Monday, February 25, 2008

الشعراء عندما يؤرخون



في كتاب (رحلتي.. الأوراق الخاصة جدا) الذي يسجل فيه "الشاعر" فاروق جويدة آراء خاصة وصريحة للملحن والمطرب الكبير الراحل محمد عبد الوهاب، يقول عبد الوهاب إن الرئيس الراحل عبد الناصر كان "يخطب في الجمهور وهو غير مؤمن بما يقول ويعلم أنه يخدع الجماهير ومع ذلك تصدقه الجماهير بحماس شديد، وكان (خليفته) أنور السادات يخطب في الجماهير وهو مؤمن بما يقول ولا يكذب ولا يخدع ومع ذلك لا تصدقه وتقول عنه إنه ممثل، وكذاب.. سبحان الله"، ويقول عبد الوهاب أيضا أن "الاشتراكية أفسدت الفن "فالأغلبية والجماهيرية لا تدفع فنا إلى الرقي، والقرآن الكريم دمغ الأكثرية فما من آية تشير إلى الأغلبية إلا وكان الناس لا يفقهون، ولا يبصرون، ولا يعلمون.. أما الملوك والأمراء والصفوة فكانوا يتسمون بحسن الاستماع إلى الفن الرفيع".
ولا يقول لك عبد الوهاب ولا محرر الكتاب كيف قاس المطرب الراحل درجة الصدق والكذب في الحالتين، ولا يفسر "سذاجة المصريين في التعامل مع ما يقوله عبد الناصر ولماذا لم يكونوا بنفس الدرجة من السذاجة مع ما يقوله السادات، اللهم إذا كانت عبارة "سبحان الله" التعجبية الغامضة هي تفسيره الوحيد، ومن الطبيعي أن يكون هذا رأي عبد الوهاب الذي منحه السادات لقب "الدكتور اللواء"، لأول مرة في التاريخ تقريبا يمنح فيها رئيس ملحنا لقب لواء ودكتور في نفس الوقت، وهذا ليس غريبا عليه، فقد منحه الناس لقبا يسجل رأيهم فيه وهو "مطرب الملوك والأمراء".
أما عن أن "الاشتراكية التي أفسدت الفن.. والقرآن الذي دمغ الأكثرية" فكلام مرسل لا علاقة له بالواقع، فما يقصده عبد الوهاب "بالاشتراكية" في مصر فلم يكن كذلك، وإنما حالة من استنهاض الروح الوطنية وإتاحة الفرصة للطبقة الوسطى لكي تعبر عن نفسها، فازدهر الفن في مصر الستينات، وقراءة القرآن كانت المعلم الأول للرعيل الأول من المطربين في فنون التعبير والأداء الصوتي وتمثل المعاني والإحساس بموسيقى الكلمات.
لكن غير الطبيعي والغريب في الموضوع كله أن نبحث عن تقييم للتاريخ في أقوال مرسلة لشخص غير متخصص، لمجرد أنه مشهور، مثلما فعل جويدة، ذلك الشاعر العابر في تاريخ الشعر، والذي لم يحتف به سوى محبو شعر نزار قباني، باعتباره نسخة مقلدة منه، وهو أيضا لم يكن في يوم من الأيام كاتبا أو باحثا سياسيا ينقب في أوراق التاريخ، ليقدم للقارئ أوراق اعتماده محللا أو باحثا.
الأرجح أن كلمات عبد الوهاب لاقت هوى جويدة، الذي دخل أروقة الصحافة في جريدة الأهرام من باب قسم "المحاسبة"، بعد أن أبدت سيدة مصر الأولى السابقة جيهان السادات إعجابها بشعره، فرشحته للصفحة الثقافية بها وراح يرد الجميل بعد ذلك، ومازال ممتنا حتى الآن على ما يبدو.

أرابيسك - أيمن شرف - الدستور فبراير 2008
mal3onaboeldonya@hotmail.com

0 Comments:

Post a Comment

<< Home