Wednesday, May 10, 2006

أرابيسك- 78 شمعة




هل يفي الرئيس بوعده إلغاء عقوبة الحبس عن الصحفيين في قضايا النشر؟ سؤال ساذج أليس كذلك؟ ماذا تنتظر من رجل احتفل بعيد ميلاده الثامن والسبعين الخميس الماضي ومازال يخفي شيب الوقار بصبغة سوداء، وينظر بعين قوية لا ترجف رموشها إلى الكاميرا، وكأنه يحدق في العدم وكأن لا أحد ينظر إليه من خلف الحاجز الزجاجي للكاميرا، وكأنه قد أصبح في خصومة كاملة مع وعي شعبه -مشاهديه المصريين عبر الشاشات أو حتى مواجهة أحيانا، أولئك المصريين الذين يقدرون إلى اليوم الرجل الأشيب ويحترمونه، ويضحكون منه إن أخفى حقيقة سنه أو حاله.

السؤال ساذج ليس فقط لأن الرئيس يصبغ شعره منذ أكثر من أربعين عاما تقريبا، ولكن لأنه في أغلب الأحوال لا يطلق وعودا، وإنما يطلق قنابل اختبار أو تصريحات لتهدئة أجواء ساخنة، أو لتكدير أجواء صافية أو للتعتيم على أشياء ظاهرة، أو لاعتبارات أخرى لا يصل إلى مراميها عتاة المحللين، وكأن شخص الرئيس لا يوزن بكلماته وتصريحاته ووعوده، وكأن شخص حسني مبارك لا يدرك كثيرا "مكانة منصب الرئيس" التي يجلها المصريون كثيرا، أو أنه لم يعد يدرك جيدا –بحكم السن- كثيرا من الأمور فتوضع الكلمات على شفاهه ليتمتم بها.

الأمثلة كثيرة.. الرئيس قال إن "من يطالب بتعديل الدستور خائن" وقبل أن يمر شهر على تصريحه الناري المنشور في الصحف الرسمية حتى بعث بنفسه تعديل المادة 76 من الدستور إلى البرلمان، ولك أن تلاحظ أن الرئيس نفسه عاد وقال –بعد التعديل- إنه كان يفكر فيه منذ عام ولا أحد يعلم ذلك، فهل كان الرئيس فعلا قد قرر التمويه إلى أقصى درجة باستخدام تعبير "الخائن" حتى يبعد أي شبهة أو احتمال عن أنه سيرضخ لمطلب أحد ويجري تعديلا؟

ألم يقل الرئيس مرارا فيما يتعلق بالخصخصة إن الحكومة لن تقترب من الصناعات المصرية الثقيلة والبنوك الوطنية الكبيرة والمشروعات الاستراتيجية، ولم تمض سنوات حتى أقدمت حكوماته المتتالية وبوحي من توجهياته وتعليماته على عمل العكس؟

ألم يقل إنه سيجري إصلاحات كذا وكيت، ويلغي قانون الطوارئ ويرفع مستوى محدودي الدخل ويوفر فرص العمل بالملايين، و.. و.. ألم يقل الرئيس مثلا إنه سيعين نائبا له بعد الانتخابات الرئاسية، وعاد في آخر حديث له مع قناة "العربية" قبل شهر تقريبا ليقول إن "نائب الرئيس لا لزوم له وهو بلا صلاحيات ويختلف مع رئيس الوزراء". إذن لم يكن كلام الرئيس عن تعيين نائب وعدا، والعيب في أذن المستمع وعين القارئ وعقل من يفكر في أن الرئيس يقول كلاما جادا عادة، الرئيس لا يعد وإنما يلقي كلاما قد يكون له هدف محدد أو لا يكون، مجرد كلام للاستهلاك وللنسيان.

السادة الصحفيين وغير الصحفيين ممن يجلسون في كراسي انتظار "الوفاء بالوعود" لا تنتظروا، اكتفوا بما مضى من سنوات، أصدروا أنتم وعودكم لأنفسكم وحققوها، قوموا لتطفئوا شموع الرئيس الـ 78 وانفخوا في الهواء زفير صدوركم شوقا للحرية والهواء الطلق في زمن جديد خال من القرف..

