Thursday, July 06, 2006

هل تعرف من هو رئيس عشة الفراخ؟



ـ صحفي بريطاني مخضرم: يسأل كيف تنجح في الامتحان في مصر؟ ويجيب: عندما يتخلى الرئيس مبارك عن سياسات الدولة البوليسية"
ـ هيومان رايتس ووتش: "سجن إبراهيم عيسى محاولة واضحة لمعاقبة معارض للحكومة ومنع آخرين من الكلام
ـ بقاء نظام مبارك مرهون باستمرار المعركة ضد الإرهاب
ـ مشكلة النظام أنه لا يستطيع الاعتماد على الحزب الوطني في مواجهة الإخوان
ـ العرب يحتاجون لقيادات أفضل بدلا من أجهزة الأمن والمساجد
ـ مسئول مصري كبير: السماح لحماس بدخول الانتخابات الفلسطينية كان "فكرة سيئة"
ـ معركة القاهرة لا تقل أهمية عن معركة بغداد
ـ مصر ليست دولة منهارة بل يحكمها نظام ديكتاتوري شرس له أغراض في التوريث
ـ جمال مبارك هو الرئيس القادم ما لم ينتفض المصريون
ـ النظام يستهدف وقف التنوع السياسي
ـ مبارك يتعامل مع المعونة الأمريكية باعتبارها تفويضا بحكم مصر
ـ سمعة أمريكا بخصوص الديموقراطية اليوم في الحضيض

***

هل تعرف رئيس "عشة الفراخ"؟ سؤال غريب ربما، ولكني أعرف رئيس دولة تسميه شلة المقهى "برئيس فراخستان"، يجمع كل فراخ بلاده في الصباح في قفص هائل ثم يهز القفص بكلتا يديه خمس دقائق متواصلة حتى تدوخ الفراخ تماما، ثم يفتح أبواب القفص ليتركها تخرج إلى أعمالها، فلا تنحرف يمينا أو يسارا عن طريقها إلى العمل.. تعمل بكسل وتراخ وقلة اكتراث ولا يهمها إلا بطنها، وإذا ما انتصف النهار عادت أدراجها لتقيل في الصيف أو تستدفئ في الشتاء ولا تفكر فيما هو خارج هذا القفص.. تعيش منكسرة محطمة بلا أمل في الحرية، لا تفكر في سر وجود رئيس فراخستان ولا تسأل نفسها عن شرعيته، وإذا أفاق بعضها أحيانا وراح يتساءل ويفكر ويستجوب عما وراء سور العشة.. عن الحياة الحقيقية التي هم جديرون بها قد ينبري له آخرون من الفراخ المرهقة المهزومة من داخلها لتدينه وتحاكمه وتطالبه بألا يتعب ضميرها المتعب أكثر من اللازم، وأن يتركها ترتاح مع هزيمتها..

هل عرفت رئيس عشة الفراخ؟ لا تشغل بالك كثيرا.. وادخل على سؤال آخر هو "كيف تنجح في الامتحان في مصر؟" يطرحه عليك بريان وايتكر مراسل الجارديان البريطانية في القاهرة، وسؤال ثالث ما الفرق بين حرارة الصيف وحرارة مبارك؟ ولا تجب، وابق كما أنت هادئا في الظل، فمراسل صحيفة بريطانية أخرى هو تيم باتشر يجيب بدلا منك: كلتاهما خانقتان.. وهناك مراسل آخر يعقد مقارنة بين كورنيش النيل ساعة العصارى المزدحم بالباحثين عن نسمة هواء لطيفة وشاطئ دجلة الذي لم يشهد منذ سنوات رحلات قوارب المحبين والمتنزهين، ولكن المراسل لا يتوقف عند التناقض الشكلي بين الشاطئين ويغوص في تفاصيل أخرى يؤكد من خلالها أن "الوضع في القاهرة مشابه كثيرا للوضع في بغداد- مع الفارق طبعا، وأن "معركة الديموقراطية في العاصمة المصرية ليست أقل من العاصمة العراقية بل ربما تتجاوزها.. وفي تعبير أدبي آخر يكتب مراسل صحيفة أمريكية تحت عنوان "الصمت الأمريكي في مصر ينطق نغمات حزينة" في محاولة منه لتوصيف توقف الدعم المعنوى الأمريكي لدعاة الديموقراطية، وتركهم –وحدهم- في قبضة نظام ترهل يعاني من مشكلات هيكلية في بنيته، ليس أولها ولا آخرها أن أداته السياسية التي هي "الحزب الوطني هو مجرد جهاز رسمي لا يستطيع النظام الاعتماد عليه لمواجهة تحدي الإخوان".

