شعب هاتولي حبيبي
أرابيسك
نشر في الدستور المصرية 24 مايو 2006
الإفيهات العظيمة –وحتى العادية منها- كالأفكار العظيمة، ينبغي أن تنسب إلى أصحابها، فحقوق الملكية الفكرية أصبحت مبدأ عالميا يجب مراعاته.
مثلا، عندما ذهب عدد من مجموعة "أدباء وفنانون من أجل التغيير" للتضامن مع القضاة الخميس قبل الماضي واجههم ضابط محذرا "لا داعي للهتاف يسقط مبارك"، فضحك منه الأدباء والكتاب والفنانون وأشاروا بإبهامهم إلى أعلى، إلى السماء وهتفوا "يصعد مبارك" يصعد مبارك".
منذ فترة سمعت أن أمين اسكندر –الكادر الناصري المعروف- يقول إن فلانا يقول في رفيقه حمدين صباحي –عضو مجلس الشعب ووكيل مؤسسي حزب الكرامة ورئيس تحرير صحيفة الكرامة- كلاما لم يسمعه من قساوسة في الكنيسة عن يسوع المسيح عليه السلام، فأكملت من عندي أن "أمين اسكندر عنده حق، فحمدين فعل لفلان هذا ما لم يفعله الرب ليسوع، ففلان الذي يتحدث عنه ليس صديقا ولا نبيا ولا تظهر عليه أمارات أي موهبة –اللهم إلا إذا كان النفاق موهبة- ومع ذلك يوفر له حمدين كذا وكيت... وبعد يومين لا أكثر سمعت هذا الإفيه من ثلاثة أشخاص ينسبونه لأنفسهم، فقلت سامحهم الله.. متى تنتشر ثقافة الملكية الفكرية في بلادنا!
الأسبوع الماضي جلس أحد الأصدقاء المعروفين بالأفكار المتجددة والإفيهات الطازجة مع رئيس تحرير جريدة أسبوعية شعبية، وفي العدد التالي للجلسة مباشرة قرأت افتتاحية رئيس تحريرها فلمحت بصمات صديقنا واضحة في المقال، فطالبته بأن يعزمنا على القهوة والشاي والشيشة ما دام رئيس التحرير إياه يدفع له في الجلسة الواحدة ربع مرتبه الشهري.
لصاحبنا هذا تحليل للحالة المصرية يختصره في كلمتين "هاتولي حبيبي" وتفصيلها أن اللورد كرومر حضر ذات مرة حفلا للشيخ عبده الحامولي غنى فيه أغنية طويلة جدا وترجمت المعاني للورد كرومر فاندهش من قلة حيلة المطرب –المحب ومن يعبر عنهم في كلمات أغنيته "يا مين يجيب لي حبيبي"، ووصل إلى استنتاج بسيط جدا هو أن الشعب المصري لا يريد أن يفعل شيئا، ويكتفي بالشكوى والدعاء والاستعانة بالقوى المجهولة لكي "تجيب له حبيبه".
وصاحبنا يضيف أمثلة كثيرة من اللزمات الأساسية في الأغاني المصرية ومنها مطلع أغنية شهير لفريد الأطرش يقول "يا ليل... يا ورد... يا زهر.. يا أغصان.. هاتولييي.. م الحبيب... كلمة.. تواسي.. العاشق الحيرااااان"، ولكني للاطمئنان راجعت صاحبنا في حقوق الملكية الفكرية للإفيه فقال بأدب وتواضع "صاحب هذا الإفيه هو الأستاذ أحمد الحصري الكادر العتيد في حزب التجمع".
