شيوخ ورهبان
في غمرة الأحداث أحيانا ما يخطئ الناس أخطاء التمني المعتادة، فيتصورون أن شيخ الأزهر وبابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقصية شخصيتان عامتان.. رجلا دين ملتزمان بمرجعياتهما.. يراعيان مشاعر واعتبارات الطائفة الدينية التي يمثلانها، وينسى الناس حقيقة أنهما موظفان كبيران جدا لدى الدولة، يسري عليهما ما يسري على أي موظف، مع فارق بسيط أنهما "شديدا الأهمية" لها، فيتمتعان بميزات ومخصصات فوق العادة، كل منهما بدرجة رئيس وزراء، أي أن راتب كل منهما لا يقل عن راتب رئيس الوزراء أحمد نظيف وبدلات الاجتماعات والسفر والحوافز التي يحصل عليها، ويتمتعان أيضا بنفس حصانة رئيس الوزراء أمام جهات التقاضي فلا يمثلان أمام قاضي التحقيق إلا بعد إجراءات رفع الحصانة عنهما وهو ما يعني حماية خاصة عند مخالفتهما للقانون، ولكن عند مخالفتهما لمقتضيات الوظيفة و"المهمة السياسية" التي تناط بهما ينالان العقاب المناسب الذي يليق بهما، والدولة لا تتصرف بفجاجة في مثل تلك الأحوال، بل تراعي حساسية تمثيلهما لطائفتيهما الدينية، وتراعي أهمية "الخدعة" التي تدخلها على الناس، حتى لا يصدمون دفعة واحدة بالحقيقة المرة، وهي أن "فضيلة" شيخ الأزهر و"قداسة" البابا بكل ما لهما من هيلمان ووجاهة وسلطة معنوية هما مجرد موظفين لدى الدولة.
والتؤهل للمنصب في الحالتين –رغم فارق أن شيخ الأزهر يأتي بالتعيين وبطريرك الكرازة المرقصية يأتي بالاختيار- يقتضي أن يكون صاحبه قريبا من مزاج السلطة، آراؤه ومواقفه تسير في ركبها، مستعدا لموالاتها وعدم مناطحتها أو مناكفتها، بل ومبررا لقراراتها السياسية، والشيوخ والرهبان الذين يحلمون بالجلوس على كرسي الشيخ والبابا يعرفون تماما مؤهلات ذلك الجلوس.
قد يتوهم أحدهما أحيانا أنه صاحب رسالة ومهمة وطنية، أسندتها إليه الظروف والمقادير، لكن محاولات الموظفين الكبيرين في التخفي في رداء "المهمة الإلهية" تتكشف دائما عند المواقف الصعبة التي تفرض اختيارا واضحا لا التباس فيه، شيخ الأزهر مثلا تحدث -بلا مناسبة تقريبا- عن شرعية توريث السلطة في الإسلام، وفي مرة أخرى تحدث –في حضور الرئيس وفي سياق اتهام صحفيين بترويج شائعة مرضه- عن عقوبة الجلد لمن يروج شائعة والمعنى مفهوم بالطبع، أما بابا الكرازة المرقصية فلم يفت بشيء ولم يسعفه التراث المسيحي بمقولة تصلح لتوظيفها لتبرير "توريث السلطة من الأب للابن عبر صندوق انتخابات يشرف عليها ضباط أمن دولة الرئيس"، ولكنه في إحدى المناسبات الدينية علق على الحائط من خلفه صورة "الابن" جمال مبارك كبيرة واضحة ودون صورة أبيه، والتقطت الكاميرات المشهد، وبعثت برسالة واضحة لا تخطئها العين وإن لم ينطقها اللسان.
لا داعي إذن أن يراهن ساذج أو مغالط لنفسه بالتمنى على فضيلة الشيخ أو قداسة البابا في أن يتصرف أحدهما كشخصية دينية قيادية مستقلة ويتمرد على "الكادر الوظيفي" الذي يشغله في الدولة
0 Comments:
Post a Comment
<< Home