باقة من الأسئلة والإجابات والتوصيفات والاستعارات والكنايات من صحافة "الفرنجة" يمكنك أن تختمها برسالة قارئ أمريكي يستنهض المسلمين والعرب في الخارج لكي يقدموا يد العون لإخوانهم –العرب والمسلمين- المحاصرين في الداخل في معركتهم من أجل الحرية، ويهيب بالأجيال الجديدة منهم أن يحددوا مشاعرهم بدقة تجاه ما يفعله أسلافهم حاليا هل هي الفخر أم الإحساس بالعار؟ وبعدها يختارون بين الهمجية أو الحضارة.. ونتمنى أن نلطف عنك لهيب حرارة الصيف ونبرد من على قلبك شيئا من حرارة "عشة الفراخ".

***

في مقال عنوانه "كيف تنجح في الامتحان في مصر؟" كتب بريان وايتكر مراسل الجارديان البريطانية في القاهرة أن "الجواب الصحيح هو: عندما يتخلى الرئيس مبارك عن سياسات الدولة البوليسية ويستحق كل الدعم الأمريكي الذي يتمتع به". ثم تابع مقاله على النحو التالي:

"مصر التي حباها الله بالماء الوفير والتربة الخصبة وقطاع سياحة مزدهر مشاكلها الاقتصادية أقل من معظم طول الشرق الأوسط. وتحت القيادة الحكيمة للرئيس حسني مبارك فاق الرخاء فيها كل التوقعات..."

طبعا أعرف أن ما قرأته في العبارة السابقة كلام فارغ... لكن إذا كنت طالبا مصريا وجاءك في الامتحان سؤال عن المشاكل الإقتصادية التي تواجه بلادك، من المحتمل أن تكون تلك العبارة مدخلا جيدا للموضوع. هذا طبعا إذا كنت تريد النجاح، أليس كذلك؟

فكما ذكرت عدة تقارير في وسائل الإعلام العربية اعتبرت الطالبة آلاء فرج مجاهد (15 سنة) من مدرسة ثانوية في دلتا مصر مخطئة تماما لأنها كتبت كلاما مخالفا لتلك النظرة. الممتحن لم تعجبه الإجابة ومررها إلى رئيسه الذي مررها بدوره إلى وزارة التربية والتعليم.

واستدعيت آلاء إلى الوزارة لكي يستجوبها المسئولون حول ما إذا كانت عضوة في "تنظيم سري". ولم يسمح لأبيها بحضور الاستجواب الذي انتهى ببكائها. والمشكلة على ما يبدو أنها حملت الولايات المتحدة المسئولية عن دعم الدكتاتوريين الفاسدين الذين لا يهتمون باحتياجات شعوبهم.

وفي النهاية برأها المسئولون من الانتماء إلى تنظيم سري لكنهم قرروا رسوبها في الامتحان.

وفي غضون ذلك حكم على إبراهيم عيسى رئيس تحرير صحيفة الدستور المصرية بالسجن وصحفية معه بالجريدة لمدة سنة "لإهانة" الرئيس (وهي تهمة شائعة في الشرق الأوسط كما لاحظت من قبل).