وعلى الرغم من اندثار مثل هذه الوصلات الاستسلامية من الأغاني المصرية تقريبا، إلا أن المصريين في أغلبهم مازالوا كذلك: النفاق شيمة أصيلة لكثيرين، والميل لجمع المنافقين والاستئناس بهم وربما تربيتهم سمة غالبة لدى كثيرين سواء كانوا سلطة أو معارضة ليعوضوا نقصا أصيلا أو أوهاما كبيرة عن ذواتهم، والاستسلام والاستكانة والاتكال على الآخرين، وعلى قوى غيبية لأداء الواجب والدفاع عن الحق، والهروب من الصف الأول إلى آخر صف، والانتهازية، والبحث عن أي حجة للتراجع، وترك الآخرين يدفعون ثمن النضال.. كل ذلك مذهب معروف في مصر، ولكم في إيماءات المارة من عموم المصريين وهم يشاهدون المظاهرات أو يتفرجون –كما لو كانوا في سيرك- مشاهد ضرب الشرطة للمتظاهرين، مثال واضح" يضاف إلى غيره. لكن دوام الحال من المحال، وليس بعيدا ذلك اليوم الذي يتوقف فيه غالبية المصريين عن الفرجة ويطلعوا على المسرح ليصنعوا مصيرهم بأنفسهم.
أحمد نظيف ينقل عن بوش "الإخوان المسلمين منظمة إرهابية"
زوليك: أمريكا لا تشارك في تلميع جمال مبارك
خطاب مبارك في مؤتمر دافوس بشرم الشيخ يكشف حجم الخلاف مع أمريكا
ضغوط إدارة بوش أصابت مبارك بالصداع
نظيف: بوش وصف الإخوان المسلمين بأنها "منظمة إرهابية"
وصفة أمريكا للتغيير: تشجيع- ضغط -مساعدة
زوليك عن الإخوان المسلمين: واشنطن لا تتعامل مع كل أشكال الإسلام السياسي بنفس الطريقة، بل تميز بين المتشددين والإصلاحيين
ملابسات العلاقة بين مصر وأمريكا –وهي مربط الفرس في الأحداث السياسية في مصر حاليا- تشبه إلى حد بعيد مباراة لكرة القدم، ما قد يغريك باستخدام مصطلحات كرة القدم للتعبير عنها: مراسلة الجزيرة –حامل الراية ضبطت جمال مبارك متسللا في زيارته التاريخية الميمونة والسرية في أحد أروقة البيت الأبيض فرفعت الراية واحتسب الحكم –الفضائيات الخارجية والصحف المستقلة في مصر والعالم- المخالفة، ولك أن تقول أيضا أن الفريق المصري بلا هدافين اللهم إلا حارس المرمى -وزير الداخلية- الذي يواصل إحراز أهداف في نفسه من خلال المعارك الطاحنة التي يخوضها ضربا واعتقالا وتكسيرا في عظام المتظاهرين مع القضاة، أما كابتن الفريق المصري الأكبر سنا في الملعب فمقطوع الأنفاس خائر القوة حائر العينين تائه في الملعب لا يعرف مرمى الخصم من مرمى فريقه، "يباصي الكرة إلى فرود" الفريق المنافس ليحرز أهدافا في مرماه.. وهكذا..
ولأن المباراة ليست مذاعة على الهواء مباشرة فهي تحتاج لشهود عيان ومحللين واستقراء واستنتاج والتقاط إشارة هنا وتصريح بين السطور هناك، ولكن الواضح من أحدث المشاهد -مشهد دافوس في شرم الشيخ أن "التوتر بدأ في الظهور إلى العلن بين مصر وأمريكا" حسبما عنونت شيكاغو تريبيون تقريرا لها من شرم الشيخ، رصدت فيه أن "الرئيس المصري حسني مبارك وجه انتقادات مقنعة إلى الولايات المتحدة ما يكشف عن خلاف متزايد بين الحليفين التقليديين حول سرعة الإصلاح الديمقراطي في مصر ومعالجة إدارة بوش للأزمة النووية في إيران والحرب في العراق، فقد قال مبارك أمام مئات المحللين والأكاديميين والسياسيين في المنتدى الاقتصادي العالمي السنوي حول الشرق الأوسط إن الدول يجب أن تتجنب المعايير المزدوجة و"الانتقائية" عندما يتعلق الأمر بتطوير نووي، في إشارة إلى قلق واشنطن الحاد من طموحات إيران النووية، بينما تظل صامتة بشأن الترسانة النووية التي يعتقد أن إسرائيل تملكها.
وتابعت الشبكة الإخبارية الأمريكية "وقال مبارك أيضا إنه يتصور عالما "بعيدا عن الأعمال أحادية الجانب"، وهو ما فسره المشاركون في المؤتمر كانتقاد للاحتلال الأمريكي للعراق، الذي دفع بالاضطراب في كافة أنحاء المنطقة.
