Tuesday, May 16, 2006

الصحافة الأجنبية: توقفوا عن تدليل الطغاة



ـ يجب أن يطلب بوش وبلير إيضاحات من نظام مبارك المتآكل عما يحدث
ـ إذا كان بوش جادا في إنهاء الاستبداد ليتخذ اجراءات صارمة ضد مبارك ومن هم على شاكلته
ـ الفرعون المصري المعاصر هو الديكتاتور الأكثر وقاحة في تحدي مطالب بوش
ـ اقتراح بتوزيع المعونة الأميركية لمصر على برامج ترويج الديموقراطية في الشرق الأوسط
ـ عضو لجنة العلاقات الدولية بمجلس النواب يدعو إلى مراجعة عاجلة للمساعدات العسكرية إلى مصر
ـ سفير أمريكي سابق في مصر يطالب بأن تكون المعونة السنوية لمصر مشروطة ويتوقع معركة عنيفة في الكونجرس حول مصر
ـ لهجة غير عادية ردا على استخدام الحكومة المصرية للقوة
ـ إدارة بوش: يجب أن تفهم مصر أن المعونة تحتاج إلى تأييد من الكونجرس
ـ كاتب بريطاني يطالب باستقالة "الجنرال" حبيب العادلي

في أحد لقاءات الرئيس حسني مبارك مع المثقفين في معرض الكتاب السنوي تشجع المثقف اليساري المعروف محمد السيد السعيد نائب مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام وقال "يا ريس أمامك فرصة لأن تدخل التاريخ من أوسع أبوابه إذا ما أجريت إصلاحات..." وراح يعدد كذا وكيت من تلك الإجراءات، ولكن الرئيس استوقفه "لا يا عم أنا مش عايز أدخل التاريخ ولا الجغرافيا.."، ويبدو أن الرئيس ليس له أن يدخل التاريخ ولا الجغرافيا ولا بقية العلوم الإنسانية الأخرى، لا هو مؤهل ولا هو يرغب، فمن بين من أرسلهم وزير داخليته من الضباط والجنود إلى وسط البلد يوم الخميس الماضي من قال للشاعر العجوز أحمد فؤاد نجم: إنت راجل كبير ومش عايز أضربك.. بس أنا عندي أوامر أسحلكم في الشوارع"، قال الضابط ذلك لنجم وبهاء طاهر ولفيف من مثقفي وكتاب وأدباء مصريين خرجوا للتضامن مع القضاة الذين رفضوا تزوير الانتخابات فشرعت دولة أمن الرئيس مبارك في إجراءات عزلهم، نعم فالرئيس لا يريد الدخول إلى التاريخ والجغرافيا والأدب والشعر وبقية العلوم الإنسانية الرفيعة، ضابط آخر أرسله وزير أمن الرئيس فتش فتاة يعرف أنها مهتمة بالسياسة وتشارك في المظاهرات، ثم مد يده إلى أماكن حساسة من جسدها فدافعت عن نفسها "إيه قلة الأدب دي" ورد الضابط: "إنتو لسه شفتوا حاجة.. ده إنتو هتتنا... النهارده" (يعني سيفعل فيكم كذا وكيت)، والحقيقة أن هذا ما يفعله نظام هذه أدواته طول الوقت في شعبه وبأساليب مختلفة.. نظام غبي لا يعرف إلا القهر وسيلة للحكم، ولا يدرك حجم الجروح التي يخلقها في أرواح شعبه، وحجم السواد الذي يصنعه بيديه ليكون عنوانا للمستقبل، بدلا من أن يصلح نفسه ويستوعب ما يجري من حوله، في الداخل والخارج.

***

ما فعله جهاز الأمن المصري يوم الخميس من "سحل" بتعبير الضابط، استنفر وزارة الخارجية الأمريكية، فكتب سو بليمنج في بوسطن جلوب أن "إدارة بوش توبخ مصر بسبب قمعها للمتظاهرين وحذرت من تزايد نفاد الصبر في الكونجرس تجاه دولة تتلقى واحدة من أكبر المعونات الأمريكية.

وفي ثاني انتقاد علني لمصر هذا الشهر قال المتحدث إن الولايات المتحدة منزعجة بشدة بسبب مسار الإصلاح السياسي والديمقراطية في مصر.