وكانت الدستور قد ذكرت في أبريل من العام الماضي أن محاميا مصريا رفع دعوى قضائية ضد الرئيس مبارك وعائلته، يتهمهم بالفساد في إنفاق المعونات الخارجية وتحويل الجمهورية إلى حكم ملكي و"استبدال الدستور بحكم أمن الدولة".

وقبل عامين خلال الاستعداد لإعادة انتخابه "العشرمية" وعد مبارك بوقف حبس الصحفيين في قضايا النشر لكنه حتى الآن لم يطبق شيئا مما قال.

وعلى الرغم من كلام الرئيس مبارك من قبل عن الإصلاح والديمقراطية وحقوق الإنسان و"استراتيجية دفع الحرية في الشرق الأوسط" التي أعلنها الرئيس بوش قبل ثلاث سنوات تقريبا، عاد النظام المصري إلى أساليبه القديمة سيئة السمعة. وفي نفس الوقت تواصل الولايات المتحدة تعويم النظام المصري على السطح بالمعونة الاقتصادية (لكن رجاء.. لا تذكر هذا الكلام في أي مقال في المدرسة حتى لا ترسب في الامتحان).

وإذا كنت تتعجب من السبب في مواصلة واشنطن السماح لمبارك بالإفلات دون عقاب على سياست دولته البوليسية فهنا يكمن حل اللغز.

***

ملاحظة على السريع: لا أعرف من أين جاء بريان وايتكر بهذه الكلمة umpteenth نادرة الاستخدام في الصحافة الناطقة بالإنجليزية –على حد علمي المتواضع- لكن والله أعلم يبدو أنه سمع تعبير "عشرمية" هذا بالعربية ثم بحث عن مقابله في لغته.. وعموما إذا صح الاستنتاج صح اختياري للكلمة المصرية الدارجة والله أعلم مرة أخرى.. وندخل على تقرير تال بثته وكالة أنباء رويترز ونشرته عدة صحف أمريكية وبريطانية وأخرى ناطقة بالإنجليزية في أنحاء العالم.

***

كتبت منظمة هيومان رايتس ووتش تحت عنوان "مصر: سجن الصحفيين انتهاك لحرية الصحافة" أن "قرار محكمة محلية بحبس رئيس تحرير وصحفية في صحيفة معارضة لمدة سنة واحدة بسبب "إهانة الرئيس" هو انتكاسة خطيرة لحرية الصحافة في مصر".

وقال جو ستورك نائب مدير فرع هيومان رايتس ووتش في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إن "سجن إبراهيم عيسى محاولة واضحة لمعاقبة معارض للحكومة ومنع آخرين من الكلام".

والدستور هي إحدى الصحف المصرية القليلة التي تنشر انتقادات صريحة للحكومة، ويأتي الحكم بعد أيام قليلة من قول عيسى في برنامج حواري على تلفزيون عربي إن الفساد هو الذي يعوق التطور في مصر والعالم العربي.

ومن الثابت وفقا لقانون حقوق الإنسان الدولي أن السياسيين والشخصيات العامة الأخرى هم موضع مساءلة واسعة ودقيقة حول تصرفاتهم ويجب أن يسمحوا بذلك. وطبقا لمبادئ ساراكوزا بشأن تقييد ومخالفة الميثاق الدولي للحقوق السياسية والمدنية فإن القيود المفروضة على حرية التعبير "لا يجب أن تستخدم لحماية الدولة ومسئوليها من الرأي العام أو من النقد".

وفي عام 2004 تعهد الرئيس مبارك بتعديل القوانين التي تسمح للسلطات بحبس الصحفيين في قضايا النشر لكن الحكومة لم تبذل أي جهد لإقرار التشريع المطلوب.

وعيسى الذي يرأس صوت الأمة أيضا اصطدم مع الحكومة من قبل. فأثناء رئاسته لتحرير الدستور في الفترة ما بين 1995 و1998، أجلت وزارة الإعلام إصدار الصحيفة كثيرا. وفي فبراير 1998 منعت السلطات الصحيفة من الصدور بحجة نشرها رسالة يزعم أنها من الجماعة الإسلامية المتشددة. وحاول عيسى دون أن يكلل بالنجاح إصدار صحيفة جديدة تسع مرات في السنوات السبع التالية.