وعلقت بقولها مثل هذه الانتقادات نادرا ما تصدر من مصر وهي أقرب حليف عربي للولايات المتحدة وتتلقى منها سنويا ملياري دولار. لكن ضغوط إدارة بوش من أجل التغيير الديمقراطي الذي تتمنى الولايات المتحدة أن يكون له تأثير متتابع في المنطقة أصابت مبارك بالصداع في الداخل. فقد شجعت الضغوط الأمريكية على مصر مجموعات المعارضة في القاهرة لتنظيم احتجاجات إصلاحية كبيرة ونشر انتقادات حراقة لاحتكار مبارك للسلطة لـ 25 عاما وقوائم طويلة من انتهاكات جهاز الأمن المتضخم لحقوق الإنسان".
***
صحيفة فاينانشيال تايمز أكدت وجود التوتر في العلاقات وكتب مراسلها وليام واليس أن رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف نفى (بعد أن التقى أعضاء من الكونجرس الأمريكي يوم الأحد) أن "تكون القاهرة تشعر بضغوط من واشنطن من أجل تسريع التغيير السياسي" رغم التصريحات الانتقادية التي أصدرها مسئولون في إدارة بوش الإسبوع الماضي. وأضاف أن "علاقات مصر مع الولايات المتحدة لا يمكن أن تستند إلى فرض شروط".
وتابعت الصحيفة أن "نظيف قال إن الرئيس جورج دبليو بوش وصف الإخوان المسلمين في اجتماع العام الماضي في واشنطن "بأنها منظمة إرهابية"، على الرغم من أن الجماعة ليست موجودة على أي قائمة أمريكية للمنظمات الإرهابية.
لكن وكيل وزارة الخارجية الأمريكية روبرت زوليك قال إن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية لقمع التظاهرات السلمية "ليست خاطئة فقط – بل هي أخطاء في حد ذاتها". لكنه أكد أن واشنطن لن تستعمل المعونة السنوية للضغط على نظام الرئيس حسني مبارك لتغيير أساليبه". وقال زوليك أيضا إن الاستراتيجية الأمريكية لنشر الديموقراطية كما هي، مؤكدا أن الشرق الأوسط القديم "انتهى" لكن ذلك التغيير كما حدث في أوربا الشرقية لن يظهر تماما الآن".
وعلقت الصحيفة بقولها "لكن التراجع عن الحرية السياسية في مصر يعتبر آخر انتكاسة للاستراتيجية الأمريكية لنشر الديمقراطية في المنطقة ويأتي بعد أداء انتخابي قوي للإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية العام الماضي.
وقال زوليك إن واشنطن لا تتعامل مع كل أشكال الإسلام السياسي بنفس الطريقة، بل تميز بين الجماعات المتشددة والجماعات الإصلاحية". وعندما سئل عن الإخوان المسلمين تحديدا قال إن من "المهم" للجماعة أن توضح إذا ما كانت تسعى للتغيير من خلال عملية ديمقراطية سلمية".
وعن زيارة جمال مبارك إلى واشنطن مؤخرا ووجود شكوك حول مشاركة واشنطن في تلميع جمال مبارك قالت الصحيفة إن "زوليك نفى ذلك وقال إن الولايات المتحدة لا تعمل على تلميع جمال مبارك"، ابن الرئيس والنجم الصاعد في الحزب الحاكم. والذي عقد اجتماعات في البيت الأبيض الأسبوع الماضي بدا أنها محاولة لتليين رد الفعل الأمريكي على القمع الأمني المتصاعد حاليا".
ووصف زوليك جمال مبارك بأنه "قيادة حزبية مهمة" مفيدة في توضيح الجهود المحلية لإصلاح الحزب الديموقراطي للمسئولين الأمريكيين.
وقال إن الولايات المتحدة "لا تخجل" من إعلان خلافاتها مع القاهرة وستواصل الحديث صراحة وتشجع مصر على تحقيق تقدم في الإصلاح. لكنه أضاف: "لا أعتقد أن من المفيد خفض المعونة (الاقتصادية والعسكرية).. أفضل طريقة لتشجيع التغيير من خلال الجمع بين التشجيع والضغط والمساعدة".