Tuesday, January 22, 2008

الهروب من مصر



يأتي الزملاء الصحفيون من الخليج في إجازاتهم كل عام، وفي حلق كل منهم غصة الغربة يكتمها، وحنين إلى البلد والناس ولمة الأصدقاء يخشى التعبير عنه، لكنه يغلفه في سؤال بسيط مناور: ما أخبار مصر؟، وضمنيا يشير السؤال إلى أحوال المهنة.. الصحافة.
ورغم أن هناك حراكا في مهنة الصحافة والإعلام في السنوات الأخيرة، اتساع في الإصدارات الصحفية الجديدة والقنوات الفضائية، حتى أصبح الكادر الصحفي المحترف غاليا ونادرا، وبتنا نسأل عن "ديسك مان" شاطر أو رئيس قسم أخبار ذو خبرة جيدة فلا نجد، رغم ذلك ورغم ارتفاع الأجور نسبيا للمحترفين، تظل الإجابة التي يتلقاها الصحفي "الغائب" المغترب كما هي "خليك هناك أحسن".
وحالة الانتعاش في سوق الصحافة لا تنطبق بالطبع على أسواق المهن الأخرى، ولا تنطبق بالمرة على الخالين من العمل، أصحاب المؤهلات الجالسين على دكة الانتظار سنوات بعد التخرج، أو الذين يعملون في وظائف شكلية مؤقتة أو يقومون بأي عمل والسلام انتظارا لفرصة أفضل، وحلم السفر والخروج من مصر راود ويرواد الملايين من شبابها، وحتى كبارها في السن الذين خرجوا على المعاش مبكرا من الشركات التي تم تصفيتها وبيعها، والاستعداد للمغامرة بدفع مبالغ كبيرة لمكتب سفريات أو وسيط قد يكون نصابا تزداد كلما زادت الحاجة والرغبة في الخلاص من الظروف المحيطة.
ليس غريبا إذن أن يتقدم 6 ملايين مصري للحصول على "الجرين كارد" للسفر إلى أمريكا، وليس غريبا أن يذهب أكثر من عشرين ألف مصري للعمل في إسرائيل، وغيرهم ملايين أخرى مستعدون ليس فقط للسفر –على أمل العودة مع تحسين الأوضاع- بل للهجرة والتوطن في أستراليا وكندا وغيرها من الدول،
يستطيع أن يتحدث أي مسئول "بيستعبط" عن توفر فرص عمل، أو عن نجاح برنامج الرئيس الانتخابي في تحقيق معدلات وظائف أكبر، ويستطيع شيخ أن يتبجح بالقول إن "الغرقى على شواطئ المهجر" طماعون، فلن يصدقهم أحد، اما "الاقتصادي المتحذلق المتفزلك" الذي يبشرنا قائلا إن مصر حققت معدلات نمو فوق السبعة بالمئة في العامين الماضيين، وإن الاستثمارات الأجنبية تضاعفت والصادرات زادت إلى أوروبا وأمريكا، فلن يدخل أحد معه في نقاش حول التفاصيل ودقة الأرقام والمعايير التي يبني عليها استنتاجاته وطبيعة ونوعية الصادرات وطبيعة ونوعية الاستثمارات وفي أي قطاعات، وسيواجه بسؤال واحد بسيط "كلامك مظبوط سيادتك.. لكن هي راحت فين؟"، الطفرة التي يتحدثون عنها يجني ثمارها عدد محدود جدا من الأشخاص، والفلوس لا تدور دورتها الطبيعية في أيدي الناس ولذلك يهربون من مصر
أرابيسك ـ أيمن شرف ـ الدستور يناير 2007
mal3onaboeldonya@hotmail.com

0 Comments:

Post a Comment

<< Home