وقال ماكورماك إن إدارة بوش لا تعتزم خفض المعونة إلى مصر بسبب قضايا حقوق الإنسان لكنه حذر من أن هناك "نقاش طويل" في الكونجرس حول كمية الأموال التي يرسلها دافع الضرائب الأمريكي كل عام إلى مصر.

وأضاف أن "الحكومات الأجنبية يجب أن تفهم أيضا العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ودور السلطة التشريعية في تقسيم التمويل لهذا النوع من البرامج".

ويهدف التمويل إلى المساعدة على تعزيز الاستقرار والديمقراطية في مصر لكن بعض أعضاء الكونجرس يشكون في تأثير المعونة.

ودعا عضو الحزب الديموقراطي وعضو لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب توم لانتوس إلى مراجعة عاجلة للمساعدات العسكرية إلى مصر.

وأشار لانتوس إلى تقرير صادر عن مكتب المحاسبة الحكومية، وهي هيئة استقصائية تابعة للكونجرس، يؤكد فيه أن وزارتي الخارجية والدفاع لم تقيما كيف تساهم مليارات الدولارات إلى مصر في تحقيق أهداف الأمن الأمريكي.

وقال نيد واكر السفير الأمريكي السابق إلى مصر إن الولايات المتحدة يجب أن تجعل مساعداتها لمصر مشروطة.. فما يحدث اليوم في مصر هو خطوة إلى الخلف". وتوقع معركة عنيفة في الكونجرس حول المساعدات الأمريكية لمصر، وخصوصا في ضوء العجز المتزايد في الميزانية الأمريكية. وأكد واكر أن واشنطن يجب أن تكون أكثر حزما، وأن تحافظ في نفس الوقت على علاقات جيدة جدا مع مصر، مشيرا إلى احتياج الولايات المتحدة إلى العبور من قناة السويس بالإضافة إلى حقوق الطيران وخصوصا أن القوات الأمريكية تعمل في العراق.

***

وكتب مايكل سلاكمان في نيويورك تايمز أيضا أن حكومة الرئيس حسني مبارك أرسلت آلاف الجنود من شرطة منع الشغب إلى وسط المدينة لإسكات وضرب المتظاهرين المتضامنين مع القضاة، وأغلقت الشوارع ومحطات المترو ونادي القضاة الذي أصبح مقرا للمطالبين بالديمقراطية.

وضربت الشرطة أي شخص يحاول التظاهر، وضربت الرجال والنساء بالإضافة إلى مجموعة من الصحفيين المصريين والأجانب الذين كانوا يحاولون تغطية الأحداث.

تقول فاطمة شعيب وهي محامية ليس لها علاقة بالسياسة "كنت ذاهبة إلى عملي ولم أستطع بسبب قفل المنطقة. هذه مهزلة. نحن في دولة بوليسية؛ ولسنا في دولة قانون".

وبعد أن اتخذت حكومة مبارك بضعة خطوات محدودة العام الماضي نحو مزيد من الحريات السياسية أغلقت الباب عندما تعلق الأمر إلى القضاة البالغ عددهم 7 آلاف قاض والذين يطالبون باستقلال القضاء والحق في الإشراف الكامل على الانتخابات، ويقولون إن النظام القضائي غير مستقل لأن وزير العدل الذي يعينه الرئيس يشرف على السلطة القضائية.

وقضية المستشارين هشام بسطويسي ومحمود مكي بمحكمة النقض والتوجه العام للاستقلال عن سيطرة مبارك أصبحت نقطة مشتعلة للاحتشاد من أجل إجراء تغييرات ديمقراطية في نظام الحزب الواحد الذي يحتكر السلطة وتأتي كل القرارات المهمة من الرئيس أو من يعينهم.

وبينما تسامحت الحكومة مع المتظاهرين الذين هتفوا بشعارات معادية لمبارك في ديسمبر الماضي، لم تتسامح الحكومة على الإطلاق مع المتضامنين مع القضاة. مما جعل البيت الأبيض في موقف حرج لأن أحد حلفائه المقربين في المنطقة الذي يتلقى معونة سنوية قدرها 2 مليار دولار سنويا تراجع عن نشر الديمقراطية الذي يعتبره الرئيس بوش أولوية قصوى. وعندما واجه بوش تحديات إقليمية كبيرة من إيران إلى السودان، بدا أن الولايات المتحدة تخفف من ضغوطها على مصر. وتصرفت الحكومة المصرية في ضوء ذلك.