ومنعت الحكومة إحدى رواياته، (مقتل الرجل الكبير) في 1999. وفي عام 2005 عندما كلف أيمن نور رئيس حزب الغد المعارض إبراهيم عيسى برئاسة تحرير صحيفة الحزب رفعت الحكومة الحظر على الدستور وعاد عيسى رئيسا لتحريرها.

***

في مقال عنوانه "مبارك يفرمل تحرك مصر نحو الديمقراطية" كتب تيم باتشر في ديلي تلجراف البريطانية "كالحرارة الخانقة التي تخنق القاهرة كل صيف يخنق الرئيس حسني مبارك الحركة المصرية الجديدة نحو الديمقراطية.

قبل عام وقفت قوات الأمن هادئة بينما كانت مجموعات المعارضة تحتشد في وسط القاهرة، والآن تهاجم قوات الأمن المظاهرات السلمية وتضرب المحتجين وتعتقل العشرات بدون تهم، وأجلت الحكومة الانتخابات المحلية لمدة عامين بعد الأداء الجيد لحركة الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية السابقة، وقد أصبح خطر الحرية السياسية الكاملة واضحا بصعود حركة حماس غير المتوقع إلى السلطة.

وقال مسئول مصري كبير إن السماح لحماس بدخول الانتخابات الفلسطينية كان "فكرة سيئة"، وحتى الولايات المتحدة خففت من ضغوطها على مصر من أجل تعزيز الديمقراطية.

وبينما يشدد مبارك قبضته ثانية تحاكم السلطات الصحفيين الذين اتهموا المسئولين عن الانتخابات بالتزوير لمساعدة الحزب الوطني الحاكم العام الماضي، بعد أن خيب مبارك الآمال في إمكانية إنهاء قوانين الطوارئ التي تستعمل لتعزيز حكمه منذ 25 عاما وقام بتمديدها ثلاث سنوات.

كان هناك كلام كثير حول الحرية والديمقراطية ولكن حقيقة ما يحدث في مصر هو حالة تستهدف وقف التنوع السياسي، ومن المؤشرات القوية على ذلك أن 25 بالمئة فقط من الناخبين هم الذين اهتموا بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية والانتخابات البرلمانية، وبينما بقى الحزب الوطني الحزب الأكبر في البرلمان، فإن أغلبيته تراجعت كثيرا.

وكمؤشر أيضا على تراجع الحكومة عما سمحت به قبل عام تغير مناخ التسامح مع الإخوان إلى الأسوأ واعتقلت 700 من عناصرهم بينهم ثمانية من أعضاء مكتبها السياسي البالغ 12 عضوا.

ويعود نجاح الإسلاميين جزئيا إلى تعصب الحكومة تجاه الأحزاب العلمانية، وهي الآن تدفع ثمنا غاليا جدا لسحقها الأحزاب العلمانية المعتدلة.

ومن جانبه يصر جمال مبارك ابن الرئيس ومدير سياسة الحزب الوطني على أن مصر مازالت على الطريق الصحيح نحو الإصلاح الديمقراطي، وفي نفس الوقت يكذب الشائعات أنه سيخلف أباه، ويعنرف بأن حزبه أدار حملة سيئة نتيجة دخول بعض الأعضاء كمرشحين مستقلين مما أدى إلى تفتيت الأصوات، لكنه يقول أيضا أن الإصلاحات التي تستهدف تحرير السوق والتي لا تحظى بشعبية ووضعها الحزب الوطني تعمل بشكل جيد والنمو السنوي يبلغ ستة بالمئة.

