مقالات هيكل والشخصنة
يبدو أن مقالات محمد حسنين هيكل الستة التي امتنع عن نشرها 25 عاما، بناء على رغبته واستجابة لرغبة الرئيس مبارك، ثم نشرها أخيرا في المصري اليوم، قد وجدت طريقها متسللة إلى خطاب الرئيس مبارك بمناسبة عيد الشرطة، فالرئيس قال تلميحا إن "عجلة التاريخ لا تعرف الرجوع الى الوراء، والأصوات الآتية من الماضي لا مكان لها في حاضر الوطن ومستقبله". وتابع: "إننا نعي جيدا اعتبارات أمننا القومي، فلا نفرط فيها، ولا نسمح لأحد بأن يقترب منها أو يحاول اختراقها، كما نعلم ما نواجهه من مخاطر وتحديات، مابين إرهاب يتربص بنا، وتطرف يستتر بعباءة الدين ليعود بنا إلى الوراء، ومحاولات للوقيعة بين مسلمينا وأقباطنا، وقوى خارجية تحاول التدخل في شئوننا تحت ذرائع مختلفة، وأخرى من بيننا تنشر دعاوى التشكيك والإحباط".
وإذا كان هذا التلميح صحيحا، فإنه يرقى لمستوى "النكتة"، فمقالات هيكل الستة وإن لم تنشر نصا طوال هذه السنوات الخمس والعشرين، فقد نشرت ضمنا في العديد من مقالاته وكتبه التي ألفها في هذه الفترة الطويلة، وتناول محتواها أيضا في لقاءاته التليفزيونية على قناة الجزيرة، وتناول كثيرون من الكتاب والمفكرين تلك المحاور المتعلقة برؤية أمن مصر القومي، والصحف والمجلات والكتب التي تتناول ذلك الموضوع وتنتقد السياسة المصرية في عهد الرئيس لا حصر لها.
ونشرها الآن ليس إلا نوعا من التوثيق لوجهة نظره، وليست –في ظني- تعبيرا عن موقف، فلو كانت كذلك لأصر هيكل على نشرها في حينه بأي صورة من الصور، لكي يسجل موقفا ويتحمل تبعاته، لكن هيكل على ما يبدو لا يفضل مثل هذه الاختيارات الحدية، وتاريخه مع الرئيس عبد الناصر تحديدا، ومع الرئيس السادات –جزئيا- يؤكد ذلك.. لا يفضل مقعد المعارض، وإنما يكتفي بمقعد المستشار والناصح، فلا يدخل معارك من أجل وجهة نظره تحسبا للعواقب، وربما اقتناعا منه بأنه لا جدوى من معارضة الرئيس –أي رئيس- حتى لو كانت المعارضة ضرورية لكي يتخلى الرئيس –أي رئيس- عن إحساسه بأنه المتصرف الأوحد في الأمور، وأن الآخرين من حقهم أن يكون لهم دور ورأي وكلمة مخالفة، بل وتأثير واضح في الرأي العام.
فلماذا هذه الحساسية من مقالات هيكل تحديدا، هل لأنها كانت موجهة إلى الرئيس شخصيا، هل لأنها تتحدث بأثر رجعي عما كان يجب عمله، ولم يُعمل، فظهرت النتائج الكارثية واضحة للعيان، هل اعتبرها المحيطون بالرئيس نوعا من "المعايرة"، على طريقة "مش قلت لكم قبل كده وإنتوا ما انتبهتوش"، لماذا هذه الشخصنة؟
أرابيسك أيمن شرف
0 Comments:
Post a Comment
<< Home