النظام يبعث برسالة قوية تقول للجميع أن يركعوا ويسجدوا ويسكتوا، ولا صوت إلا صوتي. ويعتقد النظام أن القضاة شجعوا الناس ضده في الانتخابات. وهو في حالة فزع لأن القاضي له مكانة كبيرة في نظر المواطن المصري.

***

في تقرير لإذاعة صوت أميركا أعده دافيد جولست عنوانه "أمريكا قلقة بسبب السلوك المصري تجاه المتظاهرين" قال إن "الولايات المتحدة عبرت عن قلقها الشديد تجاه اعتقال وقمع المتظاهرين في القاهرة يوم الخميس تضامنا مع القضاة الذين وصفوا الانتخابات البرلمانية العام الماضي بأنه مزورة. وقال المسئولون إن الولايات المتحدة تثير القضية مباشرة مع السلطات المصرية.

وردت أمريكا بلهجة غير عادية على استخدام الحكومة المصرية للقوة لتفريق مظاهرة لمؤيدي القضاة يجري معاقبتهم لانتقادهم إجراءات الانتخابات البرلمانية.

وفي بيان وزع على الصحفيين قال المتحدث باسم وزارة الخارجية شون ماكورماك إن الولايات المتحدة قلقة جدا بسبب القمع واعتقال المتظاهرين الذين يحتجون على تزوير الانتخابات ويدعون إلى استقلال السلطة القضائية وأن ممارسات الشرطة مزعجة جدا.

وقال المتحدث إن المسئولين الأمريكيين قلقون أيضا بسبب تمديد احتجاز بعض المعتقلين من قبل واتهامات الأمن ضدهم.

ودعا المتحدث حكومة الرئيس حسني مبارك إلى السماح للمظاهرات السلمية من أجل الإصلاح والحريات المدنية وقال إن أحداث الخميس كانت الأخيرة في سلسلة من الأحداث التي شهدتها مصر والتي تثير قلق المسئولين الأمريكيين.

وقال ماكورماك "أبدينا قلقنا الشديد حول مسار الإصلاح والديمقراطية السياسية في مصر، ومثل هذه الممارسات تتعارض مع التزام الحكومة المصرية المعلن بزيادة الانفتاح السياسي والحوار المتزايد داخل المجتمع المصري". وأضاف "سنتابع مع الحكومة المصرية فيما يتعلق بمخاوفنا وسنواصل الدفع من أجل الإصلاح السياسي وحرية التعبير وحرية الصحافة. إننا ندعم حق المصريين وغيرهم في كافة أنحاء الشرق الأوسط في المطالبة السلمية من أجل الديمقراطية والإصلاح السياسي".

وقال ماكورماك إن المسألة ستثار مباشرة مع الحكومة المصرية من خلال السفارة الأمريكية في القاهرة وسفارة مصر في واشنطن.

وأضاف المتحدث أن مصر مازالت صديقا وحليفا جيدا للولايات المتحدة، وأنهما يتعاونان في قضايا مشتركة، مثل الحرب ضد الإرهاب وجهود تحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وفي نفس الوقت إذا حدثت أمور مثل التعامل مع المتظاهرين يوم الخميس تتحدث الولايات المتحدة بقوة من أجلهم، لأن ذلك هو سلوك الأصدقاء معا".

وردا على سؤال قال ماكورماك إن إدارة بوش تواصل دعم المعونة الأمريكية لمصر في المستويات التقليدية. لكنه قال إن مصر يجب أيضا أن تفهم أن تقديم المعونة لها يحتاج تأييد الكونجرس الأمريكي حيث زادت أيضا المخاوف بشأن سجل الحكومة المصرية في مجال حقوق الإنسان.

