إن عاجلا أو آجلا.
هذه الثقة تلقت مؤخرا ضربة جديدة، ولم يتوقع كثير من العرب أن تحقق مبادرة السلام التي أعلنها جورج بوش في "أنابوليس" في نوفمبر الماضي شيئا على الإطلاق، والخلاف بين حماس وفتح هز بشدة ما كان بديهية مسبقة لدى العرب عن عدم إمكانية حدوث خلاف فلسطيني-فلسطيني، وأطلت برأسها مقولة جديدة: إذا كان الفلسطينيون أنفسهم لا يستطيعون الاتفاق والتوحد في قضيتهم فلماذا يجب على العرب الآخرين أن يساعدوهم؟ ومع أي طرف من الطرفين يقفون؟ وأصبح الأمر محيرا بالنسبة للعرب، كما هو بالنسبة للفلسطينيين أنفسهم، فالاختيار بين "حالة عاطفية" تدعو إلى "المقاومة" و"حالة عقلانية" تنصح بالتسوية أصبح محيرا جدا.
والوضع في العراق مشابه للوضع في فلسطين، فالاحتلال الأمريكي في 2003 أدى إلى غضب عربي عالمي تقريبا، وبدت "المقاومة" العراقية في الخارج طبيعية ونبيلة، لكن مع ازدياد الفوضى في العراق، اختلط الحق بالباطل، وأصبح قتلة من القاعدة والميليشيات الشيعية والعصابات الإجرامية والإنفصاليين الأكراد والسياسيين الفاسدين أبطالا.
وفي أماكن أخرى أصبح من الصعب على العرب أن يدينوا المذابح في دارفور غرب السودان أو المسئولين عن مأزق الأطراف اللبنانية حول السياسة الخارجية الأمريكية، ومازال كثير من العرب يرون "حرب بوش على الإرهاب" حملة صليبية ضد الإسلام، لكن آخرين يرون أيضا أن "الجهاد" على طريقة القاعدة أسفر عن مقتل مسلمين من المغرب إلى السعودية إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينية في لبنان، أكثر مما قتل من "الكفار" حسب مفهمومهم.
وفي العقود الماضية كان العرب يعتمدون على الزعماء لكي يرشدوهم إلى الطريق الصحيح، وكان جمال عبد الناصر في مصر والحبيب بورقيبة في تونس، والملك حسين في الأردن والحسن الثاني في المغرب والملك فيصل في السعودية وحافظ الأسد في سوريا –رغم كل أخطائهم- زعماء حقيقيين يتمتعون بشعبية كبيرة في بلادهم، وحتى صدام حسين نفسه كان يتمتع أيضا بشيء من صورة رجل الدولة الوطني، أما قادة اليوم، فعلى النقيض، لأنهم يفتقرون إلى مشروع ملهم، ولا يتمتع أي منهم بشرعية طبيعية، انتخابات أو رضا شعبي عام، ولم تعد مصر التي يحكمها الرئيس مبارك منذ 26 عاما "بطل العروبة"، والسعودية التي تحوز أكبر ثروة نفطية في العالم العربي لا تمتع بسجل جيد في السياسة الخارجية العربية ولا تلعب دورا قياديا في توحيد العرب، مؤخرا فقط أبدت تحركات دبلوماسية في هذا الاتجاه لكنها فشلت فشلا ذريعا في المصالحة بين حركتي فتح وحماس.
انتهت زعامة الستينيات والسبعينيات التي كانت تعتمد على الكاريزما الشخصية في القيادة، لكن للأسف لم تحل محلها أنظمة تقوم على حكم المؤسسات، ناهيك عن أن تحل محلها أنظمة ديموقراطية –رغم كل الإلحاح الغربي على تطبيقها.. أجريت الانتخابات عدة مرات وأصبحت الأحزاب المعارضة والصحف أكثر حرية، لكن الوضع في الغالب كان إصلاحا شكليا بلا جوهر حقيقي، الأنظمة تشير إلى وجود برلمانات، لكنها في الواقع تخادع وتمارس ألاعيبها لدعم عملاءها وتستبعد وتهمش معارضيها الحقيقيين، تروج لبرامج الخصخصة التي تقلص دور الدولة، وتحجب حقيقة أن المستفيدين الحقيقيين منها هم أتباع النظام والحاشية المحيطة به من رجال الأعمال.
