Wednesday, May 24, 2006

شعب هاتولي حبيبي

أرابيسك

نشر في الدستور المصرية 24 مايو 2006


الإفيهات العظيمة –وحتى العادية منها- كالأفكار العظيمة، ينبغي أن تنسب إلى أصحابها، فحقوق الملكية الفكرية أصبحت مبدأ عالميا يجب مراعاته.

مثلا، عندما ذهب عدد من مجموعة "أدباء وفنانون من أجل التغيير" للتضامن مع القضاة الخميس قبل الماضي واجههم ضابط محذرا "لا داعي للهتاف يسقط مبارك"، فضحك منه الأدباء والكتاب والفنانون وأشاروا بإبهامهم إلى أعلى، إلى السماء وهتفوا "يصعد مبارك" يصعد مبارك".

منذ فترة سمعت أن أمين اسكندر –الكادر الناصري المعروف- يقول إن فلانا يقول في رفيقه حمدين صباحي –عضو مجلس الشعب ووكيل مؤسسي حزب الكرامة ورئيس تحرير صحيفة الكرامة- كلاما لم يسمعه من قساوسة في الكنيسة عن يسوع المسيح عليه السلام، فأكملت من عندي أن "أمين اسكندر عنده حق، فحمدين فعل لفلان هذا ما لم يفعله الرب ليسوع، ففلان الذي يتحدث عنه ليس صديقا ولا نبيا ولا تظهر عليه أمارات أي موهبة –اللهم إلا إذا كان النفاق موهبة- ومع ذلك يوفر له حمدين كذا وكيت... وبعد يومين لا أكثر سمعت هذا الإفيه من ثلاثة أشخاص ينسبونه لأنفسهم، فقلت سامحهم الله.. متى تنتشر ثقافة الملكية الفكرية في بلادنا!

الأسبوع الماضي جلس أحد الأصدقاء المعروفين بالأفكار المتجددة والإفيهات الطازجة مع رئيس تحرير جريدة أسبوعية شعبية، وفي العدد التالي للجلسة مباشرة قرأت افتتاحية رئيس تحريرها فلمحت بصمات صديقنا واضحة في المقال، فطالبته بأن يعزمنا على القهوة والشاي والشيشة ما دام رئيس التحرير إياه يدفع له في الجلسة الواحدة ربع مرتبه الشهري.

لصاحبنا هذا تحليل للحالة المصرية يختصره في كلمتين "هاتولي حبيبي" وتفصيلها أن اللورد كرومر حضر ذات مرة حفلا للشيخ عبده الحامولي غنى فيه أغنية طويلة جدا وترجمت المعاني للورد كرومر فاندهش من قلة حيلة المطرب –المحب ومن يعبر عنهم في كلمات أغنيته "يا مين يجيب لي حبيبي"، ووصل إلى استنتاج بسيط جدا هو أن الشعب المصري لا يريد أن يفعل شيئا، ويكتفي بالشكوى والدعاء والاستعانة بالقوى المجهولة لكي "تجيب له حبيبه".

وصاحبنا يضيف أمثلة كثيرة من اللزمات الأساسية في الأغاني المصرية ومنها مطلع أغنية شهير لفريد الأطرش يقول "يا ليل... يا ورد... يا زهر.. يا أغصان.. هاتولييي.. م الحبيب... كلمة.. تواسي.. العاشق الحيرااااان"، ولكني للاطمئنان راجعت صاحبنا في حقوق الملكية الفكرية للإفيه فقال بأدب وتواضع "صاحب هذا الإفيه هو الأستاذ أحمد الحصري الكادر العتيد في حزب التجمع".

وعلى الرغم من اندثار مثل هذه الوصلات الاستسلامية من الأغاني المصرية تقريبا، إلا أن المصريين في أغلبهم مازالوا كذلك: النفاق شيمة أصيلة لكثيرين، والميل لجمع المنافقين والاستئناس بهم وربما تربيتهم سمة غالبة لدى كثيرين سواء كانوا سلطة أو معارضة ليعوضوا نقصا أصيلا أو أوهاما كبيرة عن ذواتهم، والاستسلام والاستكانة والاتكال على الآخرين، وعلى قوى غيبية لأداء الواجب والدفاع عن الحق، والهروب من الصف الأول إلى آخر صف، والانتهازية، والبحث عن أي حجة للتراجع، وترك الآخرين يدفعون ثمن النضال.. كل ذلك مذهب معروف في مصر، ولكم في إيماءات المارة من عموم المصريين وهم يشاهدون المظاهرات أو يتفرجون –كما لو كانوا في سيرك- مشاهد ضرب الشرطة للمتظاهرين، مثال واضح" يضاف إلى غيره. لكن دوام الحال من المحال، وليس بعيدا ذلك اليوم الذي يتوقف فيه غالبية المصريين عن الفرجة ويطلعوا على المسرح ليصنعوا مصيرهم بأنفسهم.

اقتراح بخفض المعونة الأمريكية 200 مليون دولار


التراجع إلى الخلف ليس أمرا استثنائيا بالنسبة لنظام ينهار أو ديكتاتور عجوز

ردا على تراجع الحكومة المصرية عن وعود الإصلاح تبشركم الواشنطن بوست بخبرين دفعة واحدة الأول أن مجلس الشيوخ الأمريكي وافق على تحويل 47 مليون دولار من المعونة الاقتصادية لمصر إلى أغراض أخرى مثل معالجة الجفاف في أفريقيا، والثاني أن مجلس النواب ينظر قريبا في اقتراح بخفض المساعدات العسكرية لمصر بمقدار 200 مليون دولار.. والافتتاحية التي نشرت الأحد 21 مايو تحت عنوان ساخر "مزيد من الدولارات لمبارك.. ماذا عن وعد الرئيس بوش بالدفاع عن الإصلاحيين الديمقراطيين مثل أيمن نور عندما يواجهون قمعا" تقول نصا:

قبل عام فقط بدا أن سياسة الرئيس بوش في نشر الديمقراطية بالشرق الأوسط سيكون لها تأثير حقيقي على أكبر زبون عربي لأمريكا: مصر. واستهل الرئيس حسني مبارك العام بسجن معارضه الديمقراطي الليبرالي الرئيسي أيمن نور. لكن عندما اعترضت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس أفرج عن أيمن نور، وأعلن مبارك إجراء أول انتخابات رئاسية متعددة المرشح في مصر. وأطلق نور حملة نشيطة وبرزت حركة معارضة قوية في القاهرة. وبعد عقود من الركود بدا أن واحدة من أكثر حكومات الشرق الأوسط استبدادا سوف تصبح ليبرالية.