***

ونختم بمقال بريان ويتكير الصحفي البريطاني العجوز مراسل الجارديان في القاهرة منذ عام 2000 والذي يعمل بها منذ 1987، ويتكير مستاء مثلنا من تفجيرات دهب ومن سابقاتها في شرم الشيخ وطابا وما بعدها من استراتيجيات أمنية خاطئة، ولكنه محدد جدا في معرفة السبب الرئيسي للأزمة وحلها الجذري: السبب السياسات الأمنية، والحل: التخلص من الفساد وفي المقدمة من وزير الداخلية شخصيا حبيب العادلي.. والتفاصيل تستطيع أن تقرأها بنفسك، ويقرأها معك الوزير وأعوانه، في مقال عنوانه "الأمن للعرض فقط -النظام المصري المتآكل يجب أن يحاسب بعد تفجيرات سيناء"، والمهم أن يعمل أحد بالنصيحة الغالية، ولا يتوتر غضبا وينتظر الصحفي البريطاني في المطار وهو قادم من بلاده ليعلمه "حدود الأدب مع الأسياد" أو يبعث إليه برسالة مع "بلطجي مراسلة" يؤدبه بعلقة سخنة، أو يلفقون له أي حجة لاحتجازه ساعتين وسط القمل والبراغيت ليحاذر عند الكتابة مرة أخرى....

***

يقال إن البرق لا يأتي مرتين في نفس المكان، لكنه في سيناء جاء ثلاث مرات خلال 18 شهر وفي كل مرة في منتجع سياحي وفي كل مرة جاء متزامنا مع عطلة وطنية.

وفي كل مرة تمتلئ وكالات الأنباء بالإدانات من زعماء العالم، والله أعلم إن كانت لتلك الإدانات جدوى أو إن كانت في محلها.

توني بلير رئيس الوزراء البريطاني شارك في فيضان الإدانات، معبرا عن "دعمنا وتضامننا الكامل مع السلطات المصرية" ومؤكدا أن "العالم بأكمله يقف موحدا ضد الإرهابيين الذين يريدون قتل الأبرياء ويمنعون دولا مثل مصر من تحقيق التقدم الذي تريده ويريده شعبها".

وبدلا من أن يدلي بلير بتلك التصريحات الحمقاء كان يجب أن يطلب هو وزعماء الدول الأخرى إيضاحات من نظام مبارك المتآكل.

من الواضح أن هناك منظمة متطرفة تعمل في سيناء. لكنك إذا كنت تريد معرفة من المسئول الأول عن غضب يوم الاثنين الأسود في "دهب" فليس عليك أن تنظر بعيدا عن الجنرال حبيب العادلي وزير الداخلية المصري، فهو -حتى بعد أن جمع الآلاف من سكان سيناء لاستجوابهم في أعقاب تفجيرات طابا واعتقل كثيرا منهم لأسابيع- لم يصل على ما يبدو إلى حل للمشكلة.

ولكي نكون منصفين فإن وزير الداخلية بالطبع لديه قضايا أخرى شديدة الأهمية بينما تحدث التفجيرات - مثل الاعتداء على متظاهرين سلميين وإبعاد الناخبين المعارضين عن المراكز الانتخابية وذبح اللاجئين السودانيين وتعذيب السجناء بشكل روتيني.

وهناك أيضا مهمة هائلة هي الاهتمام بأمنه الخاص، وكما يقول أحد القراء "لقد عشت لفترة قرب بيت "سيادة" الوزير في المهندسين"، "الأمن حول المبنى غير عادي والطرق في طريق عودته من مكتبه تغلق كل مساء أثناء عودته".

نعم هناك إجراءات "أمن" جديدة اتخذت في سيناء وأجزاء أخرى من مصر منذ بدأت الهجمات في سيناء لكنها للعرض فقط ولطمأنة السياح، وهي في أغلب الأحيان لا تحقق حتى ذلك.

ويقول آخر "في زيارة قريبة للأقصر والغردقة وجدت أن الأمن مثير للشفقة، والشرطة تبدو أكثر اهتماما بالدردشة مع الأطفال بدلا من متابعة مشكلة، الحراسة المسلحة المصاحبة لنا في الغردقة كانت تسرع وتتجاوز القافلة، كما لو كانوا يسابقون بعضهم البعض حولنا، وبينما كانت حقائبنا تمر أمام جهاز الأشعة في مطار الأقصر لم يكن هناك أحد جالس على الجهاز ليراقب الحقائب على الشاشة!"

وهذه القصة قريبة جدا من تجربتي الخاصة في مصر، وهناك مقال منشور على شبكة الإنترنت يوضح بشكل تفصيلي "لماذا لا تنجح استراتيجية مصر في مكافحة الإرهاب"، ومن أهم ما يرصده المقال أن تدريب أفراد الشرطة المصريين سيئ للغاية وكذلك معداتهم، بالإضافة إلى معنوياتهم، وإذا كانوا يعاملون بطريقة سيئة فلن يكون لديهم حافز لأداء عملهم بشكل جيد".