Sunday, May 07, 2006

آخر مايو.. الأمريكان سيحاسبون مبارك في شرم الشيخ


ـ المعونة يجب أن تذهب إلى المجتمع المدني وليس للنظام الفاسد
ـ هجوم دهب نتيجة مباشرة للإفلاس السياسي
ـ كلام مبارك عن استقلال القضاء "طق حنك"
ـ مبارك لن يقوم بأي تغييرات ولن يتخلى عن منصبه حتى وفاته
ـ الموقف الأمريكي أصبح مبهما ويشجع النظام على مواصلة فساده
ـ الرجل العجوز لم يعد يستطيع الآن القيام بمهام الرئاسة
ـ وضع مبارك كالسادات قبل موته.. متخبط
ـ معاونو مبارك يخشون إبلاغه بالأخبار السيئة
ـ يبدو أن شخصا ما -يظن أن مبارك لا يستطيع إدارة حربين على جبهتين- راح يشم رائحة الدم
ـ الإسلاميون سيواصلون مهاجمة مصر بحيث يصبح يتحالف النظام مع الإخوان المسلمين علنا

***

بالكاد يمكنك أن تلاحق ما تكتبه الصحف الأجنبية هذه الأيام عن مصر، فالأحداث في مصر متلاحقة، بل قل المصائب والأخطاء متوالية، يمكنك أن تبحث بالتفصيل عن المستجدات في مصر: تمديد قانون الطوارئ، الموقف من القضاة، تفجيرات دهب، إلى آخره، ولكن لن يكون صعبا عليك أن تلمح "حكمة مشتركة" أو تحليلا دقيقا، يمسك بتلابيب الحقائق.. وسريعا: النظام مرتبك والرئيس متخبط، وجهاز الأمن منزعج جدا، والشعب يخشى المجهول، والمشاهد القديمة من تاريخه تطل برأسها، المقارنة بين أيام السادات الأخيرة وأيام مبارك قبل الأخيرة تلح على الجميع، والتأكيد على أن الموقف الأمريكي أصبح غامضا فيما يتعلق بالديموقراطية ومتهاونا مع النظام لدرجة تشجعه على ارتكاب حماقات، أصبح أمرا متفقا عليه، ولذلك يحث كثير من الكتاب الإدارة الأمريكية على مراجعة نفسها ومنهم من يحدد لها موعدا قريبا جدا لمحاسبة مبارك علانية وفي مصر وتحديدا في شرم الشيخ أثناء المنتدى الاقتصادي العالمي في آخر مايو.. ومنهم من يسألها بوضوح أن توجه المعونة إلى منظمات المجتمع المدني ودعاة الإصلاح مباشرة وليس إلى النظام الفاسد.. ومن الكتاب الأمريكيين أيضا من يوجه نصيحة غالية لجمال مبارك أو عمر سليمان أو لكليهما معا بأن يسارعا إلى تولي الحكم لأن الرجل العجوز أصبح غير قادر على الحكم.. إقرا وادع لي..

***

ولنبدأ بالأحدث: افتتاحية واشنطن بوست الخميس (4 مايو) تحت عنوان "تراجع في مصر..
فاصل قصير من الإصلاح".

لماذا تواصل الإدارة الأمريكية إعطاء حوالي ملياري دولار كل عام إلى حكومة تسخر من مبادرة الرئيس بوش من أجل الديمقراطية؟ هذا سؤال واضح في أعقاب عدم وفاء الرئيس حسني مبارك هذا الأسبوع بوعده السابق بإلغاء قانون الطوارئ في مصر.

مبارك الذي يكمل عامه الثامن والسبعين هذه الأيام، كان ديكتاتورا صديقا لأمريكا منذ عام 1981، وكان قانون الطوارئ أحد أهم أسلحته الداخلية طول الوقت، والذي يسمح له بسجن المعارضين السياسيين بدون تهمة لمدة ستة شهور؛ وعندما يريد زيادة عن الشهور الستة تعتقل قوات الأمن فريستها المنحوسة ثانية في أغلب الأحيان. الرئيس المصري الذي يتمنى نقل السلطة على الطريقة الفرعونية إلى ابنه جمال يحاول استئصال أي براعم للمعارضة العلمانية اللليبرالية، حتى يمكنه مواجهة بوش باختيار "يسد النفس" بين الحكم المطلق والأصولية الإسلامية.

