القمح المستحيل
طوابير "العيش" أصبحت طقسا يوميا في حياة كثيرين في قرى مصر ومدنها، والسبب ارتفاع أسعار القمح عالميا، مما اضطر هيئة السلع التموينية الجهة الوحيدة المنوط بها في مصر شراء احتياجاتها الأساسية من الخارج إلى تنويع مصادر شراء القمح، من روسيا إلى سوريا وأخيرا تسعى لشرائه من إيران، وليس من المنتظر في المدى القريب انفراج هذه الغمة، فتقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية الصادر حديثا عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام يتوقع عدم انخفاض أسعار القمح في الأسواق العالمية خلال العام الزراعي 2007/2008 وأن فاتورة استيراد القمح ستواصل الزيادة، لتزيد الطوابير طولا، وتشتد المعارك اليومية سخونة.
غرفة الحبوب الأمريكية أصدرت في أكتوبر 2007 بيانا عن أكثر عشرة دول في العالم استيرادا للقمح في موسم 2006/2007 وتصدرت مصر القائمة الدول بإجمالي 7 ملايين طن، وتصدرت أيضا قائمة الدول الأكثر استيرادا للقمح الأمريكي في الفترة من يوليو 2007 إلى منتصف أكتوبر من العام نفسه، برقم قياسي هو 7 .2 مليون طن مقارنة بـ 9 .0 مليون طن في نفس الفترة من العام السابق وبزيادة 300%، والأرقام مرشحة للزيادة في العام الحالي.
فهل فكر إخواننا في الحزب الحاكم "المهمومين" حاليا بالاستعداد لانتخابات المحليات، وسيناريو التوريث في حل غير الاستيراد من أمريكا أو سوريا وإيران وربما السعودية التي حققت كل منها اكتفاء ذاتيا من القمح؟.. لا أظن أنهم في حاجة للتفكير، فالحل موجود يطرحه تقرير مركز الأهرام نفسه، ويطرحه مئات من المتخصصين في مجال الزراعة والاقتصاد منذ سنوات: زيادة المساحة المزروعة بالقمح إلى 4 ملايين فدان ووضع أسعار مجزية لشراء القمح من الفلاحين تشجعهم على زراعته، التقرير يؤكد أيضا على "أهمية استغلال الأراضي الزراعية الزائدة على احتياجات السودان والمعروضة بالفعل للاستثمار وتبلغ مساحتها 20 مليون فدان من إجمالي 32 مليون فدان جاهزة للزراعة في السودان، وأكثر من ضعفها من الأراضي القابلة للاستصلاح والزراعة، وهذه المساحات تحتاج إلى الخبرة العلمية والتقنية والعمالة من مصر ومعها الاستثمارات المالية من دول الخليج وهي تكفي لسد جانب كبير من الفجوة الغذائية في العالم العربي وتحقيق الاكتفاء الذاتي العربي بالكامل من الذرة والقمح".
فهل نرجو مستحيلا لو أن وزراء الزراعة والاستثمار في مصر والسودان ودول الخليج عملوا في مواطنيهم معروفا، واجتمعوا بانتظام أو استثنائيا واتفقوا على شئ واحد هو توفير اكتفاء ذاتي من الخبز، على طريقة وزراء الداخلية الذين لا يغيبون عن اجتماع عربي واحد لزوم "أمن الدولة" العربية، ووزراء الإعلام الذين يتفقون فقط على "تجريد" المواطن من حريته الإعلامية عبر الفضائيات لحماية "الأنظمة والرموز" من الانتقاد.. الماضي يؤكد أننا نرجو مستحيلا..
أرابيسك - أيمن شرف - الدستور فبراير 2008
mal3onaboeldonya@hotmail.com
0 Comments:
Post a Comment
<< Home