وكما اتضح لاحقا لم يكن مبارك جادا. في الشهور الستة الماضية أوقف الرئيس البالغ من العمر 78 عاما الحراك السياسي واتجه لسحق المعارضة الديمقراطية. وأعيد أيمن نور إلى السجن محكوما عليه بالسجن خمس سنوات بناء على اتهامات مزورة؛ ويوم الخميس الماضي رفضت محكمة خاضعة لإرادة مبارك طعنه النهائي. وأجَّل مبارك الانتخابات المحلية التي كان ينبغي إجراؤها هذا العام، وجدد قانون "الطوارئ" المتعسف على الرغم من وعد مبارك بإلغائه. والمصريون الذين احتجوا اعتقلوا أو ضربوا.

وليس التراجع خطوة إلى الخلف بهذه الطريقة أمرا استثنائيا بالنسبة لنظام ينهار أو ديكتاتور عجوز. والملحوظ حقيقة هو الطريقة التي أسقطت بها إدارة بوش فجأة محاولتها دفع التحرر من الاستبداد في مصر. في اليوم التالي لضرب شرطة منع الشغب مظاهرة من أجل الديمقراطية بعنف شديد في القاهرة هذا الشهر وجد الرئيس بوش ونائبه تشيني وكوندوليزا رايس ومسئولون آخرون وقتا ليلتقوا على عجل بجمال بن مبارك سرا. ومعظم المصريين يعتقدون أن الابن يتم تلميعه لخلافة أبيه؛ وهناك كثيرون مقتنعون بأن تلك الاستراتيجية توضح سجن أيمن نور وإسكات المعارضة.

وبعد خمسة أيام ظهر مساعد وزيرة الخارجية ديفيد وولش أمام الكونجرس للشهادة بأنه لا يجب حجب شيئ من المعونة السنوية لمصر البالغ قيمتها 1.8 مليار دولار –وهي ثالث أكبر إعانة مالية تدفعها أمريكا لدولة أجنبية، لأن ذلك "قد يضر بمصالحنا الوطنية". وأشاد ولش بسعى مبارك لمنع حرب أهلية بين الفلسطينيين ومعارضته لحصول إيران على سلاح نووي، على الرغم من أن الرئيس المصري في الحالتين يتصرف وفقا لمصلحته الخاصة؛ ولم يذكر ولش عداوة مبارك تجاه حكومة العراق الشيعية الجديدة أو هجماته المتقدمة على مبادرات الديمقراطية الأمريكية الإقليمية. وبدلا من ذلك قدم إعادة لبيان منهجي من استراتيجية الخبراء المستعربين التقليدية في وزارة الخارجية التي رفضها بوش علانية من قبل، والتي يسمح فيها بتمويل المستبدين والتساهل مع وحشيتهم على المستوى الداخلي من أجل اعتبارات الجغرافيا السياسية.

ولحسن الحظ ليس كل من في الكونجرس ممن يبتلعون مثل هذا التراجع الجبان. هذا الشهر وافق مجلس الشيوخ على تعديل بتحويل 47 مليون دولار من معونة مصر الاقتصادية إلى مهمات أخرى، مثل إغاثة الجفاف في أفريقيا؛ ويتوقع إقراره في المجلس. وهناك توم لانتوس عضو مجلس النواب الديمقراطي من ولاية كاليفورنيا الذي أشار بإجراء دراسة حول الـ 60 مليار دولار قيمة المعونة التي قدمتها الولايات المتحدة لمصر منذ عام 1979 ونفذ الدراسة مكتب المحاسبة الحكومي (التابع للكونجرس). وقد توصل مكتب المحاسبة إلى أن وزارتي الخارجية والدفاع لم تطبقا آليات محددة لتقييم ما إذا كانت المعونة الأمريكية لمصر تؤدي إلى تقدم في المصالح الأمريكية؛ وكما قال لانتوس ثبت أن "المعونة الأمريكية لمصر هي برنامج تأهيل سياسي بدون معيار أداء حقيقي".

ويوم الجمعة قال عضو مجلس النواب ديفيد أوبي الديموقراطي من ولاية ويسكونسن بعد أن استشهد بحالة أيمن نور إنه سيقترح خفض المساعدات العسكرية لمصر بمقدار 200 مليون دولار عندما تنظر لجنة الاعتمادات بالمجلس في مشروع قانون العمليات الخارجية. مثل هذا الإجراء يستحق الدعم. إذا تلقى مبارك تمويلا أمريكيا كاملا لجيشه بينما يضرب ويسجن الديمقراطيون الذين صدقوا نداء بوش من أجل التغيير فإن "المصالح القومية الأمريكية" ستتضرر بالفعل.

Monday, May 22, 2006

أحمد نظيف ينقل عن بوش "الإخوان المسلمين منظمة إرهابية"



زوليك: أمريكا لا تشارك في تلميع جمال مبارك
خطاب مبارك في مؤتمر دافوس بشرم الشيخ يكشف حجم الخلاف مع أمريكا
ضغوط إدارة بوش أصابت مبارك بالصداع
نظيف: بوش وصف الإخوان المسلمين بأنها "منظمة إرهابية"
وصفة أمريكا للتغيير: تشجيع- ضغط -مساعدة
زوليك عن الإخوان المسلمين: واشنطن لا تتعامل مع كل أشكال الإسلام السياسي بنفس الطريقة، بل تميز بين المتشددين والإصلاحيين