منذ مدة ليست بالبعيدة كان بوش ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس يرفضان مثل هذه التكتيكات باعتبارها ضارة بالأمن العالمي بالإضافة إلى السلام والازدهار في مصر، وتحت الضغط الأمريكي وعد مبارك بإجراء إصلاحات من بينها انتخابات رئاسة متعددة المرشح وإنهاء قانون الطوارئ.

والآن يشعر مبارك على ما يبدو بأن الضغوط أقل، فراح يقلل من التقدم السياسي في العراق بانتقاد تحريضي ضد الشيعة (ومصر ذات أغلبية سنية كاسحة). وسجن متحديه الليبرالي الرئيسي بتهم مزورة، ومؤخرا يطارد قاضيين تجاسرا على الإشارة إلى مخالفات في إعادة انتخاب مبارك العام الماضي بـ 88 بالمئة من الأصوات، والمتظاهرون الذين تجمعوا دفاعا عن القضاة فرقتهم قوات أمن أكثر من التي ظهرت ردا على التفجيرات الإرهابية الأخيرة في سيناء.

تلك التفجيرات تقدم لمبارك ذريعة إضافية لمزيد من القمع، لكنه كان يستعد لمد قانون الطوارئ قبل أن تحدث التفجيرات، لماذا إذن يحصل نظام مبارك على ملياري دولار سنويا؟ صحيح أن مصر تحت حكم مبارك الخاضع للسيطرة أفضل من بعض البدائل التي يمكن تخيلها، لكن الإدارة والكونجرس يجب أن لا يحصرا نفسيهما في خيار مبارك الوحيد، إذا كانت الإدارة والكونجرس يريدان مساعدة مصر، يجب أن تذهب المعونة إلى المجتمع المدني والإصلاحيين الديمقراطيين، وليس إلى النظام الفاسد الذي يضطهد من يدافعون عن أجندة الحرية.

***

ديلي ستار

تحت عنوانه "أطلقوا النار على القمع المصري" كتب جوردن روبسون في صحيفة ديلي ستار أن:

تجديد البرلمان المصري لقوانين الطوارئ القائمة منذ 25 عاما لسنتين أخريين، يؤكد ثانية أن خنق الديمقراطية في مصر مازال هو التحدي السياسي الأشد مكرا الذي يواجه إدارة بوش في الشرق الأوسط، هو تحدي ماكر لأنه مشكلة تستطيع الولايات المتحدة أن تتظاهر بأنها غير موجودة.

في السنوات الماضية لم يسبق أن استحقت مصر هذه الدرجة من الاهتمام الذي توليه أمريكا للأوضاع في العراق أو فلسطين، ولكن الوضع في مصر يهدد بجعل المشكلة أسوأ بكثير، فالسياسة في مصر أكثر الدول العربية من حيث عدد السكان كالصدفة المجوفة، والهجوم الارهابي الأخير في مدينة دهب بسيناء هو نتيجة لذلك الفراغ الذي يشير إلى ثقافة سياسية مفلسة.

والرئيس حسني مبارك مارس القمع بقسوة ووحشية ضد المحتجين الذين يدعون إلى انفتاح سياسي العام الماضي، مثلما حدث في واقعة تثير الاشمئزاز حيث اعتدت الشرطة جنسيا على المتظاهرات في وضح النهار في شارع معروف جدا في القاهرة. عندئذ كان مبارك قد أنعش الأمل في تغيير المسار والتحرك نحو السماح للمعارضة الرمزية على الأقل في انتخابات سبتمبر الرئاسية. لكن خلال عملية سن قانون الانتخابات جعل حلفاء مبارك في البرلمان ترشيح منافس جاد له أمرا شبه مستحيل، وأوقف مبارك الإجراءات القانونية الملفقة لملاحقة المرشح الرئاسي المعارض أيمن نور أثناء الحملة الإنتخابية، لكنه واصلها بعد فوز مبارك. وسجن نور منذ ذلك الحين بتهم ملفقة على ما يبدو.

والآن لدينا حالة القضاة المصريين، في مواجهة مجموعة صغيرة من القضاة الذين نظموا مظاهرة في القاهرة مساندة لقاضيين كبيرين يواجهان إجراء تأديبيا لأنهما يتهمان الحكومة بالتزوير في الانتخابات حشد مبارك 10آلاف جندي من شرطة منع الشغب ليرهبوهم، واعتبر مبارك الأمر برمته مسألة داخلية في السلطة القضائية. وبدون أن تلحظ في ملامحه أي تعبير عن سخرية الموقف طالب القضاة بأن "يتوصلوا مع أنفسهم إلى حل يحافظ على المصلحة العليا للوطن ويؤدي إلى ما نسعى إليه وهو استقلال القضاء".