وبالإضافة إلى هذا، هناك مشكلتان مزمنتان: المنهج الأمني العتيق والذي يتضمن الاعتقالات الجماعية والتعذيب الروتيني (ولنراجع تقارير منظمات حقوق الإنسان وتقارير وزارة الخارجية الأمريكية). وهذه الأساليب هدية للمتشددين، لأن إجراءات قمعية من هذا النوع تساعدهم على تجنيد عناصر جديدة بلا شك، والتعذيب أيضا هو طريقة ليست موضع ثقة على الإطلاق في تأسيس الحقائق. (وبمناسبة موضوع التعذيب، هناك شريطا فيديو يوزعان على الإنترنت يظهران –على ما يبدو- أشخاصا محترمين "يساعدون" الشرطة بتحقيقاتهم. وقد تم تصوير الشريطين على ما يبدو بكاميرا موبايل في قسم شرطة إمبابة سيئ السمعة في القاهرة. ورغم أن الشريطين ليسا أمثلة فظيعة عما يحدث أحيانا في أقسام الشرطة، لكن يبدو أن هذه هي المرة الأولى في مصر التي يمكن التقاط هذا النوع من الممارسة بآلة تصوير).

والمشكلة المزمنة الأخرى هي الرشوة والفساد الذي ينخر الهيئات الحكومية المصرية بما فيها الهيئات الأمنية. وهذا يقوض بالكامل أي تدابير أمنية يمكن اتخاذها، لا يهم كم عدد نقاط التفتيش التي تضعها مادام ممكنا أن تقدم رشوة لمسئول لكي ينظر بوجهه إلى الناحية الأخرى – ولأن أجورهم ضعيفة فإن أي مبلغ رشوة سيكون معقولا عادة.

إذا كانت السلطات المصرية جادة بالفعل في معالجة مشكلة سيناء، فإن خطوتها الأولى ستكون حملة تطهير شاملة في الجهاز من أعلى إلى أسفل، وأن تبدأ من القمة بسعادة الجنرال حبيب العادلي.

انتهى كلام الصحفي البريطاني، والحقيقة أنه لا أحد يتعامل بجدية مع الأحوال في مصر إلا من يدفعون مباشرة ثمن وبالها، ومن يتحلون بالموضوعية في التعليق عليها مثل صديقنا ويتكر، وإلا ما كانت تدهورت الأمور إلى هذا الحد.

***

في صحيفة لوس أنجليس تايمز يدعو الكاتب ماكس بوت إلى "التوقف عن تدليل الطغاة" ويقول: إذا كان بوش جادا في إنهاء الاستبداد، سيتخذ اجراءات صارمة ضد مبارك ومن هم على شاكلته.

خلال السنوت الأربعة في فترة رئاسته الأولى خطا بوش خطوات واسعة نحو الهدف الذي عرضه في خطاب تنصيبه رئيسا لفترة ثانية "إنهاء الاستبداد في عالمنا". وحررت القوات الأمريكية 50 مليون شخصا ودفعت بحكومات نيابية في أفغانستان والعراق. وقدمت الولايات المتحدة دعما مهما أيضا إلى الانتفاضات السلمية في أوكرانيا وجورجيا ولبنان وقرغيزستان.

وأحدثت تلك الموجات من التغييرات اهتزازات في كافة أنحاء الشرق الأوسط الذي يمثل منذ مدة طويلة أرض خصبة للإرهاب المعادي للغرب. وفي الحد الأدنى شعر المستبدون بأنهم مضطرون إلى تأييد المطالب الأمريكية حول تقليل دعمهم للإرهاب واحترام حقوق الإنسان. وسحب الرئيس السوري بشار الأسد قواته العسكرية من لبنان؛ ووعد حسني مبارك بإجراء انتخابات حقيقية في مصر؛ وتنازلت العائلة المالكة السعودية بإجراء انتخابات للمجالس البلدية.