ملابسات العلاقة بين مصر وأمريكا –وهي مربط الفرس في الأحداث السياسية في مصر حاليا- تشبه إلى حد بعيد مباراة لكرة القدم، ما قد يغريك باستخدام مصطلحات كرة القدم للتعبير عنها: مراسلة الجزيرة –حامل الراية ضبطت جمال مبارك متسللا في زيارته التاريخية الميمونة والسرية في أحد أروقة البيت الأبيض فرفعت الراية واحتسب الحكم –الفضائيات الخارجية والصحف المستقلة في مصر والعالم- المخالفة، ولك أن تقول أيضا أن الفريق المصري بلا هدافين اللهم إلا حارس المرمى -وزير الداخلية- الذي يواصل إحراز أهداف في نفسه من خلال المعارك الطاحنة التي يخوضها ضربا واعتقالا وتكسيرا في عظام المتظاهرين مع القضاة، أما كابتن الفريق المصري الأكبر سنا في الملعب فمقطوع الأنفاس خائر القوة حائر العينين تائه في الملعب لا يعرف مرمى الخصم من مرمى فريقه، "يباصي الكرة إلى فرود" الفريق المنافس ليحرز أهدافا في مرماه.. وهكذا..

ولأن المباراة ليست مذاعة على الهواء مباشرة فهي تحتاج لشهود عيان ومحللين واستقراء واستنتاج والتقاط إشارة هنا وتصريح بين السطور هناك، ولكن الواضح من أحدث المشاهد -مشهد دافوس في شرم الشيخ أن "التوتر بدأ في الظهور إلى العلن بين مصر وأمريكا" حسبما عنونت شيكاغو تريبيون تقريرا لها من شرم الشيخ، رصدت فيه أن "الرئيس المصري حسني مبارك وجه انتقادات مقنعة إلى الولايات المتحدة ما يكشف عن خلاف متزايد بين الحليفين التقليديين حول سرعة الإصلاح الديمقراطي في مصر ومعالجة إدارة بوش للأزمة النووية في إيران والحرب في العراق، فقد قال مبارك أمام مئات المحللين والأكاديميين والسياسيين في المنتدى الاقتصادي العالمي السنوي حول الشرق الأوسط إن الدول يجب أن تتجنب المعايير المزدوجة و"الانتقائية" عندما يتعلق الأمر بتطوير نووي، في إشارة إلى قلق واشنطن الحاد من طموحات إيران النووية، بينما تظل صامتة بشأن الترسانة النووية التي يعتقد أن إسرائيل تملكها.

وتابعت الشبكة الإخبارية الأمريكية "وقال مبارك أيضا إنه يتصور عالما "بعيدا عن الأعمال أحادية الجانب"، وهو ما فسره المشاركون في المؤتمر كانتقاد للاحتلال الأمريكي للعراق، الذي دفع بالاضطراب في كافة أنحاء المنطقة.

وعلقت بقولها مثل هذه الانتقادات نادرا ما تصدر من مصر وهي أقرب حليف عربي للولايات المتحدة وتتلقى منها سنويا ملياري دولار. لكن ضغوط إدارة بوش من أجل التغيير الديمقراطي الذي تتمنى الولايات المتحدة أن يكون له تأثير متتابع في المنطقة أصابت مبارك بالصداع في الداخل. فقد شجعت الضغوط الأمريكية على مصر مجموعات المعارضة في القاهرة لتنظيم احتجاجات إصلاحية كبيرة ونشر انتقادات حراقة لاحتكار مبارك للسلطة لـ 25 عاما وقوائم طويلة من انتهاكات جهاز الأمن المتضخم لحقوق الإنسان".

***

صحيفة فاينانشيال تايمز أكدت وجود التوتر في العلاقات وكتب مراسلها وليام واليس أن رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف نفى (بعد أن التقى أعضاء من الكونجرس الأمريكي يوم الأحد) أن "تكون القاهرة تشعر بضغوط من واشنطن من أجل تسريع التغيير السياسي" رغم التصريحات الانتقادية التي أصدرها مسئولون في إدارة بوش الإسبوع الماضي. وأضاف أن "علاقات مصر مع الولايات المتحدة لا يمكن أن تستند إلى فرض شروط".

وتابعت الصحيفة أن "نظيف قال إن الرئيس جورج دبليو بوش وصف الإخوان المسلمين في اجتماع العام الماضي في واشنطن "بأنها منظمة إرهابية"، على الرغم من أن الجماعة ليست موجودة على أي قائمة أمريكية للمنظمات الإرهابية.

لكن وكيل وزارة الخارجية الأمريكية روبرت زوليك قال إن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية لقمع التظاهرات السلمية "ليست خاطئة فقط – بل هي أخطاء في حد ذاتها". لكنه أكد أن واشنطن لن تستعمل المعونة السنوية للضغط على نظام الرئيس حسني مبارك لتغيير أساليبه". وقال زوليك أيضا إن الاستراتيجية الأمريكية لنشر الديموقراطية كما هي، مؤكدا أن الشرق الأوسط القديم "انتهى" لكن ذلك التغيير كما حدث في أوربا الشرقية لن يظهر تماما الآن".

وعلقت الصحيفة بقولها "لكن التراجع عن الحرية السياسية في مصر يعتبر آخر انتكاسة للاستراتيجية الأمريكية لنشر الديمقراطية في المنطقة ويأتي بعد أداء انتخابي قوي للإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية العام الماضي.

وقال زوليك إن واشنطن لا تتعامل مع كل أشكال الإسلام السياسي بنفس الطريقة، بل تميز بين الجماعات المتشددة والجماعات الإصلاحية". وعندما سئل عن الإخوان المسلمين تحديدا قال إن من "المهم" للجماعة أن توضح إذا ما كانت تسعى للتغيير من خلال عملية ديمقراطية سلمية".

وعن زيارة جمال مبارك إلى واشنطن مؤخرا ووجود شكوك حول مشاركة واشنطن في تلميع جمال مبارك قالت الصحيفة إن "زوليك نفى ذلك وقال إن الولايات المتحدة لا تعمل على تلميع جمال مبارك"، ابن الرئيس والنجم الصاعد في الحزب الحاكم. والذي عقد اجتماعات في البيت الأبيض الأسبوع الماضي بدا أنها محاولة لتليين رد الفعل الأمريكي على القمع الأمني المتصاعد حاليا".

