سارق الفرح
يتسلل بهدوء شديد بين ثنايا روحك، فلا تعرفه، يقولون إنه يولد معك في نفس لحظة الميلاد، يظل حبيسا في مكان ما تحاصره رغبتك في الحياة وحبك لها، وينتظر بصبر ودأب منقطع النظير، فهو واثق تماما أنه سينتصر في النهاية، يكبر شيئا فشيئا دون أن تنتبه.
الشعر الأبيض يتسلل إلى رأسك شعرة شعرة، فلا تلاحظ الفرق بين يوم وآخر، ووزنك يزداد زيادة طفيفة شيئا فشيئا لا تشعر بها إلا بعد فترة طويلة، وبشرة وجهك تقل نضارتها، تتسرب إليها خطوط الزمن، الأمراض البسيطة زمان تصبح مزعجة، النزوع إلى المغامرة يقل، الإحساس بالدهشة يتراجع، الحكمة تقتلها، الخبرة تتجاوز الأحداث، تستطيع توقعها بسهولة، فتاريخك الشخصي أصبح مليئا بها، يصبح الماضي أرشيفا كبيرا، لا يعود هناك جديد، تصبح الأحداث الحالية شريطا معادا، رأيته من قبل، وتزيد الإحالة إلى الماضي، وتزيد الرغبة في تذكره، فقد كان لأحداثه طعم آخر، طعم البهجة.
لا أحد يعرف على وجه التحديد متى يبدأ الإنسان رحلة الموت، لكن هناك من يقولون إنك تشعر به في لاوعيك، إحساسك الداخلي بالرغبة في الحياة يتراجع، والاكتفاء منها يغلب الطمع في المزيد.
يتحول صراعك الداخلي مع ذلك الكامن في مكان ما بجوار قلبك أو في خلايا عقلك، إلى صراع خارجي، فتسعى جاهدا لأن تعطي امتدادك على الأرض ما تبقى فيك من حياة، تنقل أرض المعركة إلى كائنات أخرى من صلبك، فتكافح من أجل أن يحيا أبناؤك حياة أفضل، تعطيهم كل ما لديك، وتتخلى عن كل طموحاتك ونزواتك.
اصبحت تدرك –بلاوعيك- أنك لن تكسب المعركة الداخلية، وأن النهاية التي كنت طول الوقت تتجنب التفكير فيها، وتشطبها من حساباتك، بل وتفترض –متيقنا- كل صباح أنها غير ممكنة، وأن صباحا آخر سيأتي.. أصبحت وشيكة.. تلك الحقيقة التي كنت تحولها كل ليلة كلما خلدت إلى النوم إلى وهم، تتجلى حاضرة إلى وعيك، ولا تستطيع الفكاك منها.
لحظات الاكتئاب أو التشاؤم الشديد التي تمر بها في مراحل مختلفة من عمرك قد تشعرك أن الحياة بلا معنى، أو تنمي داخلك عزوفا عنها، فتخصم من رصيدك في المعركة الداخلية مع الموت، لكنها لا تستمر طويلا، فالعداد البيولوجي يواصل عمله، ويستمر في مساره الطبيعي حتى تحين اللحظة الحاسمة، التي ينقض فيها سارق الفرح على ضحية مستسلمة لنهايتها راضية بمصيرها.
وداعا مجدى مهنا.. صديق كل الصحفيين ووداعا رجاء النقاش عاشق الحياة.. وكلنا عابرون في نفس الطريق العابر.
أرابيسك - أيمن شرف - الدستور فبراير 2008
0 Comments:
Post a Comment
<< Home