ولكن في العام الماضي تباطأ الزخم العالمي لإرساء الديموقراطية نسبيا وفي بعض الأماكن انعكس المسار كلية. فلاديمير بوتين سحق كل المراكز المنافسة على السلطة في روسيا. وفي روسيا البيضاء أجرت الدكتاتورية الوحيدة في أوروبا انتخابات مزورة لتثبت قبضة ألكساندر لوكاشينكو على السلطة حتى الموت. ونفس الشيء حدث في كازخستان، حيث زعم الرئيس مدى الحياة نورسلطان نزارباييف أنه فاز بأكثر من 90 بالمئة من الأصوات. وفي أوزبكستان القريبة قتلت قوات الأمن مئات المتظاهرين العزل في مدينة أنديجان وحاولت بعد ذلك التغطية على المذبحة.

نفس الاتجاه المثير للقلق ملاحظ أيضا في الشرق الأوسط. اعتقل نظام بشارالأسد مزيدا من الشخصيات المعارضة في الداخل وواصل ترويع النشطاء المعارضين لسوريا في لبنان. لكن الأكثر بروزا هو أن الفرعون المصري المعاصر حسني مبارك سجن معارضيه الليبراليين وجدد "قانون الطوارئ القمعي" الذي يسمح بالاحتجاز غير محدد المدة لأي شخص يتحدى حكمه.

ماذا يحدث؟ حسنا، لم يقل أحد أبدا –ولا حتى بوش- أن طريق الحرية ناعم وسهل، والنخب الحاكمة لديها حافز واضح على مقاومة التخلي عن السلطة، وهم يشعرون بالحرية في عمل ذلك الآن لأنهم يعتقدون أن وضع بوش ضعيف جدا حاليا بسبب انخفاض نسبة تأييده حتى 30 بالمئة.

الطغاة يعتقدو أنهم يمكنهم الانتظار ببساطة حتى انتهاء فترة الرئيس الحالي في البيت الأبيض. ويعلمون أن احتمالات قيام الولايات المتحدة بتحركات نشطة محدودة نظرا للأعداد الكبيرة من القوات الأمريكية الموجودة في أفغانستان والعراق. ويقدم استمرار الاضطرابات في العراق وتولي حماس للسلطة الفلسطينية –باعتبارها إشارات على أخطار مفترضة في حالة إعطاء مزيد من الحريات- مبررات إضافية للقمع.

وهناك اختياران أمام بوش في الأيام الـ 986 المتبقية من منصبه: إما أن يستريح ويترك الدكتاتوريين ينهضون ثانية، أو يقاوم مستخدما القوة الكبيرة التي ما زال يتمتع بها في قيادته. قراره الأخير بإقامة حفل استقبال في البيت الأبيض لإلهام علييف ليس علامة جيدة لأن رئيس أذربيجان الغنية بالنفط زور الانتخابات البرلمانية بوضوح تام قبل ستة شهور. وإذا كان بوش يريد أن يظهر أنه ما زال جادا حول "توسيع الحرية" يمكنه أن يبدأ بضرب نموذج في مصر.

ومبارك كما يعتقد هو أحد أصدقاء واشنطن المقربين في العالم العربي، ورغم ذلك هو من بين الديكتاتوريين الأكثر وقاحة في تحدي مطالب بوش من أجل الانفتاح السياسي بينما يغذي المواطنين المصريين البالغ عددهم 78 مليون نسمة بجرعة ثابتة من العداء لأمريكا. وتمخض وعده بإجراء انتخابات رئاسية متعددة المرشح عن اقتراع مشكوك فيه كان الإقبال عليه ضعيفا الخريف الماضي وحصل هو على 88 بالمئة من الأصوات. أما الانتخابات البرلمانية اللاحقة فكانت مريبة بدرجة أكبر؛ والآن يضرب أتباع مبارك المتظاهرين السلميين الذين يتضامنون مع القضاة الشجعان في مطلبهم بالاستقلال عن السلطة التنفيذية وإجراء انتخابات نزيهة.

لماذا مايزال هذا النظام الكريه يحصل على ملياري دولار سنويا من المعونة الأمريكية؟ خذوا هذه الأموال بعيدا عن مبارك واعطوها إلى برامج تعزيز الديمقراطية في الشرق الأوسط. ستكون هذه طلقة يسمعها العالم أجمع. والعيب الوحيد في مثل هذه الإشارة أن الدكتاتوريون سيصبحون أشد وقاحة وبجاحة في تحدي ما أسماه بوش ذات مرة "المطالب غير القابلة للتفاوض للكرامة الإنسانية".