ووصف زوليك جمال مبارك بأنه "قيادة حزبية مهمة" مفيدة في توضيح الجهود المحلية لإصلاح الحزب الديموقراطي للمسئولين الأمريكيين.

وقال إن الولايات المتحدة "لا تخجل" من إعلان خلافاتها مع القاهرة وستواصل الحديث صراحة وتشجع مصر على تحقيق تقدم في الإصلاح. لكنه أضاف: "لا أعتقد أن من المفيد خفض المعونة (الاقتصادية والعسكرية).. أفضل طريقة لتشجيع التغيير من خلال الجمع بين التشجيع والضغط والمساعدة".

Sunday, May 21, 2006

تشيني وجه توبيخا شديدا اللهجة لجمال مبارك



ـ وول ستريت تتوقع: واشنطن أبلغت جمال رفضها لتوريث الحكم في مصر
ـ لقاء البيت الأبيض للتعبير عن الاستياء والضغط من أجل الإصلاح
ـ النظام يدفع ولأول مرة ثمناً سياسياً لرفضه الإصلاح الداخلي
ـ المواجهة مع القضاة تكشف مدى تخندق نظام مبارك وعناده
ـ نظام مبارك يخشى أن تشجع "ثورة القضاة" مجموعات أخرى مطالبة بالإصلاح
ـ أمريكا أحدثت شرخا في صرح الاستبداد بإسقاط صدام ومطالبة مبارك بقبول التغيير
ـ مبارك يشعر بالتململ في صفوف حزبه
ـ تحقيق الديمقراطية في الشرق الأوسط سيكون عملية بطيئة تنطوي على العنف أيضا
ـ "النظام لا يريد أي إصلاح.. ولا يريدو أن يقول القضاة الحقيقة"
ـ ثورة القضاة تدعو للأمل
ـ الإخوان والحكومة يلعبان لعبة التوازن

***

هم يضحك وهم يبكي.. لماذ ذهب الشاب جمال مبارك إلى البيت الأبيض؟ هكذا سئل سفيرنا الهمام في واشنطن نبيل فهمي فقال "جمال مبارك كان موجودا "في زيارة خاصة لواشنطن ثم قرر أن يلتقي كبار المسئولين في الإدارة". -وأكمل من عندي أخذ جمال مبارك سيارته أو سيارة السفير أو ربما تاكسي أجرة ودخل البيت الأبيض ليجد بوش وكوندوليزا وتشيني وهادلي (مستشار الأمن القومي) تاركين أعمالهم وواقفين في انتظاره- ثم سئل السفير ماذا حدث في اللقاء فقال "إنهم استمعوا لتفسيره لما يحدث في مصر الآن".- والله العظيم سفيرنا في واشنطن خفيف الظل جدا.. لتتأكد من ذلك اقرأ ما نسب إليه في صحيفة أخرى.. قال إن "مستر جمال مبارك كان موجودا في واشنطن لشأن خاص.. لكي يجدد رخصته لقيادة الطائرة"- ولم يقل السفير كيف عرف هو ذلك. وهل هو مسئول أيضا عن الأمور الشخصية لمستر جمال مبارك؟، وهل معنى هذا أن جمال يستطيع أن يقود طائرة أم أنها رخصة لمن يقود له طائرته؟.. طيب متى تعلم الطيران؟ سؤال مهم. وهل يمتلك طائرة خاصة لكي يقودها؟ (د.يحيى الجمل قال في حوار منذ فترة أن ابن الرئيس يملك طائرة خاصة، ولم ينف أحد ذلك ولم يفكر أحد في تفسير مصدر الطائرة.. هل كانت هدية أيضا مثل مزرعة الدواجن التي تحدث عنها الوزير السابق حسب الله الكفراوي ولم يكلف أحد خاطره بالتعليق).. طيب هل يستعد جمال للحظة معينة يقود فيها هو بنفسه طائرته الخاصة؟ ترى إلى أين سيتجه بها؟. أسئلة كان يجب أن يحاول السفير الإجابة عنها.

ولنكمل بقية المشهد المضحك من القاهرة.. ذهب مراسل صحيفة أمريكية إلى الحزب الوطني يسألهم باعتبارهم الجهة الوحيدة التي يمثلها جمال مبارك الضيف على رئيس دولته أمريكا، ظنا منه أن الأمور بجد أو ما شابه ذلك، فلم يحصل على أي إجابة، وبعد فترة قيل له إنه ذهب لعرض وجهات نظر الحزب في الإصلاح في الفترة القادمة!.. انتظر لحظة.. تذكر تصريحات منسوبة للرئيس المصري في صحف رسمية بعد الكشف عن الزيارة السرية لنجله إلى البيت الأبيض.. ولا تنس أن الرئيس حسني مبارك هو رئيس الحزب الوطني أيضا، يقول فيها إن "مصر لا تقبل التدخل في شئونها الداخلية، وأن أمريكا تضغط عليها لأنها دولة مشاغبة".. (ما رأيك؟)

وأخيرا.. الزيارة كانت سرية فلماذا انكشفت؟ البيت الأبيض له عشرات الأبواب فلماذا أدخله الأمريكان من الباب الذي تشاهده عن طريقه مراسلة الجزيرة فتفضح المستور وتكشف السر؟ وهل العيب في الجماعة المرافقين لجمال الذين لم يعرفوا كيف يلبسونه قناعا حتى لا يعرفه أحد؟ ولا تنس أن تسأل نفسك أولا لماذا كانت الزيارة سرية؟ هل مقابلة الأمريكان عيب لا مؤاخذة؟.. ألم أقل لك هم يضحك وهم يبكي..

***

نبدأ بالزيارة اللغز التي تثير محاولة التغطية عليها ما هو أكثر من الأسئلة.. تثير الضحك والرغبة في التنكيت..