***

وفي ديلي تلجراف أيضا نقرأ افتتاحية عنوانها "تمهيد الطريق للديموقراطية":

قبل عام من الآن كانت الموضة الحديث عن "ربيع القاهرة" -بمعنى تحرير الاقتصاد المصري ونظامها السياسي الاستبدادي، وشجع تلك العملية الرئيس جورج بوش معتقدا أن الحرية هي أفضل علاج للتطرف الإسلامي، وأصبحت "استراتيجية الدفع بالحرية" النتيجة الجوهرية للتدخل الفاشل في العراق وفي أماكن أخرى.

ويبدو مثل هذا التفاؤل الآن في غير محله ليس فقط في العراق، فبدلا من أن تهزم الديموقراطية المتطرفين وضعتهم في السلطة، وأقلق الأداء الانتخابي القوي للإخوان المسلمين - الحضانة الأولى لمعظم المنظمات الإسلامية في العالم العربي العنيفة أو السلمية منها- الرئيس حسني مبارك، ثم أدى فوز حركة حماس - فرع الإخوان في الأراضي الفلسطينية- إلى تبريد حماس واشنطن للديمقراطية، وبينما تحاول الولايات المتحدة وإسرائيل والاتحاد الأوربي وضمنيا الرئيس الفلسطيني المعتدل محمود عباس تقويض حكومة حماس الجديدة بمنع المساعدات عنها والاعتراف السياسي بها تحاكم السلطات في مصر الصحفيين وتسكت القضاة المعارضين وتضرب وتسجن المتظاهرين.

والحقيقة أنه لا يمكن أن يكون هناك أوضاع طبيعية على المدى الطويل في العالم العربي بدون ديمقراطية، وكذلك بدون دور للإسلام السياسي، لكن هل يخاطر الغرب بإمكانية أن يتولى أبناء عم حماس السلطة في مصر؟ ومصر هي أكثر الدول العربية سكانا، وهي القلب الثقافي للمنطقة وهي تسيطر على قناة السويس، ومعاهدة السلام بينها وبين إسرائيل هي مفتاح الاستقرار في الشرق الأوسط.

إن العالم العربي يحتاج إلى ما هو أكثر من الانتخابات، يحتاج لبناء مجتمع مدني ونظام قانوني ومساحة أوسع لمجموعات المعارضة العلمانية، ويحتاج العرب إلى اختيارات أفضل من القيادة بدلا من أجهزة الأمن والمساجد.

***

وفي بالتيمور صن كتب جيفري أزارفا الباحث في مركز "أميركان إنتربرايز إنستيتيوت" تحت عنوان "الصمت الأمريكي في مصر ينطق نغمات حزينة" أن:

"استراتيجية مبارك واضحة: يحرم المعارضة الليبرالية الجديدة في مصر من أي فضاء سياسي، ويبلغ واشنطن طول الوقت أنه الحصن الوحيد ضد الإسلام المتشدد وتصاعد الإرهاب، والبيت الأبيض يبتلع المناورة، لكن الإدارة لن تضحي بالديمقراطية من أجل الحرب على الإرهاب، وبقاء نظام مبارك مرهون باستمرار المعركة ضد الإرهاب.

في كل عام تتسلم الحكومة المصرية 1.8 مليار دولار من المساعدات الأمريكية، ومبارك يتعامل مع مثل هذه الأموال باعتبارها تفويضا، ورغم ذلك تخشى وزارة الخارجية من اللعب بخشونة مع مصر، وقال ديفيد وولش مساعد وزيرة الخارجية لشئون الشرق الأدنى أمام لجنة الاعتمادات في مجلس النواب إن خفض المساعدات "سيضر بمصالحنا الوطنية".

ورغم ذلك لم يضر قرار الرئيس بوش عام 2002 باحتجاز 134 مليون دولار من المساعدات حتى يطلق مبارك سراح الناشط الديمقراطي سعد الدين إبراهيم المصالح الوطنية الأمريكية، بل بالعكس حسنها، ولم يحصل البيت الأبيض فقط على إطلاق سراح سعد الدين إبراهيم بل عزز سمعة أمريكا أيضا.

