فوز حماس يؤجل الانتخابات المحلية في مصر*
لماذا أجلت مصر الانتخابات المحلية التي كان من المفترض إجراؤها خلال 60 يوما من تاريخ انتهاء فترة المجالس الحالية في 14 فبراير الماضي، لعامين كاملين؟ هل الهدف هو إعطاء فسحة من الوقت لتعديل القانون المنظم لإدارة المحليات بحيث تتمتع بسلطات أوسع على حساب المركزية الشديدة التي تعاني منها الدولة المصرية المثقلة بالبيروقراطية كما يدعي أشخاص متنفذون في "الحزب الحاكم"، وكما قال أحدهم "نريد جعل المجالس المحلية حكومات محلية، بدلا من إدارة محلية. نريد تشجيع اللامركزية"، أم أنها مراوغة لمنع جماعة الأخوان من استثمار تفوقها الواضح وغير المسبوق في الانتخابات البرلمانية في ديسمبر ويناير الماضيين، واستثمار أجواء فوز حركة حماس الساحق أيضا في الانتخابات الفلسطينية والتي يعتبرها كثيرون الابن البكر لحركة الاخوان المصرية؟
استقراء آراء المعنيين على الساحة السياسية المصرية يشي بالإجابة، ومحاولة نفي الصلة بين التأجيل ومنع ترجمة شعبية الاخوان في الشارع إلى ممثلين في المجالس النيابية مرة أخرى محل شك كبير، حتى في أروقة الحزب الحاكم نفسه. فعلى سبيل المثال يقر د. أسامة الغزالي حرب المحلل السياسي البارز في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية وعضو لجنة السياسات - اللجنة الأكثر نفوذا في الحزب والحكومة على السواء والأقرب لرئيسها جمال مبارك نجل الرئيس- بأن "التأجيل بسبب الاخوان المسلمين بالطبع. فقد أثبتت الانتخابات البرلمانية الأخيرة أن الحزب الوطني أضعف مما توقع كثيرون؛ وجميع الأحزاب الأخرى خاب أملها إلى أقصى درجة، والبديل الوحيد القادر على ملء الفراغ وتحدي الحزب الحاكم هو الإخوان المسلمون". في المقابل كان أداء الحزب الوطني هزيلا في الانتخابات البرلمانية، ولم يتمكن من الحصول على أغلبيته الكبيرة التقليدية إلا بضم نحو 200 من الخارجين عن الحزب الذين فازوا بمقاعدهم على حساب مرشحين من الحزب، حسب شهادة كثيرين أيضا من داخل الحزب.
التأجيل إذن يعطي للحزب الحاكم فسحة من الوقت كي يعيد تنظيم نفسه، ويوفر فرصة للحكومة لكي توازن خياراتها في التعامل مع ظاهرة "الاخوان". ومن المحتمل سن قانون جديد يمكن الاخوان من أن يصبحوا حزبا سياسيا شرعيا، خاضعا لشروط صارمة، مما يوفر من وجهة نظر الحكومة آلية لزرع الانقسامات داخل الإخوان المسلمين، مع السماح بظهور أحزاب أخرى لديها إمكانية إحداث إنقسام في الأصوات المتعاطفة مع التيار الإسلامي بشكل عام.
وربما يتيح تأجيل الانتخابات أيضا فرصة لتحسين شعبية الحكومة عبر تحسين الأوضاع الاقتصادية، فمؤخرا أطلق رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف خلال عرضه لبرنامج الحكومة الجديد عددا من الوعود للقطاع الأكثر فقرا في المجتمع المصري والذي تتمتع حركة الإخوان المسلمين في أوساطه بتأييد قوي. فقد وعد - مثلا- بزيادة أجور القطاع العام بنسبة 75 % لأصحاب المرتبات المرتفعة وبنسبة 100 % لأصحاب المرتبات المنخفضة على مدى السنوات الست المقبلة. ووعد بزيادة عدد الأسر التي تتمتع بمخصصات التأمين الاجتماعي الأساسي من 650 ألف أسرة إلى مليون أسرة، وتوجيه الاستثمارات العامة إلى بناء 85 ألف شقة سنويا. وفي إشارة أولية لهذا الكرم الجديد، أعلنت الحكومة أن العاملين في القطاع العام سيحصلون على زيادة في الأجور بنسبة 40% ابتداء من الأول من يوليو بفضل خفض الضرائب ومزايا جديدة، بالإضافة إلى الزيادة السنوية المنتظمة في المرتبات.
والجانب الذي يركز عليه كثير من المعارضين في تأجيل الانتخابات المحلية هو صلتها المحتملة بخلافة الرئيس حسني مبارك. فطبقا للقانون الجديد لانتخاب الرئيس، يتعين أن يحصل المرشح على توقيع عدد كبير من الأعضاء المنتخبين في المجالس النيابية (البرلمان ومجلس الشورى والمجالس المحلية). وفي الوضع الراهن، يواجه الاخوان المسلمون صعوبة في تحقيق هذا الشرط، لكن نجاحهم في الانتخابات المحلية يجعل من السهل عليهم ترشيح مرشح للرئاسة، وحتى لو لم يستطع الإخوان تقديم مرشح لمنصب الرئيس، فإن سيطرتهم على المجالس المحلية ستكون بابا واسعا لنشر تأثيرهم وبناء تأييد لهم، وبتأجيل الانتخابات المحلية حتى عام 2008، يتم تقليص خطر تقدم مرشح للاخوان المسلمين للرئاسة إذا تقاعد مبارك أو خلا منصبه خلال العامين المقبلين، أي أن الهدف هنا هو قطع الطريق على المرشح القوي المحتمل أن يواجه مرشح الحزب الوطني للرئاسة، الذي يكاد يكون اسمه معروفا سلفا.
* المقال منشور في صحيفة الغد الأردنية بتاريخ الخميس 2 مارس 2006