Monday, February 25, 2008

مبالغات النقاب



يبدو أن "أفكار" مجتمعنا أصبحت في حالة يرثى لها، قضايا بسيطة يمكن حسمها بقليل من الجهد تستغرق زمنا في النقاش وشدا وجذبا عنيفا، ومزايدات وضحالة في الطرح، وتفتيشا في النوايا، وتفسيرات لخلفيات تآمرية محتملة؛ 9630 ممرضة يرتدين النقاب من بين 90 ألف ممرضة في المستشفيات الحكومية، سيخضعن قريبا (أول مارس) لقرار ارتداء زي موحد يظهر الوجوه والأيدي أثناء العمل.
الحكومة من جانبها تعتبر الظاهرة "سياسية" ينبغي مقاومتها والحد منها، أي أنها كانت "نايمة في العسل" عشرات السنوات حتى انتشرت ظاهرة الحجاب ثم النقاب منذ منتصف السبعينات وإلى الآن، والإسلاميون من جانبهم يعتبرون القرار اعتداء على "الحرية الشخصية" وتجاوزا ضد الإسلام، ويتندرون بعدم تدخل الحكومة لمنع النساء المتبرجات في كل مكان، ويشنون حملة في البرلمان ضد حظر النقاب حتى لا يمتد المنع إلى مجالات أخرى.
عضو المجلس حمدي حسن يستشهد على عدم الخطأ في ارتداء النقاب داخل المستشفيات بأن "الأطباء أنفسهم يضعون أقنعة على وجوههم في غرفة العمليات"، وينسى أن الغرض من القناع عندئذ وقائي لا أكثر، وأن المريض المخدر ليس في حاجة لأن يرى وجه طبيبه للتفاهم أو التواصل معه كما هو الحال فيما يخص الممرض أو الممرضة، ود.حمدي السيد نقيب الأطباء حذر من أن منع النقاب مخالف للدستور، لأنه اعتداء على الحرية الشخصية، ونقابة الأطباء التي يمثل التيار الإسلامي غالبية أعضاء مجلسها حذرت وزيرالصحة من "طرد" الممرضات اللاتي لا يلتزمن بالقرار الجديد، ونسي النقيب ومجلس النقابة أن "الحرية الشخصية" سواء في السفور أو التبرج لها حدود.
قبل أعوام اشتكى طفلي وكان في رياض الأطفال من أن مدرسة "التربية الدينية" تخيفه، ذهبت إلى المدرسة فعلمت أنها منقبة، وتصر على ارتداء النقاب في الفصل أمام أطفال في عمر الخامسة لأن الشبابيك زجاجية ويمكن أن يرى رجل مار في الطرقة أو في الشارع وجهها! أي أنها فضلت أن تمارس حريتها الشخصية في غير مكانها وعلى حساب عملها ووظيفتها، فتعليم الأطفال مخارج الألفاظ ومن بينها ألفاظ "القرآن" الذي تعلمه للأولاد يقتضي أن تكشف وجهها، والتواصل معهم نفسيا يقتضي ذلك أيضا، وإدارة المدرسة لأنها "ذات هوى إسلامي" تبنت ما يطرحه نقيب الأطباء والإسلاميون اليوم فيما يتعلق بالممرضات.. الموضوع أبسط من كل الجدل المثار حوله.. 10 بالمئة من الممرضات يمكن إحالتهن للعمل الإداري، أو يغيرن وظيفتهن مادمن لا يستطعن أداءها كما ينبغي، و"الحكومة" لكي تنتصر في "حربها مع النقاب" عليها أن تغير من أدواتها.. لكنها للأسف لن تستطيع فهي أكثر تخلفا من أن تكتشف الطريق الأسلم لمنع "التشدد الفكري" سواء كان إسلاميا أو غير إسلامي في المجتمع.

أرابيسك - أيمن شرف - الدستور فبراير 2008

0 Comments:

Post a Comment

<< Home