Wednesday, September 20, 2006

أخطاء الأستاذ الجامعي راتسينجر الشهير بالبابا

أخطاء الأستاذ الجامعي راتسينجر الشهير بالبابا


هل من الجائز عقلا –ونحن في القرن الواحد والعشرين- أن ترفع جماعة ما شخصا ما إلى مصاف "المعصوم من الخطأ والزلل" بل و"من يمنح البركة للملايين" و"من تجتمع الحشود إلى حضرته لتنهل من فيض قداسته"؟

الحقيقة أن هذا كلام عفا عليه الزمن، ولم يعد من اللائق استنادا إلى العقل والمنطق -وهما الأولى بالاتباع بعدما توافر للبشرية رصيدها من الأفكار والتأملات في الكون وطبيعة الأشياء وطبيعة الأفكار نفسها- أن تظل جموع من البشرية على هذا الوضع البائس.

والحقيقة أيضا أن "هذا الرفع" وهذا التقديس" هو الباب الأكثر اتساعا لكي يرتكب نفس ذلك الشخص أخطاء، وأن "النظام الفكري" الذي ينتج تلك الحالة يمثل الدافع الأكبر للخطأ، فلكي يحسن إنسان "أي إنسان" الحكم في أية قضية ينبغي عليه ان يتجرد من "الدافع والميل" قدر ما يستطيع حتى "يقترب أكثر" ولا نقول "يصل" إلى كبد الحقيقة، التي كان أهم منجز بشري حتى اللحظة هو "التؤكد من أنها –أي الحقيقة- لها ألف وجه ووجه".

تبدو هذه المقدمة ضرورية ونحن ننظر في اقتباسات البابا "بيندكت السادس عشر" أقصد الأستاذ الجامعي يوزيف ألويس راتسينجر من حوار للإمبراطور "مانويل باليوجولوس الثاني" (والذي عاش أواخر القرن الرابع وبدايات القرن الخامس عشر وقال كلماته تلك زمن حصار القسطنطية تحديدا)، في معرض تدليله على أن "الإسلام دين بعيد عن العقل مقارنة بالكاثوليكية"، إذ لو كان صاحب الاقتباسات هو فقط الأستاذ الجامعي لما كان لكلماته خطورتها ولما قامت الدنيا بسببها، فهو "حبر أعظم" تلتف حوله عشرات الملايين من "القلوب" حول العالم، وهو أيضا "شريك سياسي" لقوى سياسية أخرى في العالم بمحض نفوذه الروحي.

من أخطاء الأستاذ الجامعي السابق –المرفوع إلى مرتبة الباباوية قبل 17 شهرا- أنه أولا –حسبما يقول مراسل صحيفة التايمز البريطانية للشئون الدينية روت جليدهيل- "لم ينأ بنفسه عن التعليقات التي اقتبسها من الإمبراطور مانويل الثاني التي هي في الأصل تعليقات تحريضية بما يكفي في زمنها، لكنها مضاعفة ألف مرة في تحريضها عند تكرارها هذه الأيام.

وثانيا أن البابا –والكلام مازال لروت جيلدهيل- قد يحتج بأن آلاف المسلمين الغاضبين حول العالم انتزعوا كلامه من سياقه، في حين أنه هو نفسه ارتكب نفس المخالفة فيما يتعلق بمانويل الثاني".

وثالثا –حسبما يقول هانز كونج زميل البابا العجوز في جامعة توينجن أيام كان أستاذا فيها- أنه "أمر غريب جدا ان يقتبس البابا من إمبراطور كان مسيحيا معاديا للإسلام قال كلماته أثناء معركة وحصار القسطنطينية في 1394 إلى 1402، ويضيف كونج "يستطيع البابا أن يقتبس ما يشاء، لكنه فعل ذلك دون أن يقول إن الإمبراطور كان مخطئا، وهذا يظهر حدود عالم اللاهوت يوزيف راتسينجر (البابا). فهو لم يدرس الأديان بشكل شامل، ومن الواضح أن له وجهة نظر أحادية من الإسلام والأديان الأخرى، وهو لا يدرك نتائج ما يقوله".

وهنا يمكن الإشارة –اعتمادا على شهادة الأب جوزيف فيسيو رئيس مجلس جامعة السلام المريمي في نابولي ومؤسس دار نشر إيجانتيوس برس- إلى أن "البابا لديه تاريخ في انتقاد الإسلام، وهو يعتقد أن الإسلام لا يمكن إصلاحه وغير متوافق مع الديمقراطية. ويعتقد أيضا أن إصلاح الإسلام مستحيل لأنه ضد طبيعة القرآن ذاته كما يفهمه المسلمون".

هذا عن أخطاء الأستاذ الجامعي، أم عن أخطاء "البابا صاحب السلطة الدينية والنفوذ الروحي على مليار نسمة فمنها ما طرحه إيان فيشر في نيويورك تايمز الاثنين 18 سبتمبر، يقول "إن "تصريحات البابا أثارت إلى جانب غضب المسلمين، نقاشا مكثفا أيضا في إيطاليا وبين كثيرين من الكاثوليك، حول سؤال ما إذا كان البابا قد قيم رد الفعل الذي يثيره وما إذا كانت خطبه، التي يكتبها بنفسه عادة، يتم مراجعتها بشكل صحيح من خلال النظام الروتيني في الفاتيكان؟".

وردا على هذا السؤال كشف فيشر أن "عددا من مسئولي الفاتيكان قالوا إنهم أبدوا مخاوفهم قبل إلقاء الخطاب من أنه قد يستقبل بشكل سلبي من المسلمين أو تسيئ وسائل الإعلام فهمه باعتباره هجوما على الإسلام". وقالوا أيضا إن بنديكت الذي تعود أن يكتب خطبه، قد كتب وحده خطابه الذي أثار القضية برمتها. وقد نقلت المخاوف إلى سلسلة من الكهنة لكن ليس معروفا إن كانت تلك المخاوف قد وصلت إلى البابا". وأضاف كاتب النيويورك تايمز أن خبراء معنيين بالشأن البابوي قالوا إن القضية تثير أسئلة حول كيفية عمل الكنيسة تحت قيادة البابا الجديد، وإلى أي مدى يتم مراجعة بياناته واعتماد درجة من الدبلوماسية تضمن أنه لم يعد أكاديميا بل زعيم طائفة الكاثوليك الروم في العالم".

أما ما يؤكد المزيد من الأخطاء فهو اعتراف القس توماس مايكل سكرتيرالحوار بين الأديان في كنيسة اليسوعيين بأنه "لا يوجد متخصصون بدرجة كافية في الإسلام في الفاتيكان لكي يقيموا رد الفعل على أي بيانات بابوية.. من اطلع على البيان وتركه يمر شخص لا يفهم المسلمين مطلقا".

هل يكفي الاعتذار عن الخطأ أو "سحب التصريحات" إذن حلا للمشكلة أم أن الأستاذ الجامعي يحتاج إلى جلسات مع متخصصين "ليصححوا له أخطاءه"، وأن الزعيم الروحي المرفوع إلى درجة القداسة والعصمة يحتاج إلى مستشارين أكثر خبرة ومعرفة "ينصحونه بألا ينفرد بكتابة خطبه" أو ينقحونها حتى لا تسيء إلى أحد، أم أن الأمر برمته خطأ بدءا من الرفع والتقديس إلى مصاف "المعصوم من الخطأ والزلل" و"من يمنح البركة للملايين" و"من تجتمع الحشود إلى حضرته لتنهل من فيض قداسته؟".