هذه العبارة كانت "طق حنك" في وقاحته، فهل يعتقد مبارك فعلا أنه يمكن أن يقنع أحدا بأن نشر 10 آلاف جندي من شرطة منع الشغب هو نتيجة شجار بين القضاة؟ هذه المواجهة مهمة حتى الآن لأن السلطة القضائية هي إحدى المؤسسات القليلة التي تستطيع إظهار بعض الاستقلال عن السلطة الرسمية. في سنوات سابقة أجبرت الحكومة على التراجع عن بعض الإجراءات القمعية. ومنذ نحو ثلاثين عاما والسلطة القضائية تلغي نتائج الانتخابات البرلمانية المزورة بوضوح تام، والقضاة حاسبوا الحكومة حول تقرير عن التعذيب الذي تدعي أنه لا يحدث، لكن من الواضح أنها تمارسه. وبسبب فخر مصر الوطني بأنها لن تقبل فكرة المراقبة الأجنبية للانتخابات فإن القضاة هم المعنيون بالانتخابات مهما كانت درجة استقامة النظام الانتخابي المصري، بعملهم كمراقبين لعملية الاقتراع، ولهذا السبب بالتحديد رد النظام رد بقوة على الاتهامات القضائية بتزوير الانتخابات.

الرؤساء الأمريكيون لهم تاريخ طويل في تحويل نظرهم إلى الناحية الأخرى عندما تحدث أشياء سيئة في مصر، فهي بلد كبير جدا، ودورها في صنع السلام بالشرق الأوسط مركزي جدا، وأقدامها قريبة من النار. إدارة بوش قامت ببعض الأشياء الجيدة، فمن قبل ألغت رايس زيارة للقاهرة احتجاجا على التعامل مع أيمن نور، لكنها لم تواصل التصرف بنفس الطريقة. وهذا مفهوم بالطبع، فالولايات المتحدة تريد دائما من المصريين المساعدة في دفع الفلسطينيين نحو محادثات السلام مع إسرائيل، وأن يستخدموا ثقلهم الدبلوماسي في العراق، وأن يساعدوا في الحرب العالمية على الإرهاب (تشير كثير من التقارير إلى أن مصر وجهة أساسية للسجناء "المعادين إلى بلادهم").

ولكن لو كانت إدارة بوش تريد أحدا في الشرق الأوسط يتعامل بجدية مع دفعها للديمقراطية في العالم العربي لغيرت نظرتها إلى مصر، فمن الضروري دفع المصريين بقوة وعلانية، فالضغط سرا لا يحقق الكثير لأن المسئولين المصريين متعودون على الاستماع للشكاوى الدبلوماسية خلف الأبواب المغلقة. والمكان الأنسب لبداية جديدة سيكون المنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الأوسط" هذا الشهر، والمقرر عقده في شرم الشيخ. ولقد ضغط المصريون على المنتدى الاقتصادي العالمي بشدة للتخلي عن مكان الاجتماع المعتاد في الأردن لكي يمكنهم أن يستضيفوا الحدث رفيع المستوى، وينبغي أن ترسل الولايات المتحدة وفدا عالي المستوى يكون حديثه علنيا ومسموعا تماما حول ضرورة تخفيف قبضة نظام مبارك، ويجب أن توجه أسئلة قوية لأحمد نظيف رئيس الوزراء ذلك التكنوقراط الذي يفضل الكلام عن الاستثمار والإصلاح الاقتصادي، وألا يسمح له بلهروب من أسئلة حول القمع السياسي.

نشر الديمقراطية سهل في الأردن والتي تحبذ حكومتها الفكرة، وسهل في سوريا والسودان اللتين تكره حكومتاهما الفكرة، ولكن في مصر حيث الديمقراطية مهمة أكثر من أي مكان آخر من الصعب تحقيق تقدم، ولقد اتخذت إدارة بوش بعض الخطوات الجيدة، لكن عليها أن تكون أشد صرامة وأكثر ثباتا وعلانية، وهذا التوقيت مناسب لبداية جديدة.