ولكن سمعة أمريكا اليوم في الحضيض.

وعندما قال بوش في خطاب حالة الاتحاد عام 2005 دعا مصر لتمهيد الطريق نحو الديمقراطية وصدق أشخاص شجعان في كافة أنحاء المنطقة التزام الرئيس بكلماته، وشعر الليبراليون العرب الذين صدقوا نداء بوش بالخيانة. وتشجع الدكتاتوريون، وقل دعم حلفاء الديمقراطية.

والآن، عندما يحتاج المدافعون عن الديموقراطية لمساعدة أمريكا بشدة لا يجدون إلا الصمت.

***

في مقال عنوانه "معركة القاهرة بنفس أهمية معركة بغداد" استهله جوناثان ستيل مراسل الجارديان من القاهرة بعبارة ساخنة "إذا كانت الولايات المتحدة جادة بشأن الديمقراطية في الشرق الأوسط فعليها أن توقف تمويلها لدكتاتورية مبارك".

وأضاف: أكتب في مطلع الأسبوع في نيويورك العالم العربي، حيث تحول درجات الحرارة الشرسة بالنهار القاهرة إلى مدينة حية طوال الأربع والعشرين ساعة. فالمقاهي والحانات والمطاعم تظل مفتوحة فترة طويلة بعد منتصف الليل في جو ألطف كثيرا من النهار، وكذلك تزدحم محلات الملابس بحشود تفيض من على أرصفة الشوارع الرئيسية، وتعطل حركة المرور اللا نهائية. حتى الواحدة صباحا كان هناك أطفال يتسابقون في المساحة الخالية أمام مجمع التحرير بينما يدردش أبويهما على المقاعد.

وقبيل غروب الشمس يمتلأ كورنيش النيل، ويقصد الأزواج والعائلات المراكب النيلية التي تشق صفحة الماء الفضية بوميض أضوائها الملونة وموجات من ضوضاء الكاسيتات العصبية. ففي عرض النهر النسيم قوي والحرارة تنخفض بضع درجات.

ياله من تناقض مع رعب بغداد حيث لم ير نهر دجلة قاربا سعيدا منذ سنوات وحيث يبعث حظر التجول الناس بسرعة إلى منازلهم قبل التاسعة مساء بفترة طويلة ليقضوا مساءات سيئة داخل بيوتهم حيث الانقطاع المتكرر للكهرباء والتوقف المتكرر لمراوح الهواء. كيف تختلف هاتان المدينتان الكبيرتان في الشرق الأوسط إلى هذا الحد؟

ورغم ذلك الاختلاف الظاهري تبدو مصر مستمتعة بدرجة من السلام الظاهري فقط، فهناك معركة جارية في اقاهرة لا تقل أهمية عن معركة بغداد ولو أنها خارج دائرة الضوء. ويبدو أن إدارة بوش أدركت ذلك عندما أطلقت "استراتيجية الدفع بالحرية" في 2003 لنشر الديموقراطية في أنحاء العالم العربي. لا شك أن جورج بوش عندما يلتقي رفاقه في مجموعة الدول الثماني في روسيا الشهر القادم سيتذكرون دورهم لكنهم سيمدحون شبحا. فالبرنامج أجهض بهدوء بعد نجاح الأخوان المسلمين المذهل في الانتخابات المصرية وفوز حماس في الانتخابات الفلسطينية، وترك الإسلام السياسي واشنطن خافتة الصوت.

وبالرغم من أن الإخوان منظمة محظورة قانونا إلا أن مرشحيها المستقلين فازوا بعشرين بالمئة من مقاعد البرلمان وقد لا يبدو هذا كثيرا ما لم نعرف أن هذا كان أكثر من نصف الدوائر الانتخابية التي تنافست عليها، ولولا التزوير الحكومي للانتخابات لكانت الجماعة قد فازت بثلثي مقاعد البرلمان المصري" وهي إشارة على الشعبية الهائلة للجماعة.

