Saturday, April 15, 2006

هل يمكن التعايش مع إيران نووية؟



يبدو الهدوء الصيني والروسي تجاه "فكرة" امتلاك إيران لسلاح نووي في مقابل الانزعاج الغربي الأمريكي والأوروبي والإسرائيلي -ثم بدرجة أقل كثيرا الانزعاج العربي- باعثا على التساؤل وربما إثارة الدهشة، والأمر ليس مرده فقط ارتباط المصالح الصينية والروسية بإيران، فهي أقرب جغرافيا لروسيا والصين من أمريكا على الأقل، وامتلاكها لسلاح نووي يعطيها نفوذا وهيبة أكثر في محيطها الجغرافي شرقا، ما يعد خصما مباشرا من نفوذ القوى الأكبر في وسط وجنوب آسيا، بل مرده ربما خبرة تاريخية منذ عرفت البشرية السلاح النووي هو أنه سلاح دفاعي بالأساس يحقق التوازن في مقابل "الخلل الاستراتيجي" نتيجة المغامرات –ضئيلة الاحتمال- التي قد يرتكبها الآخرون، وتثبت التجربة أن الطرف الوحيد الذي استخدمه هو الولايات المتحدة، وكان استخدامها له باعثا وراء امتلاك الآخرين له، ثم وبنفس الدرجة باعثا على الحرص الشديد أن يكون استخدامه دفاعيا، أي رادعا مضادا في حال التعرض لهجوم، وثانيا أن روسيا والصين ربما تدركان أن المسافة مازالت بعيدة حتى تمتلك إيران سلاحا نوويا والأهم أن الوضع الإقليمي –بعد غزو العراق وكل تداعياته وملابساته- لا يسمح لأمريكا بتكرار ما فعلته مع العراق، وبالتالي يمكن الانتظار أطول فترة ممكنة في مقاعد "الفرجة" لمشاهدة الارتباك الأمريكي وطرق أبواب موسكو وبكين طلبا للمساعدة، ليتأكد على نحو معنوي دورهما في إدارة الأزمات الدولية.

ولكن ما طبيعة المخاوف الغربية؟ وما مدى منطقيتها؟ وهل يمثل امتلاك إيران لسلاح نووي خطرا حقيقيا على مصالح أمريكية أم أنها مخاوف مبالغ فيها ناجمة عن الشعور "بالهيمنة المطلقة" على العالم، والذي يكاد يكون بديهية في الوعي الأمريكي، بحيث يصبح أي تطور موح باختراق هذه الهيمنة مزعجا ودافعا إلى التدخل المباشر، دون النظر حتى إلى إمكانية احتوائه بأساليب أخرى، بل وإمكانية التعايش معه؟

يعكس القلق الغربي تقييما بأن إيران ستحول قدراتها النووية السلمية إلى الاستخدام العسكري، ويخشى صناع القرار السياسي في واشنطن من أن ترسانة نووية إيرانية يمكن أن تثير سباق تسلح إقليمي إذا شجعها ذلك على اتخاذ خطوات عدوانية أو حتى متهورة.

لكن هذه النتائج ليست حتمية، بل إنها ليست بعيدة عن قدرة الولايات المتحدة وحلفائها على احتوائها وكبحها إذا لزم الأمر، وهناك من الأسباب ما يدعو للاعتقاد بأن الولايات المتحدة والغرب يمكنه التعامل بسهولة مع إيران نووية، نعم يبدو سباق التسلح في الشرق الأوسط فكرة مخيفة، لكنها غير محتملة، وإذا امتلكت إيران أسلحة نووية، فلن تستطيع سوى ثلاث دول في المنطقة هي مصر والسعودية وتركيا أن تحشد موارد معقولة لتجاريها، أما إسرائيل
فهي قوة نووية بالفعل، وامتلاك إيران لسلاح نووي قد يدفع الإسرائيليين للإعلان عن ترسانتهم ووضع خطط لاستعمالها في حالة تهديد عسكري إيراني، عندئذ ستجد مصر صعوبة على المستوى الدبلوماسي –على الأقل- للتعهد بنبذ امتلاك السلاح النووي، لكن مصر تعتمد على المساعدات الأجنبية، مما يجعلها عرضة لضغوط دولية هائلة لتمتنع في الغالب عن الدخول في سباق تسلح.

والسعودية لديها –نظريا- الأموال اللازمة لشراء سلاح نووي وتكنولوجيا نووية في السوق السوداء، لكن الموردين المحتملين قليلون ويخضعون لمراقبة مباشرة، وتطوير القاعدة العلمية والصناعية الوطنية اللازمة لبرنامج نووي مكتف ذاتيا تستغرق عدة سنوات، وسيحتاج السعوديون إلى ضمانات أمن نووي من الولايات المتحدة أو أوروبا، والتي ستضغط بالتبعية على الرياض بشدة حتى لا تصنع قنبلة نووية، وأخيرا ربما يكون لدى تركيا الموارد اللازمة لصنع سلاح نووي، لكنها كعضو في منظمة حلف شمال الأطلسي، كانت تعتمد على الضمانات النووية الأمريكية ضد الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة، وليس هناك سبب واضح لافتراض أن الضمانات الأمريكية تبدو غير كافية بالنسبة إلى إيران.