***

واشنطن بوست

عن تمديد قانون الطوارئ كتب دانييل وليامز في واشنطن بوست أن "حكومة الرئيس حسني مبارك مددت العمل بقانون الطوارئ على الرغم من وعد مبارك بإلغائه واستبداله بقانون لمكافحة الإرهاب، وعلى الرغم من أنه أهم إجراء إصلاحي كان منتظرا في الفترة الماضية.

وأشار مسئولون مصريون مؤخرا إلى أن الضغط الأمريكي قد خف وأن الإصلاحات الأخيرة ذهبت قدما بما فيه الكفاية، وبشر مبارك بتجديد القانون قبل أسبوعين، حين قال إن صياغة القانون الجديد ستستغرق عامين.

ويبدو أن التمديد يستهدف إسكات الإخوان المسلمين وإبقاء الوضع الراهن، ما يؤدي إلى قتل الحياة السياسية المصرية كما يرى عدد من ممثليهم، فيما لا يتوقع آخرون أن يتم أي تغيير، وأن "مبارك لن يقوم بأي تغييرات، ولن يتخلى عن منصبه حتى وفاته".

وبذلك يتنهي 20 شهرا من النقاش والضغط السياسي الشديد من المصريين في الداخل ومن الحكومات الأجنبية من أجل إرساء الديموقراطية بإصلاح وحيد هو الانتخابات الرئاسية متعددة المرشح قبل عام من الآن.

لكن تجميد الحياة السياسية في مصر يعني دعما للإرهاب والتطرف، وقانون الطوارئ يطلق يد الشرطة، ويتيح لها اعتقال المواطنين وضربهم، وهذا العنف يفرخ مزيدا من العنف. بينما أصبح الموقف الأمريكي مبهما وهذا يشجع النظام على مواصلة فساده.

***

تحت عنوان "الإرهاب في مصر لن ينتهي قريبا" كتب لي سميث في ويكلي ستاندارد: "في أعقاب هجمات سيناء الأخيرة ربط بعض المراقبين بين حالة مبارك وحالة الرئيس أنور السادات في 1981. وهي مقارنة مفيدة لأن مبارك يبدو منحوسا في الوقت الحاضر مثلما كان السادات في ذلك الوقت. قبل إغتيال السادات في أكتوبر 1981، اعتقل أعداد كبيرة من معارضيه من المثقفين والصحفيين (ومن بينهم محمد حسنين هيكل الذي كان مقربا من عبد الناصر زمان ومن الجزيرة حاليا) والذين لم يرد أحد منهم قتله في الحقيقة، مثلما فعل الإسلاميون في النهاية. وذلك لأنه طارد الشخصيات الثانوية ولم يطارد من يمثلون تهديدا أخطر لحكمه، وبذلك كانت اعتقالات السادات مؤشرا على ضعفه وليس قوته.

وبنفس الطريقة كل مرة تعتقل أجهزة أمن مبارك بدويا، يقول لنا النظام إنه ضعيف لأنه لا يعتقل المذنبين الحقيقيين، وعندما اعتقل الأمن أكثر من ألفي بدوي بعد هجوم سيناء الأول في طابا أكتوبر 2004، أعلن أنه يتخبط في حقيقة الأمر، وإذا كان هذا النظام يريد الحفاظ على وجوده، فعلى جمال بن مبارك أو رئيس المخابرات عمر سليمان، أو الاثنان معا على الأرجح، أن يأخذا القيادة بأسرع ما يمكن لأن الرجل العجوز لم يعد يستطيع الآن القيام بمهامها.

يبدو أن البدو مسئولون عن المساعدة الميدانية، لكن من غير المحتمل أنهم أصحاب "الفكرة الكبيرة" وراء تفجيرات سيناء، البدو يشتركون في كثير من الأعمال غير الشرعية، مثل تهريب الأسلحة والمخدرات لكنهم لا علاقة لهم بالسياسة بدرجة كبيرة. بعض المصريين يسخرون من أن البدو فضلوا الوضع في ظل الاحتلال الإسرائيلي لسيناء لأنهم حولوها إلى جنة سياحية وهكذا نجح البدو في جمع الأموال بينما لم يرد أن يفعل المصريون ذلك أو لم يستطيعوا أن يفعلوا. وافتراض ان البدو قاموا بدور المساعدة هو الاحتمال الأقرب لأنهم يريدون مقابلا ماديا، ولأنهم غاضبون لأنهم يشعرون أن النظام تخلى عنهم - وذلك قبل أن تبدأ أجهزة الأمن حملة الاعتقالات الجماعية والعقاب الجماعي.