فهل كان الرئيس حسني مبارك يقوم بلعبة ذكية، يستعمل وجود 20 بالمئة من الإخوان في البرلمان لأبلاغ العالم أن مصر بها ديمقراطية؟ يقول هيو روبرتس ممثل مركز دراسات مجموعة الأزمات الدولية في القاهرة إن "هذا خطر جدا عليه.. هذا يعني جعل الناس تتعود على حقيقة أن الإخوان كيان شرعي". و"الإخوان هم الحزب السياسي الوحيد الجاد في مصر. وحزب مبارك الوطني الديمقراطي هو جهاز رسمي، ومشكلة النظام أنه لا يستطيع الاعتماد على الحزب الوطني لمواجهة تحدي الإخوان".

وقد لعب أعضاء البرلمان من الإخوان دورا برلمانيا نموذجيا في الشهور الستة الأولى قدموا اقتراحات وأراودا استجواب الوزراء (الذيت يتغيبون عن الحضور عادة)، وطالبوا بتحقيقات حول سوء الإدارة والفساد التي تسببت في كارثة مثل كارثة عبارة البحر الأحمر في فبراير الماضي.

وتنظم جماعة الإخوان برامج مكثفة حول مبادئ حقوق الإنسان والأعراف البرلمانية لنشطائها المحليين الذين أصبحوا أعضاء فجأة في البرلمان، ورغم منعهم من القنوات الرسمية فإنهم يظهرون بشكل ثابت في نقاشات البرامج الحوارية على القنوات الفضائية، وكما هو الحال مع حماس يعتمد جانب كبير من تأييد الإخوان على الخدمات الاجتماعية والعيادات الصحية وتدريب الشباب على الكمبيوتر التي يقدمونها، لكن المصدر الرئيسي لقوتهم هو الغضب العام تجاه حكومة علمانية مفلسة سياسيا وأخلاقيا.

ورد مبارك على ذلك التحدي مألوف جدا- هو القمع. أجَّل الانتخابات المحلية وأمر بتمديد قوانين الطوارئ المتعسفة، ووضع أكثر من 600 من أعضاء الإخوان المسلمين في السجن.

إن مأساة مصر أن حكامها العلمانيين لم يحققوا ديمقراطية أو إدارة شريفة أو ازدهار اقتصادي لمئات الآلاف من الشباب الباحثين عن العمل الذين ينزحون من الريف إلى المدن الكبرى كل عام. وفي نفس الوقت تقمع المعارضة العلمانية التي يمكن أن تتنافس مع الإخوان بنفس الشراسة التي تتعامل بها مع الإخوان. فأرسلت أيمن نور الذي تجرأ بالوقوف ضد مبارك في انتخابات الرئاسة إلى السجن خمس سنوات، وواجهت جهود حركة كفاية لتنظيم احتجاجات في القاهرة حول قضايا الحقوق المدنية بعنف الشرطة، وحتى القضاة رفضت الحكومة استقلالهم مما أثار غضبهم.

وعلى خلاف الديموقراطيين في أوربا الشرقية ينأي الديمقراطيون في مصر بأنفسهم عن التمويل الأجنبي وخصوصا من الولايات المتحدة لدورها في إسرائيل والعراق، ويرقى الولاء لأمريكا هنا إلى مستوى الانتحار السياسي.

وما يحتاجه الناس من الولايات المتحدة هو الضغط بقوة على نظام مبارك، الذي يعتمد بشدة على دعم واشنطن المالي، والسفير الأمريكي فرانسيز ريكياردون يؤيد "لإصلاح" كلاميا ومع ذلك يعول أكثر على أهمية التحركات الاقتصادية لتشجيع القطاع الخاص بدلا من التحرير السياسي. وقد قال مؤخرا أمام غرفة التجارة الأمريكية في مصر "لسوء الحظ إننا نشهد مقاومة جدية للإصلاحات التي تسعى من أجل انفتاح مصر على المنافسة والتغيير والنمو".. وعقب هذا الانتقاد المعتدل سافر جمال مبارك ابن الرئيس الطموح في رحلة إلى البيت الأبيض.