يبدو إذن أن امتلاك إيران لأسلحة نووية قد يسبب إزعاجا لجيرانها، لكن الولايات المتحدة والأطراف الأخرى –وتحديدا أوروبا وإسرائيل- لديها العديد من الأوراق للحد من الانتشار النووي في الشرق الأوسط. لكن ماذا عن فكرة أن مثل هذه الأسلحة يسهل عدوانا إيرانيا؟

من وجهة النظر الغربية يمكن أن يمثل سلاح نووي إيراني ثلاثة مخاطر: أن تعطيه إيران إلى "إرهابيين"؛ أن تستخدمه لابتزاز دول أخرى؛ أن تنخرط في سلوك عدواني على افتراض أن لا أحد، ولا حتى الولايات المتحدة يمكن أن تخاطر بمحاولة غزو دولة نووية أو تقصفها من الجو، والتهديدان الأول والثاني غير محتملين والثالث يمكن السيطرة عليه.

هل تعطي إيران أسلحة نووية إلى إرهابيين؟ المعروف أن طهران أعطت أنواع من الأسلحة إلى منظمات ذات طابع ديني وتحالفت مع منظمات مثل حزب الله في لبنان، لكن التهديد الذي يصعب تنفيذه، بشن هجوم نووي من خلال جماعة ما على دولة نووية سيجعل إيران نفسها هدفا لضربة نووية، وأي دولة تهاجم الولايات المتحدة بأسلحة نووية ستهاجم بكم هائل من الأسلحة النووية، وإسرائيل بالتأكيد تتبنى نفس السياسة تقريبا، وإذا استعملت منظمة "إرهابية" أحد أسلحة إيران النووية، ستضع إيران في اعتبارها أن الضحية ستكتشف منشأ السلاح وتنتقم منها، ولا يمكن أن تسلم أي دولة أدوات إبادتها إلى كيان لا يمكن السيطرة عليه.

من المحتمل أن تستعمل إيران قدراتها النووية في ابتزاز الدول المجاورة لها من أجل تلبية مطالبها -مثل رفع أسعار النفط أو وقف إنتاجه أو وقف التعاون مع الولايات المتحدة، لكن جيران إيران حلفاء للولايات المتحدة، التي تلتزم بواجبات استراتيجية لحمايتهم ومن غير المحتمل أن تستجيب تلك الدول لابتزاز إيران، أو تخضع لها ولا تلجأ إلى الرادع الأمريكي، فالإذعان لإيران مرة يجعل جيرانها عرضة للابتزاز مرات أخرى.

وهناك من يخشى أن تغامر إيران في مواجهة الرادع الأمريكي، وأن تراهن بدلا من ذلك على أن الولايات المتحدة لن تلتزم بواجباتها تجاه دول الخليج - لكن نتائج خسارة مثل هذا الرهان ضد قوة نووية متفوقة جدا مثل الولايات المتحدة خطيرة للغاية، والإيرانيون ليسوا في حاجة إلى خيال سياسي واسع لإدراك ذلك.

يبقى أن إيران نووية قد تجعل دول الخليج تشعر ببساطة أنها أقل منعة أمام مغامرات مثل الأعمال التخريبية أو العدوان بأسلحة تقليدية، لكن الدول الخليجية يمكن أن تواجه أعمال تخريب إيرانية، بغض النظر عن وضع إيران النووي، بالإصلاحات الداخلية وتحسين عمليات الشرطة والاستخبارات – وهي إجراءات تتخذها هذه الدول بالفعل أو ستتخذها بأي حال من الأحوال.

وهناك خوف من أن إيران قد تلجأ إلى نشر التهديد بتصعيد نووي لردع الآخرين عن مهاجمتها، حتى ولو ردا على حرب إيرانية، ومن المحتمل أن يفكر زعماء إيران بهذه الطريقة، ولكن من المحتمل بنفس الدرجة أن يكونوا أكثر حذرا، وطهران لا تستبعد احتمال أن يضربها آخرون لديهم أسلحة نووية أكثر وأفضل أولا –مثل إسرائيل-، ما سيؤدي بالطبع إلى نشوب أزمة أو حرب، وقياسا على تاريخ الحرب الباردة، إذا بدا أن الإيرانيين يعدون قوتهم النووية للاستخدام، ستفكر الولايات المتحدة في ضربة نووية استباقية، وإسرائيل قد تتبنى نفس العقيدة تجاه ترسانة نووية إيرانية.

وهو ما يعني أن الاختيار النووي الإيراني في الغالب ربما يكون ضمانة دفاعية تعوض الخلل الاستراتيجي لصالح إسرائيل في المنطقة، وتمنع أمريكا من محاولة غزوها أو الاعتداء عليها، وعنصرا داعما للاستقرار في المنطقة وحل النزاع العربي الإسرائيلي على أسس أكثر عدلا، وربما مؤشرا على أن "الهيمنة الأمريكية" على مقدرات الشرق الأوسط لا يمكن –او لا ينبغي- أن تظل إلى ما لانهاية "مطلقة".. وهذه ليست تطورات نتمناها، لكنها مخاطر ستأخذها إيران –إذا امتلكت سلاحا نوويا- في الحسبان، وهي أيضا ليست كل الحسابات التي يجب أن تؤخذ بحذر، فإيران لديها جيش كبير، لكن أسلحته التقليدية قديمة، واليوم يستطيع الجيش الإيراني أن يفرض كلفة كبيرة على غزو أمريكي أو قوة إحتلال أمريكية داخل إيران، لكنه إذا حصل على تحسينات كبيرة وغالية جدا يمكنه أن يشكل خطرا جديا على القوات الأمريكية في المنطقة.

وفي ظل توقعات غائمة عن أخطار قيام الولايات المتحدة أو إسرائيل بهجوم استباقي على إيران، وما سينعكس بالضرورة على المنطقة، يبدو الموقف العربي الحالي، وكذلك الموقف الروسي والصيني، الأقل انزعاجا من الغرب والأكثر تحفظا في إدانة إيران أو التحريض ضدها –وبغض النظر عن الدوافع المختلفة لدى كل طرف- هو الموقف الأكثر حكمة.