تحت عنوان "مرحبا بك في البيت الأبيض"- استهل بريان ويتيكير مراسل الجارديان في القاهرة مقاله متسائلا: لماذا يدلل بوش الرئيس المصري بينما يضرب بلطجيته المتظاهرين في القاهرة؟، ثم تابع:

زار جمال مبارك ابن الرئيس المصري ووريثه المحتمل الولايات المتحدة الأسبوع الماضي من أجل تجديد رخصته لقيادة الطائرة حسبما يقال. وبينما كان في واشنطن تصادف أن مر على البيت الأبيض وقرر أن ينزل ويلقي التحية على الموجودين. وهذا تصرف مهذب يجب أن أفعله بنفسي يوما ما.

ودردش جمال - أو جيمي كما يناديه أصدقاؤه- مع ستيف هادلي مستشار الرئيس للأمن القومي، والتقى نائب الرئيس ديك تشيني ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس.

وبينما كان يشرب –جيمي- الشاي مع هادلي توقف الرئيس بوش "لتحية جمال وليحمله السلام إلى أبيه الرئيس حسني مبارك" حسبما قال المتحدث باسم البيت الأبيض.

وماحدث هنا بالضبط ما زال لغزا. "جيمي" لا يشغل أي منصب حكومي في مصر، ورغم أنه مساعد الأمين العام للحزب الحاكم- إلا أن هذا المنصب ليس من النوع الذي يفتح الأبواب عادة أمام أصحاب أعلى المناصب في الولايات المتحدة.

لكن ماذا كان يفعل الرئيس بوش وهو يرسل "بأجمل تحياته" إلى الفرعون المصري بعد 24 ساعة فقط من ضرب شرطة منع الشغب وبلطجية الحكومة المتظاهرين والصحفيين في القاهرة؟ إن هذا لا يتوافق أبدا مع "استراتيجية بوش لدفع الحرية في الشرق الأوسط"، أليس كذلك؟

***

يبدو بريان ويتكر متشككا في تصريح المتحدث عن "تحميل السلام لبابا" وعن فحوى المقابلة ككل، وهو ما يجيب عنه "إللي ليك" مراسل صحيفة نيويورك صن (الجمعة 19 مايو)، فيقول إن "موقف الإخوان المسلمين وبيانات الاتحاد الأوربي كانت أقوى بكثير في إدانتها لنظام مبارك مما صدر عن وزارة الخارجية أو السفارة الأمريكية، لكن مسئولا أمريكيا قال إن نائب الرئيس ديك تشيني وجه توبيخا قاسيا لجمال ابن الرئيس مبارك في الاجتماع السري الأسبوع الماضي في البيت الأبيض حول التعامل مع القضاة و16 متظاهرا متضامنا معهم والذين ضربتهم واحتجزتهم الشرطة الشهر الماضي.

وتابع مراسل نيويورك صن:

الانتصار في محاكمة القاضيين بسطويسي ومكي التي أثارت المعارضة السياسية بين ثلث قضاة مصر اختلط بانتكاسة بعد أن رفضت محكمة أخرى نظر الطعن في الحكم بالسجن خمس سنوات على أيمن نور منافس الرئيس مبارك في الانتخابات الرئاسية السابقة.

وهذان القراران اللذان يتسمان بشبهة سياسية لا يمكن أن يحسنا العلاقة الحساسة بين النظام والشعب والتي تتدهور ببطء منذ 2004، عندما بدأت حركة كفاية المكونة من تحالف صغير من شخصيات معارضة مستقلة عقد مؤتمرات وتنظيم مظاهرات تدين سياسات مبارك.

وقد اجتذبت المعارضة العلينة لنحو ألفين من القضاة تضامنا كبيرا من المعارضة العلمانية القل عددا في الشهور الأخيرة.

ويبدو القرار الذي يسمح للقاضيين بالاستمرار في وظيفتهما صفقة سياسية من أجل تخفيف الضغط والغضب بين القضاة والنخبة السياسية، دون أن يقال أن الحكومة انهزمت. بينما يؤكد قرار المحكمة رفض الطعن المقدم من أيمن نور على أهمية معركة القضاة من أجل الاستقلال السياسي.

***

ونقل بيتر باكر وجلين كيسلر في واشنطن بوست (17 مايو) عن مسئول أمريكي رفيع طلب عدم تسجيل كلامه على الكاسيت قوله إن المسئولين الأمريكيين الذين قابلهم جمال مبارك أبلغوه صراحة إنهم "قلقون جدا" حول تصرفات الحكومة المصرية الأخيرة وأنهم استغلوا الفرصة للضغط على جمال مبارك لتطبيق وجهات نظرهم فيما ينبغي عمله من أجل مزيد من الإصلاح الحقيقي في مصر. وأن الإدارة راضية عن تحركات مصر لإعادة هيكلة اقتصادها لكنها محبطة بشأن عدم انفتاح النظام على المستوى السياسي".

***

وننتقل إلى المشهد الأخير في دار القضاء العالي يوم الخميس الماضي مع افتتاحية وول ستريت جورنال (الجمعة 19 مايو) والتي حملت عنوان "الديمقراطية الفرعونية". تقول الصحيفة:

إن الرئيس المصري حسني مبارك يثبت أنه يشبه "أبوالهول" تماما في رده على مطالب الحرية السياسية في أكبر دول العالم العربي من حيث عدد السكان.

في الأسبوعين الماضيين هاجمت حكومته بقبضة ثقيلة على المتظاهرين ورفضت إطلاق سراح سياسي ديمقراطي بارز معتقل في السجن بتهم مشكوك فيها. لكن الإجراءات التعسفية لم تنجح في قمع واحد من أخطر التحديات العلنية حتى الآن لحكم مبارك منذ 25 عاما. قوات الأمن ضربت واعتقلت مئات الأشخاص في القاهرة عندما خرجوا للدفاع عن القاضيين اللذين انتقدا سير الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

ورفضت محكمة مصرية أيضا طعنا من منافس مبارك في انتخابات الرئاسة أيمن نور المعارض الديمقراطي العلماني المحكوم عليه بالسجن خمس سنوات مع الأشغال الشاقة. وكان الطعن المقدم من أيمن نور اختبارا لرغبة الحكومة في الاستجابة للضغط الشعبي وأظهر رفض الطعن أن مبارك مصر على القتال بشراسة من أجل إبقاء كل أدوات السلطة في قبضته.