الصحف الأكثر حرية تتصدر التوزيع عند باعة الجرائد في مصر وفي كل أنحاء العالم العربي، لكن ذلك الانفتاح في مجال الصحافة والإعلام كان حتميا، بسبب صعوبة منع وسائل الإعلام والاتصالات الجديدة عبر الأقمار الصناعية والإنترنت، واتجهت الحكومات من السيطرة المطلقة على المعلومات عبر احتكارات التلفزيونات الحكومية، إلى سن قوانين تجرم "نشر الأخبار الكاذبة" أو "إهانة مؤسسات الدولة"، واستخدمت الحكومات الموالية للغرب كالمغرب والأردن وتونس ومصر مثل هذه الوسائل لخنق المعارضة، وبينما كانت سوريا –على سبيل المثال- في ظل حكم حافظ الأسد تلقي بالمعارضين إلى السجون بدون أي محاكمة، راح وريثه بشار يحاكمهم أولا، لكن مصير المعارضين في الحالتين هو السجن، الفرق في الطريقة.
هذه الحيل والألاعيب تفقد العمل السياسي حيويته، وحتى المغرب الأكثر جرأة في إجراء الإصلاح، وعلى الرغم من انتعاش ديموقراطيتها وحرية الصحافة فيها وإجراء انتخابات تعددية، مازال المغاربة متشككين في السيطرة على العملية السياسية بإحكام، والنتيجة تراجع الإقبال على التصويت خلال العقدين الماضيين، وفي مصر لا يذهب إلى التصويت في الانتخابات سوى أقل من 10% من الناخبين.
وأساتذة العلوم السياسية منذ فترة طويلة يحملون الثروة النفطية والاقتصاد الريعي -الذي يصاحبها عادة - المسئولية عن بقاء الاستبداد العربي، ففي مقابل عدم وجود نظام ضريبي لا يوجد تمثيل برلماني، الحكومات العربية وخصوصا في دول الخليج طبقت تلك الصيغة بالكامل وأكثر منها: خصصت موارد الطاقة الوطنية فلم يحتاجوا إلى فرض ضرائب باهظة وحصدوا سكوت مواطنيهم عنهم.
والمصدر الذي لا يمكنك أن تلمسه بوضوح لقوة الدولة هو الخوف مما قد يحدث في حال غيابها، والخوف من بطش آلتها القمعية، وقد أصبح الولاء للدولة في كثير من الدول العربية أضعف من الولاء إلى التجمعات الثانوية القائمة على العلاقة القبلية أو الانتماء العرقي أو الديني، وهي مشكلة مازالت موجودة في مناطق أخرى من العالم؛ ومازالت كثير من الديمقراطيات الناجحة تعاني منها، لكن العالم العربي الإسلامي بكل دوله تقريبا مازال يواجه مشكلة إضافية أساسية لم تحل، هي مصدر التشريع، هل هو وضعي أم إلهي.
قد تبدو هذه النقاط مجردة أكثر من اللازم لكنها ذات تأثير فعلي في الواقع، ففي معظم الدول العربية تسيطر أنظمة على السلطة استنادا إلى حماية التقاليد أو حركات تتمتع بدعم العسكر وتدعي أنها تمثل إرادة الجماهير.. بينما تتآكل تلك الأنظمة وتنهار من أعلى لأسفل، مثلما حدث في عراق ما بعد صدام أو في الأراضي الفلسطينية ما بعد عرفات، تواجه تلك الأنظمة صعوبة شديدة في إصلاح التآكل والانهيار من أسفل إلى أعلى.
أرابيسك ـ أيمن شرف ـ الدستور يناير 2008
mal3onaboeldonya@hotmail.com
0 Comments:
Post a Comment
<< Home