من وراء الهجمات الثلاثة الكبرى على منتجعات سيناء منذ أكتوبر 2004؟ الهدف في حد ذاته كبير. كان الهجوم الثاني ضد شرم الشيخ، المكان المفضل لمبارك في العالم والوجهة التي يختارها عادة (بعيدا عن القاهرة) لإمتاع أهم زواره الأجانب. وهذا يعني أن الهدف ليس السياح الإسرائيليين؛ وإنما مبارك نفسه.

والمدبرون للعمليات من القاعدة، أو بتحديد أكثر من قاعدة الجهاد، حسبما يشير بعض المحللين المصريين إلى منظمة بن لادن- الظواهري في إشارة إلى أصولها المصرية. لقد حققت منظمة الجهاد الإسلامي بقيادة أيمن الظواهري أكبر نجاحاتها محليا عندما تعاونت مع الجماعة الإسلامية من أجل قتل السادات. ومن بين كل الأسباب المحتملة للهجمات الأخيرة - حسب خطاب بن لادن الأخير وقف التمويل عن حماس- فإن الصلة الأكثر أهمية هي أن حكومة مبارك أطلقت سراح 900 من أعضاء الجماعة الإسلامية في أواسط أعمارهم مؤخرا، والذين انتهت حربهم ضد النظام قبل عشر سنوات بهدنة عام 1997. وربما يقول شخص آخر إن الحرب فقط قد بدأت من جديد.

وفي الحقيقة أن تلك الحرب بدأت في 1952 عندما استبعد عبد الناصر الإخوان المسلمين من النظام، وهذا يعني ببساطة أن هذه المعركة الممتدة عدة عقود ليست معركة أيديولوجية وإنما هي معركة حول نصيب في السلطة وحول من يصل إلى حكم مصر. وخطاب وأجندة النظام وخطاب وأجندة معارضيه الإسلاميين متماثلان عمليا؛ والاختلاف المبدئي بين الاثنين هو أن المعارضة الإسلامية تفضل الشريعة أكثر بكثير من الدستور المصري ومستعدة لقتل مصريين عاديين من أجل حدوث ذلك.

لماذا سيهاجم المتطرفون الإسلاميون الآن بعد أن هزمهم مبارك –ظاهريا- في 1997؟ ربما لأن مهاجمة العدو البعيد -الولايات المتحدة- أصبحت أصعب من مهاجمة العدو القريب مصر، أو ربما لأن نظام مبارك أصبح نظاما عجوزا لدرجة أنه فوجئ، على سبيل المثال، بفوز الإخوان المسلمين بـ 88 مقعدا في الانتخابات البرلمانية السابقة.

يبدو أن مبارك وصل إلى نقطة في منصبه بحيث أصبح معاونوه يخشون إبلاغه بالأخبار السيئة وأصبح أركان نظامه المتهاوي يكافحون بأقصى ما لديهم ضد الأجندة الأمريكية في المنطقة. وربما أن شخصا ما، يظن أن مبارك لا يستطيع إدارة حربين على جبهتين، راح يشم رائحة الدم.

الإسلاميون سيواصلون مهاجمة مصر بحيث يصبح التحالف العلني بين النظام والإخوان المسلمين المعتدلين أمرا معقولا، ومن بين الأشياء الأخرى أن ذلك سيضمن ترفيع جمال، وهي أولوية قصوى للنظام وسبب مواجهته لأجندة الديموقراطية الأمريكية. عندئذ ستكون مهمة جمال هي شن حرب ضد المتطرفين واستخدام الإخوان المسلمين كما يريد، فيعتمد على دعمهم بشكل مختلف وبعد ذلك يبقيهم في مكانهم كما فعل أبوه. ورغم ذلك ليس واضحا إن كان مبتدئا بدون أوراق اعتماد عسكرية (كجمال مبارك) هو في الحقيقة رجل قوي يصعب إسقاطه. وهو لن يحصل على أي مساعدة من الولايات المتحدة لأن النظام لعب بالورقة الإسلامية في تلك الانتخابات البرلمانية وواشنطن تحاول تحميله النتيجة العرضية "لتحول إقليمي".

***