مصر وإيران
عودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران لا يعني إمكانية التحالف الاسترتيجي بينهما كما يتمنى البعض، وإنما يعني علاجا للمواقف التي أدت إلى القطيعة بين الدولتين منذ عام 1979، واستعدادا للتعاون في ملفات "متواضعة" بعينها، مثل استيراد القمح الإيراني أو تصدير بعض المنتجات المصرية لإيران أو إنشاء مصنع مشترك للسيارات في مدينة السادس من أكتوبر، ومصنعين للسكر في إيران، وتفعيل مجلس رجال أعمال أو حتى ترتيب قدوم وفود سياحية إيرانية للمزارات الشيعية في مصر رغم مخاوف الحكومة المصرية من تداعيات ذلك على العلاقات بين شيعة الداخل وشيعة إيران.
والخلافات الشكلية حول "جدارية" تحمل اسم قاتل السادات "خالد الإسلامبولي" لا تمثل في الغالب عقبة أمام عودة العلاقات، فمنذ سنوات طلبت وزارة الخارجية الإيرانية من مجلس مدينة طهران تغيير اسم شارع "الاسلامبولي", مجاملة للرئيس مبارك على مبادرته بزيارة الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي بمقر إقامته علي هامش مؤتمر جنيف, وعلى الفور سارع مجلس مدينة طهران وأغلبه من اليمين المحافظ بالموافقة واختيار اسم الانتفاضة بدلا منه, وهو اختيار لا يخلو من إشارة واضحة المعاني.
أما الخلافات حول مواقف سياسية كبيرة مثل العلاقة مع إسرائيل وأمريكا فتظل معلقة في الهواء، لا يمكن أن تحسم بين يوم وليلة، لأن أي تعديل فيها يترتب عليه أشياء كثيرة، لا يقوى عليها النظامان في مصر وإيران حاليا، فلا إيران مستعدة للاعتراف بإسرائيل ولا مصر مستعدة للتراجع عن اتفاقية السلام معها ولا حتى قادرة على تعديل أحد بنودها، ولا إيران مستعدة "للتحالف مع أمريكا" وهو أمر غير وارد على الإطلاق على الأقل في ظل نظامها الحالي، ولا مصر مستعدة للخروج من عباءة أمريكا، بل إن تقاربها النسبي والمحدود مع إيران حاليا تحدوه رغبة أميركية في أن تلعب مصر دوراً في إقناع طهران بالعمل على مساعدة القوات الأمريكية في العراق، والتوقف عن تخصيب اليورانيوم، أي أن قرارها بإعادة العلاقات مع إيران ليس قرارا مصريا صرفا، فيما تبقى ملفات مثل دور إيران في أمن الخليج وعلاقتها بحزب الله في لبنان ودعمها للأصوليين الإسلاميين موضع نقاش بين الطرفين.
لا داعي إذن لأن يتفاءل أنصار "علاقة استرتيجية بين مصر وإيران" إذا جاء مسئول إيراني إلى القاهرة أو استضافت القاهرة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أو سافر وزير خارجية مصر أو حتى رئيسها إلى طهران.. العلاقة الاستراتيجية بين البلدين تصنعها عقلية أخرى غير موجودة حاليا في الإدارة السياسية المصرية، عقلية تدرك أن تحالفها مع أمريكا لا يحقق مصالحها بل يخصم منها وأن إدارة علاقة مع إسرائيل دون امتلاك أوراق ضغط وعناصر قوة كفيل بتلقي إهانات منها بشكل دوري، وقضم دورها في المنطقة شيئا فشيئا حتى يصل إلى الحضيض.
أرابيسك - أيمن شرف - الدستور فبراير 2008
0 Comments:
Post a Comment
<< Home