لم يكن عاما سهلا للمعارضة المصرية. في أعقاب حرب العراق التي وضعت الديمقراطية على الأجندة الإقليمية، أجرى مبارك أول انتخابات رئاسية بين عدد من المرشحين في سبتمبر. لكنه وضع كافة العراقيل أمام أي منافس حقيقي. ووجد معارضه الرئيسي أيمن نور نفسه موضع اتهام قبل يوم الانتخابات، ومن أجل التأكيد أنه لن يمثل تهديدا على المدى البعيد لتخطيط مبارك (78 سنة) لتوريث السلطة أدانت المحكمة أيمن نور أواخر العام الماضي.

وشهدت الانتخابات البرلمانية في ديسمبر عنفا وتزويرا على نطاق واسع. وكاد الجميع يفقدون الأمل في الحرية السياسية في مصر.

ثم خرج القاضيان محمود مكي وهشام بسطويسي ووصفا الانتخابات البرلمانية علانية بأنها مزورة. تجاسر الرجلان على هذا التصرف كما لو كانت مصر لديها سلطة قضائية مستقلة. وردا على ذلك قدم القاضيان إلى لجنة تأديبية أوقفت ترقية القاضي بسطويسي من خلال توجيه اللوم إليه وبرأت مكي.

ومصر هي ثاني أكبر متلقي للمعونة الأمريكية مما يجب أن يعطي واشنطن قوة تأثير على القاهرة. في العام الماضي أجلت وزيرة خارجية كوندوليزا رايس زيارة رسمية لمصر احتجاجا على سجن أيمن نور. ومؤخرا أجلت واشنطن المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة. وفي فعل من واشتطن هو الأشد حتى الآن قال المتحدث باسم وزارة الخارجية شون ماكورماك إن ما حدث في مصر الخميس الماضي يثير "قلقا شديدا". ووصف قضية أيمن نور بأنها "انعدام لإقامة العدل... ونكسة لتطلعات الشعب المصري نحو الديمقراطية".

جمال ابن الرئيس وولي عهده المنتظر استمتع الأسبوع الماضي بجلسة سرية ثنائية سيئة التوقيت في واشنطن مع نائب الرئيس ديك تشيني ولقاء قصير مع الرئيس بوش. ربما يكون مبارك الابن سياسيا مواليا للغرب بشكل مدهش. لكن واشنطن تدفع نحو إرساء الديمقراطية حول العالم والمسائل الرمزية مهمة جدا. ولذلك نتمنى أن يكون بوش وتشيني قد أوضحا -على الأقل- للشاب المصري أن الولايات المتحدة لا تؤيد انتقال السلطة وراثيا في مصر مثلما حدث مع بشار الأسد في سوريا.

إن الغرب يستطيع أن يقول كلمته في أن تصبح مصر أكثر انفتاحا وتعددية على المستوى السياسي بوسائل أخرى أيضا. وكما حدث في أوربا الشرقية خلال السنوات العشرين الماضية استطاع الدعم الأمريكي لمنظمات الشباب والمنظمات غير الحكومية واتحادات العمال المستقلة وبرامج التبادل الطلابي وبرامج التدريب الإعلامي أن يحقق نتائج جيدة في زرع بذور التغيير. ولكن ذلك ليست بؤرة تركيز المعونة الأمريكية لمصر اليوم.

القضاة الثائرون والمتضامنون معهم في الشارع وأنصار أيمن نور الذي حققوا رغم كل شيء نسبة 7.6 بالمئة من التصويت في انتخابات الرئاسة.. كلهم جميعا يظهرون أن الإخوان المسلمين ليسوا وحدهم في تمثيل المصريين المستائين من النظام الحالي. وقرار المحكمة واعتقالات يوم الخميس قد تكون خطوة إلى الخلف بالنسبة إلى الحرية. ولكن المصريين يظهرون للعالم أنهم يريدون ما يعتبره ملايين البشر أمرا بديهيا -الحق في اختيار قادتهم".

***

وعن جانب آخر في الموقف الرسمي للإدارة الأرميكية نكتفي بما كتبه دانييل وليامز في واشنطن بوست عن أن: "ديفيد وولش مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط قال في شهادة أمام لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب إن مصر "حجر زاوية في سياستنا الخارجية في الشرق الأوسط". ووصف قرار مبارك إجراء انتخابات رئاسية متعددة المرشح بأنه "خطوة رئيسية للأمام" وأبدى معارضته لمطالبة بعض أعضاء الكونجرس استخدام واشنطن للمعونة السنوية لمصر (ملياري دولار) كأداة للضغط من أجل الإصلاح. وأعد عبراة كوندوليزا رايس "إننا نعتقد أن المعونة الأمريكية لمصر يجب أن تستمر". وكرر أن "التوقيت ليس مناسبا" لمفاوضات التجارة الحرة بين مصر والولايات المتحدة، التي علقت بعد سجن أيمن نور.

وذكر وولش عددا من الخدمات الاستراتيجية التي تقدمها مصر للولايات المتحدة قائلا إنها تفوق أي تحركات دراماتيكية للضغط من أجل الإصلاح السياسي. ومن بين الخدمات التي أشار إليها تأييد مصر للجهود الأمريكية في الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد البرنامج النووي الإيراني والضغط على الحكومة الفلسطينية بقيادة حماس لنبذ العنف ضد إسرائيل".

***

وفي تحليل لختام مشهد الخميس الماضي كتب مايكل سلاكمان في نيويورك تايمز: "مع انتهاء اليوم عكست الحركة في الشارع وفي ممرات دار القضاء العالي حقيقة أن هناك قوتين سياسيتين وحيدتين منظمتين في مصر - الحكومة بحزبها الوطني الديمقراطي، والإخوان المسلمين. ويبدو أن الإخوان المسلمين هم الوحيدين القادرين على الدفع بأعداد كبيرة يوم الخميس الماضي بعد أسابيع من الاعتقالات والضغوط من أجهزة الأمن.