مصر ليست دولة منهارة أو دولة جديدة تفتقد إلى أحزاب سياسية مستقرة. إنها نظام ديكتاتوري شرس له أغراض في التوريث"، وبدلا منه تحتاج البلاد إلى مناخ نقاش يشارك فيه القوى الإسلامية والعلمانية بدون خوف، وإلى برلمان ومجالس محلية منتخبة بحرية، وربما تبدو المبادرات الأجنبية لتحسين "الحكم" على المدى الطويل لطيفة جدا، لكن اقتطاع أجزاء كبيرة من الأموال المقدمة إلى الحكام الذين يعتمدون على القمع في دول أصبحت "زبائن" للمعونات هو أسرع طريقة أمام الديمقراطيات الكبرى في العالم لكي تظهر أنها تعني ما تقول.

***

في وول ستريت جورنال نقرأ رسالة من لويس سكولينك ليفريت بولاية ماسوشستس عنوانها "لا حل سوى التعامل مع الحركة المطالبة بالديمقراطية" يستنهض فيها المسلمين والعرب المقيمين في الخارج في أوروبا وأمريكا لكي يحددوا اختياراتهم ويقفوا في صف أبناء وطنهم ممن يدافعون عن الديموقراطية في الداخل.. يقول:

إن الرئيس بوش ورث سياسات الرئيسين كارتر وكلينتون مضافا إليها ضغوط السعودية فيما يتعلق بمصر ومكانها الأساسي المفترض في "عملية سلام" الشرق الأوسط، وتستطيع مصر أن تعطل هذه العملية وجميع الأحداث الرئيسية في المنطقة وهناك كثيرون في البيت الأبيض وخارجه يواصلون تصديق ذلك.

ولا شك أن جمال مبارك سيكون الرئيس القادم ما لم ينتفض الناس في مصر، وحياة أيمن نور وزوجته جميلة إسماعيل أصبحت مرآة تعكس بالضبط شكل الحياة في ديمقراطية مصر الحديثة، وفي ضوء الترحيب بجمال مبارك في البيت الأبيض ينبغي أن يفكر المرء الآن في "تراث" الرئيس بوش.

أعتقد أن نقص دعم إدارة بوش للنشطاء المناصرين للديمقراطية في العالم الاسلامي سبب رئيسي في التراجع الذي تشهده حاليا، ولكن ليس مفهوما أن يتردد في إخراج رقبته من تحت مقصلة المسئولية؟ منذ الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق لم يرفع المجتمع الدولي إصبعه للمساعدة في المهمة الصعبة لبناء مؤسسات الديموقراطية. وهذا يتضمن صمت منظمات "حقوق الإنسان" ومنظمات الأمم المتحدة. والأكثر أهمية هو دور المسلمين الذين يعيشون في الغرب والذين يجب أن يكونوا في مقدمة دعم مثل هذه الحركات؟ كم مرة نظموا أنفسهم في احتجاجات عالية الصوت لإدانة الحكم الشمولي الإسلامية والقوى المعادية للديمقراطية؟ كم عدد الذين سارعوا لدعم جميلة إسماعيل وغيرها في العالم العربي والإسلامي وتقديم خدماتهم إلى الحكومات والمنظمات الغربية في هذه المعركة؟ هذه حربهم. وحتى يخرجوا من مؤامرة الصمت، سيضطر الغرب للتحرك بأقصى ما يستطيع ويقدم تنازلات مزعجة لحماية نفسه.

الإنسانية لا تستطيع تحمل الانتظار، وفي النهاية يجب أن ينهض المسلمون ويختاروا الجانب الذي يريدون الانتماء إليه: الهمجية أو الحضارة، وعلاوة على ذلك كيف ترى الأجيال القادمة من المسلمين التصرفات الحالية لأسلافهم هل يشعرون بالفخر أم بالعار تجاهها؟