Wednesday, January 11, 2006

مصر توقعات مستقبلية



مع كل ما قد يرمز إليه وضع الرئيس العراقي السابق في محاكمة –أمريكية- هزلية من مهانة شخصية لمحكوميه السابقين، وغيرهم من المحكومين "لزعماء" عرب حاليين في دول عربية أخرى، إلا أن هذه الصورة -بلا شك- لها تأثيرها النفسي من كسر هيبة "الزعماء" العرب، وكسر وضعيتهم كرموز تستحق الاحترام –رغم الاختلاف معهم- كممثلين للشعوب العربية، ناهيك عن إحداث نوع من الاجتراء عليهم، هو أوضح ما يكون حاليا في مصر، ففي ظل مواجهة القيادة المصرية مع الخارج الأمريكي حاليا تميل شرائح كبيرة من المهتمين بالسياسة إلى مقولات على شاكلة "أسد عليَّ وفي الحروب نعامة"، بما يخفي درجة من الشماتة، ويؤكد أن التغيير المرجو –وخاصة على مستوى الحريات والتمثيل السياسي- مرهون بكسر إرادة القيادة المتمسكة بالنمط الحالي من الحكم.

وبالطبع ليست تلك الصورة وأثرها النفسي وحدهما هما اللذان يوحيان بتوقعات في العام الجديد، بل إن مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية هي التي تساعد على التمني أو التوقعات المتفائلة، ويمكن القول إجمالا إن الأخبار المحتملة في مصر ليست كلها سيئة.

في تجربة مصر المحدودة مع الديمقراطية نهاية العام الماضي حصلت المعارضة ذات الطابع الإسلامي على مكاسب كبيرة وهي تطالب الآن من أجل تغيير أكبر، وبفوز الإخوان المسلمين بنحو 20 بالمئة من مقاعد البرلمان، على غير المتوقع أو المرجو أو حتى المتفق عليه سلفا –بافتراض أن هناك صفقة بين النظام والإخوان يمكن رصد مؤشرات منطقية عليها- سيكون من الصعب على الرئيس مبارك أن يواصل إجراء إصلاحات جوفاء.

وسيسعى الإخوان في محاولتهم الاستفادة من نجاحهم، إلى تلطيف خطابهم ويركزون على التغيير السياسي بدلا من أجندتهم الاجتماعية المحافظة المعتادة، وستسعى الحركة أيضا إلى أن يكون لها حزب شرعي.

أما المعارضة العلمانية فتواجه تحديا كبيرا، حتى أن حركة الإخوان أصبحت الآن نموذجا في العمل التنظيمي لغيرها من التيارات السياسية، ونجاح الإخوان يؤكد ادعاء العلمانيين بأنهم حصن ضد سيطرة الإسلاميين على السلطة. ومن الواضح أن الجناح "الإصلاحي" للحزب الديمقراطي الوطني الحاكم تحت قيادة جمال مبارك، ابن الرئيس وولي العهد المحتمل بقوة، كان حريصا على وأد بديله العلماني الجديد حزب الغد الذي تخلق في غفلة منهم على ما يبدو، وأدين رئيسه الشاب أيمن نور بالتزوير مؤخرا وحكم عليه بالسجن خمس سنوات، فيما يعد محاولة لإقصائه بالقانون بعيدا عن المنافسة مستقبلا على أهم مواقع السلطة في مصر "الرئاسة".

والرهان بالنسبة لقوى المعارضة الأخرى هو أن تؤسس سواء بتأييد خارجي –أمريكي في الغالب- أو بدونه، بديلا حقيقيا للحزب الوطني الحاكم والإخوان المسلمين، ولكن من المتوقع أن يحاول النظام تخليق "كتلة ليبرالية" مناوئة للإخوان غير بعيدة عنه، بما يشير إلى أن اللعبة المبتذلة لإنتاج أشكال سياسية مفتعلة وهزيلة ستظل مستمرة لفترة من الزمن.

وفي ظل تغير محتمل في السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، إذا ما فشل الجمهوريون في الإمساك بزمام الأمور في واشنطن، يمكن أن تنقلب الكفة لصالح النظام، فيواصل ممانعته لإجراء إصلاحات سياسية جذرية، فتتراجع كل التوقعات المتفائلة تقريبا.

ومن الملاحظ أيضا أن الرئيس المصري في مواجهة الحديث الدائر عن الحاجة إلى تعزيز الحريات الديمقراطية، راهن بشدة على أنه يستطيع مواصلة الإمساك بزمام السلطة، إذا تمكن من تحسين الأوضاع الاقتصادية، ومع البطء الذي أبداه في الاستجابة للضغوط الداخلية من أجل إحداث تغيير سياسي شامل، أقر -في أدبيات منشورة- بأن البطالة والفقر يشكلان أكبر تهديد لسلطته مقارنة بأي مطالبة بالانفتاح السياسي، وهكذا شرع وفقا لرؤية "الجيل الجديد في لجنة السياسات" بقيادة ابنه جمال إلى دعم ما يتصورون إنه إصلاح اقتصادي، وعلى سبيل المثال، أعاد الرئيس تعيين أحمد نظيف رئيسا للوزراء، وأبقى في السلطة وزراء دفعوا باتجاه تغييرات للانفتاح الاقتصادي، ويفترض أن يشهد العام الجديد مزيدا من جهود الخصخصة.

ويوحي ذلك بأن القيادة المصرية تسعى إلى إحداث أي نوع من الانفراجة الاقتصادية تهدئ من حالة النفور والرفض المتسعة يوما بعد يوم للحزب الحاكم والقيادة الحالية، لعلها تنسب الإنجازات الجديدة إلى الوريث المحتمل جمال مبارك، ولكن التحدي الحقيقي الذي يصعب تجاوزه –على ما يبدو- هو أن يحارب الفريق المؤمن بآليات السوق والذي تزداد سطوته شيئا فشيئا الفساد واحتكار المصالح!، وهو أمر يبدو في عيون كثير من المراقبين المصريين باعثا على السخرية "فالفساد لا يحارب الفساد إلا في الأحلام الكاذبة". بالإضافة إلى أن توجهات الخصخصة وآليات السوق الحالية لا يمكن لها وفق المعايير الموضوعية –وليس الوعود الزائفة- أن تعالج المشكلة الأبرز في مصر: البطالة.
* المقال نشر بتصرف في صحيفة الغد الأردنية في 10 يناير 2006