الإخوان والحكومة يتحدى كل منهما الآخر، وكل منهما حريص على ألا يدفع بقوة أكبر تستفز الطرف الآخر إلى رد فعل كبير. الإخوان الذين أظهروا القدرة على حشد عشرات الآلاف من أنصارهم، لم يجمعوا سوى 1500 شخص في الشارع يوم الخميس الماضي. والحكومة من جهتها اعتقلت 200 فقط، ومن بينهم قياديين بارزين في الجماعة لكنها لم تتحرك لسحق الجماعة أو محاولة وقف كافة أنشطتها.

وفي المنتصف تبرز قوى ومنظمات مهنية مثل القضاة كقوى دافعة للتغيير. ويخوض ما يقدر بسبعة آلاف قاض من بين 9 آلاف معركة مع الحكومة من أجل استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية وحق الإشراف على الانتخابات.

وفي منتصف النهار عندما دخلت مجموعة القضاة المحتجين إلى دار القضاء العالي اندفع حشد من موظفي دار القضاء الذين تجمعوا على السلم في تصفيق حاد وهتفوا "مصر.. مصر" ما يؤكد بقوة شعبية القضاة في الشارع.

***

في تقرير موسع عنوانه "إشارات الحرية" بمجلة تايم كتب سكوت ماكليود أن: "إدارة بوش تقدم دعما معنويا، لكن الديمقراطيين العرب الشجعان الذين يحاربون أنظمة استبدادية هم الأبطال الحقيقيون، فهشام بسطويسي ليس ثائرا سياسيا، هو قاض بمحكمة النقض المصرية وميوله المحافظة واضحة في ألوان بدلاته القاتمة ونظارته المستديرة وحذائه اللامع. أثناء سنوات عمله بمحكمة الاستئناف كان يتجنب هز القارب بعنف.

ورغم ذلك أصبح بسطويسي فجأة من خلال توجيهه لاتهامات التزوير في الانتخابات البرلمانية أواخر العام الماضي معروفا على المستوى المحلي كمنتقد صريح لحكم الرئيس حسني مبارك الاستبدادي، ومع زميله محمود مكي وزملاء آخرين من كبار القضاة يقود بسطويسي ما يسمى بثورة القضاة، والتي يخشى نظام مبارك من أن تشجع مجموعات أخرى مطالبة بالإصلاح.

وانتقد بسطويسي الحكومة لعدم قيامها بالتحقيق الكامل في تلك الاتهامات، وأعاد أيضا مطالب قديمة من أجل استقلال حقيقي للقضاء عن نظام مبارك، ويقول بسطويسي (55 عاما)، وهو ابن محام وأب لطالبين يدرسان القانون إن "النظام لا يريد أي إصلاح.. هم لا يريدوننا أن نقول الحقيقة. لكن الناس بدأوا الرغبة في الإصلاح ومستعدون للتضحية من أجله. وعدد هؤلاء الناس يتزايد".

التشاؤم حول مستقبل الديمقراطية في الشرق الأوسط أمر شائع هذه الأيام، والمواجهة بين مبارك والقضاة توضح المشكلة جيدا، ففي ظل توقيت مؤسف: تستضيف مصر هذا الأسبوع في منتجع شرم الشيخ اجتماعا لقادة عالميين وإقليميين يحضرون المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي سيركز على كيفية تلبية الإصلاح في الشرق الأوسط لمطالب الجيل الجديد من المجتمع العربي الذي يتسم بنسب مرتفعة من صغار السن.

قبل عام كانت إدارة بوش وكثير من المثقفين ينتظرون بحرارة قدوم ربيع عربي، موسم من الانتخابات والاحتجاجات الشعبية تبشر بموجة من الديمقراطية عبر الشرق الأوسط. ويبدو أن التقدم يسير في الاتجاه العكسي في كل مكان تقريبا.

وفي مصر التي كانت التوقعات بحدوث تحول إصلاحي فيها أعلى من غيرها من الدول العربية كشفت المواجهة مع القضاة مدى تخندق نظام مبارك وعناده مع المعارضة، وعبر الانقضاض على القضاة كذبا وبهتانا يؤكد النظام أن التغيير في مصر سيسير ببطء شديد هذا إذا كان هناك إصلاح أصلا.

ورغم ذلك تظهر ثورة القضاة أن هناك سببا يدعو للأمل أيضا: في مصر وفي كافة أنحاء المنطقة، يتقدم بسطويسي وباحثون آخرون عن الحرية بتصميم لم يسبق له مثيل من أجل مطلب التغيير. إنها ليست ثورة. ليس هناك فاسلاف هافل (الرئيس التشيكي السابق الذي قاد المعارضة ضد الحكم الاشتراكي في بلاده) أو نيلسون مانديلا زعيم جنوب أفريقيا. واحتمال حدوث نتائج سريعة ومثيرة هو احتمال محدود.

لكن الديمقراطيين العرب يتسلحون بأعداد متزايدة من المنظمات الحقوقية الجديدة ومجموعات ضغط ووسائل إعلام ومواقع على الإنترنت وهم يطالبون بكل شيء من الانتخابات النزيهة والصحافة الحرة ومراقبة لحقوق الإنسان وحتى المساواة بين الجنسين. وهم يحققون بعض الانتصارات الملحوظة إن لم تكن تمثل تقدما رمزيا كبيرا، وتساعد على إقامة مجتمع مدني يطالب بنهاية سلمية للاستبداد.

التحول الديمقراطي هو انتقال ملحمي في العالم العربي لأن أكثر من نصف قرن من الاستبداد جعل الأنظمة مصممة بعمق على الاستمرار في السلطة مهما كانت التكلفة، وأطاح الحكام المستبدون بمنافسيهم من قدامى السياسيين ومنعوا الأحزاب الجديدة من الظهور، ونتيجة لذلك أتيحت الفرصة للمجموعات الإسلامية التي تنظم أنشطة في أمان نسبي عبر المساجد لاحتكار مجال المعارضة السياسية.

وفي السعي للتغيير التاريخي يثبت أن سياسات إدارة بوش حاسمة في إحداث التحول، والآن يعترف كثير من العرب، والذين كانوا أحيانا يتذمرون من ذلك، بأن الولايات المتحدة أحدثت شرخا في صرح الاستبداد من خلال إسقاط مستبد عربي مثل صدام حسين ومطالبة حلفاء قدامى مثل مبارك بقبول التغيير، مما يعطي الإصلاحيين مساحة انفتاح تاريخية.

