الأحزاب المصرية شيخوخة بائسة
ماذا حدث للأحزاب السياسية المصرية الرئيسية التي يمكن تسميتها "أحزاب حقيقية- غير ورقية" ذات أيديولوجيا وكوادر معروفة ومخلصة لتوجهاتها، التجمع والناصري والوفد والعمل –المجمد حاليا-، والتي كانت تمثل أو يفترض أنها تمثل، الروافد الأربعة التقليدية في الساحة السياسية على التوالي "الشيوعيين والقوميين والليبراليين والإسلاميين؟، ولماذا تدهور بها الحال إلى أن أصبحت مجرد "صحف" لم تعد هي الأخرى مؤثرة كثيرا كما كانت في بدايتها منذ منتصف السبعينات ثم "شبابها" طوال الثمانينات وجانبا من تسعينات القرن الماضي؟ لماذا تحولت سريعا إلى الكهولة؟
الإجابة التقليدية التي يمكنك أن تسمعها ممن مازالوا منخرطين في تلك الأحزاب تشير بأصابع الاتهام إلى الحكومة، وتقييد الحريات ومنع حركتها بين الجماهير، ومحاولات اختراقها بصنائعها، وعدم السماح بعملية سياسية حقيقية على مستوى تداول السلطة والعملية الانتخابية، من جانب، ومن جانب آخر سد المنافذ مقدما؛ إغلاق فرص العمل السياسي في "مفارخ" الأحزاب أي الجامعات والمؤسسات التعليمية.
ورغم صحة تلك الإجابة إلا أنها لا تكفي لتفسير انهيار وترهل الأحزاب من الداخل، وهو في جانب منه يغطي على "فساد العملية السياسية" داخل الأحزاب منذ بدايتها لأسباب هيكلية تتعلق بثقافة المنخرطين فيها حول "الديموقراطية" كممارسة، والميل إلى الشللية وتكريس المصالح الفردية الضيقة على حساب المصالح العامة للهيكل التنظيمي نفسه، ناهيك عن مصلحة الوطن ككل، والمبالغة في تمجيد "الزعيم" والقائد من جانب المنضوين في الحزب، واستئثاره هو أيضا "بسلطة" القيادة، إنه الخلل في فهم "الدور السياسي للفرد" ولطبيعة المهمة التي يقوم بها في عملية سياسية.
قد تكون الشريحة العمرية التي ينتمي إليها رؤساء تلك الأحزاب الآن دالة في هذا الاتجاه، فبينهما اثنان جاوزا الثمانين وثالث جاوز السبعين وأكثرهم شبابا يقارب سن السبعين، ولا عيب في أن تكون كهلا وقائدا، ولكن المشكلة أن تكون غير مدرك لطبيعة التطور في مجتمعك الصغير "الحزب" والكبير "الوطن"، أن تكون غير مدرك لأهمية أن تكون أنت نموذجا للتغيير مادمت تطالب به، ولو أخذنا أمثلة محددة من كل حزب سنجد أن قيادته شاركت بجهد لا بأس به في منع تجديد حيوية الحزب من الداخل، ما أدى في النهاية إلى انفراط عقده وتحوله إلى "نادي مصغر" من المهمشين السياسيين أو أدعياء العمل السياسي الذي يرتزقون بصورة أو بأخرى من هذا "الوضع الشكلي"، يجترون ذكرياتهم أو يواصلون الصراخ في غرف مغلقة، وتوجيه الاتهامات إلى الخارج، وإصدار البيانات العنترية في المناسبات المختلفة.
حادثتان في الآونة الأخيرة قد تكونان كاشفتان في هذا السياق، إقالة رئيس حزب الوفد د.نعمان جمعة هذا الأسبوع، وقبله بشهر واحد تقريبا سقوط خالد محيي الدين زعيم حزب التجمع في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة في دائرته التي احتكر الفوز فيها ما يزيد على ربع قرن، وببساطة لو أن كلا منهما أدرك "المتغيرات" السياسية ومن قبل ذلك لو أدرك "طبيعة دوره كفرد في عملية سياسية" لما تعرضا بما لديهما من تاريخ سياسي يلقى احترام كثيرين إلى هذا المأزق، "سقوط في انتخابات وفصل من رئاسة حزب".
وكأن لسان حال زعماء أحزاب المعارضة في تشبثهم بـ "السلطة الصغيرة" في "أحزابهم الصغيرة" يقول "لا عتب على نظرائنا في الحزب الحاكم الذين يتشبثون بآخر أنفاس السلطة الكبيرة.. كلنا في الهم سلطة".