ويقول كثير من الإصلاحيين إن الديمقراطية لا يمكن فرضها من الخارج، وعملية الإصلاح يجب أن تكون محلية، لكن الولايات المتحدة تقدم غطاء جويا للإصلاحيين وتحميهم من الأنظمة.

وتعتبر مصر دراسة حالة فيما يتعلق بكيفية حدوث ذلك. فقد حصل الإصلاحيون على دفعة تشجيعية في يونيو الماضي عندما اختارت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس القاهرة كمكان لتلقي فيه خطابا مهما حول الديمقراطية. وفي خطابها اعترفت رايس بأن تحالفات الولايات المتحدة مع الدكتاتوريين العرب لم تعزز الاستقرار العالمي، وأن واشنطن واعتبارا من الآن "ستدعم التطلعات الديمقراطية للناس". وسرعان ما فاجأ مبارك البلاد بالإعلان بأنه سيسمح بإجراء أول انتخابات رئاسية تنافسية في تاريخ مصر. ومضى مبارك ليستخدم أجهزة الدولة لسحق منافسيه التسعة لكنه اضطر إلى إطلاق حملة انتخابية وعد خلالها بالإصلاح وتحمل خلالها انتقادات شديدة تتعلق بالفساد والعجز من جانب مرشحين منافسين ومن جانب معلقين.

وفي الانتخابات البرلمانية السابقة غض مبارك الطرف عن تقدم حركة الإخوان المسلمون بنحو 150 مرشحاً ولم يتمكن من منع وصول 88 منهم إلى مقاعد البرلمان. لكن كتلة الإخوان المسلمين لا تستطيع كأقلية تمرير أو عرقلة أي تشريعات في البرلمان إلا أنها أنشط معارضة في البرلمان يمكن تذكرها.

وللأسف الشديد رد مبارك على الضغوط المتزايدة بالتراجع عن وعوده الانتخابية وقام بشن عدة حملات، ففي الأسبوع الماضي ضربت قوات الشرطة المتظاهرين والصحفيين واعتقلت المئات أثناء مظاهرة مؤيدة للقضاة في أعقاب اعتقال عشرات الناشطين في الآونة الأخيرة. وقبل ذلك حكم على أيمن نور بالسجن خمس سنوات بعد أن أدانته محكمة أمن الدولة بالتزوير في أوراق تسجيل حزبه الجديد الغد، وجدد مبارك العمل بقانون كما أجل انتخابات المحليات.

إلا أن النظام ولأول مرة يدفع ثمناً سياسياً نتيجة تصديه للإصلاح الداخلي، ولأسباب من بينها الاحتجاج على معاملة أيمن نور أوقفت الولايات المتحدة محادثات هامة تتعلق بإتفاقية للتجارة الحرة مع مصر، كما يقوم الكونجرس الأمريكي أيضاً بمراجعة متأنية تتناول المساعدات الأمريكية لمصر والتي تبلغ 1.8 مليار دولار سنوياً.

ويشعر مبارك بدرجة من التململ في صفوف حزبه، ففي مارس الماضي شعر أستاذ العلوم السياسية أسامة الغزالي حرب الذي عينه جمال نجل مبارك لتقديم أفكار إصلاحية جديدة بالإحباط نتيجة التراجع عن الإصلاح، وترك الرجل الحزب الحاكم وتحدث إلى الصحافة المصرية عن الأسباب وهو ما كان بمثابة سخرية من وعود مبارك بإجراء الإصلاح من الداخل.

وكما يقول أحد النشطاء المخضرمين في مجال المجتمع المدني "لقد خرج الجني من القمقم... لا عودة للنظام إلى حكم الرجل الواحد مثلما كان. فقد انكسر حاجز الخوف".

وبسبب كل هذه المبادرات أصبح واضحاً خلال العام الماضي أن تحقيق الديمقراطية في الشرق الأوسط ستكون عملية بطيئة وربما تنطوي أيضاً على بعض العنف، وهناك عدد من الحقائق يؤكد ذلك. ويمثل دعم الرئيس بوش للديمقراطية والنشطاء في العالم العربي تحولاً في السياسة الأمريكية إلا أن سجل الإدارة في هذا المجال يظل غير واضح.

فقد أعاق الصراع العربي الإسرائيلي منذ مدة طويلة تطور الديمقراطية عن طريق دعم أصحاب النفوذ العرب وتغذية التطرف الإسلامي- إلا أنه وفي تناقض واضح للكثير من أسلافه أهمل بوش عملية السلام بين العرب وإسرائيل، وبالنسبة للكثير من العرب فإن تدخل بوش في العراق أفرز عنفاً يومياً وهيمنة دينية وقتالاً طائفياً لا يرغبون في تكراره.

كما أن الديمقراطيين العرب يتساءلون في مدى جدية التزام واشنطن بالديمقراطية بسبب التعاون المستمر بين الولايات المتحدة والأنظمة العربية في القضايا الإستراتيجية مثل العراق وبرنامج إيران النووي وأسعار النفط والحرب على الإرهاب. ويتساءل هؤلاء... هل ستظل واشنطن صامتة إذا سحق مبارك ثورة القضاة؟

إلا أن الديمقراطيين العرب- رغم ذلك يستمرون في عملهم، ومهمتهم خطيرة إذ أنها لا تقتصر فقط على التصدي لحكام يتمتعون بأوضاع راسخة بل يواجهون أيضاً قوى شديدة وأجهزة أمنية ونظماً قبلية ودينية تعارض توسيع الحريات، وبدلاً من قياس النجاح على أساس عدد الانتخابات التي يمكن أن ينظمها العرب فربما يكون من الأفضل إلقاء نظرة أكثر وضوحاً على أعمال آلاف الإصلاحيين الشجعان من أمثال هشام البسطويسي، وقد بدأ هؤلاء الإصلاحيون على المستوى الجماعي في إحداث فرق. لكنهم لا يزالوا بحاجة إلى كل غطاء جوي ممكن.