Tuesday, February 05, 2008

روبرت فيسك يكتب عن أوهام بوش وأحلام العرب

الملك عبد الله منح بوش قلادة الملك عبد العزيز التي تمنح في السعودية لكبار قادة وزعماء العالم) لكن لم يكشف أحد عن سبب هذا "التكريم النفاقي" وربما يكون إمداد المملكة بأسلحة تستعملها ضد أعداء النظام السعودي الخياليين.

ـ بوش يعود إلى "سياسة التخويف" التي يتبعها المسئولون الأمريكان بانتظام في زياراتهم إلى قادة الخليج

ـ بوش تخلى عن دعوة الديموقراطية وعاد إلى مفهوم "الشرق الأوسط القديم"، حيث يعمل بنشاط رجال الأمن السريين، وتعمل غرف التعذيب - وحيث يكون سماع أنين السجناء مفيدا – تحت إمرة رؤساء وملوك دكتاتوريين "معتدلين"،. فمن ياترى من الطغاة العرب سيعترض على ذلك؟

بينما تنفجر قنبلة في بيروت وتقتل إسرائيل 19 فلسطينيا في هجمات على غزة، يأخذ بوش مهمته لسلام الشرق الأوسط إلى السعودية (ويوقع صفقة أسلحة قيمتها 20 مليار دولار مع نظام قمعي)

خلف ستائر مخملية من الحرير - وفي غرفة نوم جدرانها مغطاة أيضا بالحرير- في قصر الملك عبد الله السعودي نفسه، استيقظ الرئيس جورج بوش هذا الصباح لمواجهة الشرق الأوسط الذي لا يتحمل أي علاقة بسياسات إدارته ولا التحذير الذي يكرره باستمرار على مسامع الملوك والأمراء والشلة الحاكمة في الخليج وهو أن: إيران وليست إسرائيل هي عدوهم.

جلس الرئيس جلسات حميمية بجوار الملك الذي كان ودودا جدا معه أمس، مرتديا –بشكل يثير الانتباه والتشكك- سويتر أزرقا عاديا من النوع الذي قد يرتديه في مزرعته الخاصة في تكساس؛ وأعطى الملك عبد الله لبوش قلادة من الذهب رفيعة القيمة (قلادة الملك عبد العزيز التي تمنح في السعودية لكبار قادة وزعماء العالم)، لكن لم يكشف أحد السبب في منح بوش هذه الجائزة الملكية، ربما يكون سبب "التكريم النفاقي" إمداد المملكة حتى الآن بأسلحة قيمتها مليارات الدولارات، لكي تستعملها ضد أعداء النظام السعودي الخياليين.

هي كانت خداعا بالطبع مثل كل الكلمات التي سمعها العرب من الأمريكيين في الأيام السبعة الماضية، منذ أن بدأ الرئيس "الباهت" نزهته السياحية حول الشرق الأوسط.

ربما لا تعتقد ذلك وأنت تشاهد هذا الرجل السخيف وهو يقفز متأبطا الملك ذراعا في ذراع، فيما يفترض أن يكون نوعا من الرقص (العرضة السعودية)، التي يستخدم فيها السيف السعودي المقوس، الذي لوح به ذات يوم صلاح الدين، ذلك الزعيم الكردي الذي هزم الصليبيين من قبل، من أجل ما يسميه بوش الآن "بالضفة الغربية المتنازع عليها".

هل هذا هو السلوك الذي يفترض أن يسلكه رؤساء "البطة العرجاء" الأمريكان؟ بالتأكيد سيسأل سكان الشرق الأوسط الذين شاهدوا هذا المشهد السخيف هذا السؤال. منذ أن اندلعت الثورة الإيرانية عام 1979، وهناك حرب باردة إسلامية داخل الشرق الأوسط - لكن هل هذه هي الطريقة التي يفكر بها بوش للنضال من أجل روح الإسلام؟

قبل أن يحل مساء ليلة أمس، انفجر عالم الرئيس الأمريكي في بيروت عندما انفجرت سيارة مفخخة بجوار سيارة رباعية الدفع تقل موظفين بالسفارة الأمريكية، وقتل أربعة لبنانيين وأصيب سائق السفارة الأمريكية إصابة بالغة على ما يبدو. وبينما كان بوش مستلقيا في المزرعة الملكية السعودية في الجنادرية، قتلت القوات الإسرائيلية 19 فلسطينيا في قطاع غزة، معظمهم من أعضاء حماس، أحدهم ابن محمود الزهار أحد قادة الحركة، والذي قال لاحقا إن إسرائيل لا تنفذ ذلك الهجوم – الذي حدث في نفس اليوم الذي مقتل فيه إسرائيلي بصاروخ فلسطيني - ما لم يكن قد شجعها جورج بوش على القيام بذلك.

الفارق بين الواقع وعالم أوهام الحكومة الأمريكية ما كان يمكن أن يُتصور بشكل وحشي أكثر من هذا، بعد وعده للفلسطينيين "بدولة ذات سيادة" قبل نهاية العام، والتعهد "بالأمن" لإسرائيل – دون وعد بـ"الأمن" لـ"فلسطين"، كما يلاحظ العرب بوضوح، - وصل بوش إلى الخليج ليثير فزع الملوك حكام الممالك الغنية بالنفط من خطر العدوان الإيراني، وكالمعتاد جاء مسلحا بالعروض الأمريكية المعتادة لمبيعات أسلحة ضخمة لحماية أنظمة هذه الدول البوليسية وغير الديموقراطية من أقوى دول "محور الشر".

إنه نموذج فعال –وغريب أيضا- لتجوال الرئيس الأمريكي في الشرق الأوسط العربي على غير هدى، وعودة إلى "سياسة التخويف" التي تتبعها الولايات المتحدة بانتظام في الزيارات إلى قادة الخليج. ووافق بوش على إمداد السعوديين بما يزيد على صفقة الأسلحة التي أعلنت العام الماضي والتي بلغت قيمتها 10 مليارات جنيه استرليني لملوك الخليج - والتي يفترض أن تحميهم من الطموحات الإقليمية المفترضة لرئيس إيران غريب الأطوار محمود أحمدينجاد. وكالمعتاد، وعدت واشنطن إسرائيل بأن "تفوقها النوعي" في الأسلحة المتقدمة سيتم الحفاظ عليه، حتى في حالة أن يقرر السعوديون - الذين لم يدخلوا أي حرب على الإطلاق باستثناء النزاع مع صدام حسين عقب إحتلاله الكويت في التسعينيات - شن هجوم إنتحاري على حليف أمريكا الحقيقي الوحيد في الشرق الأوسط.

هذا بالطبع ليس كل جوانب العرض الكامل الذي أهدي للعرب، فالسيد بوش شوهد وهو يقبل خدي الملك عبد الله ويقبض بحميمية على يد الملك الاستبدادي الذي أظهرت دولته الإسلامية الوهابية "رحمتها" مؤخرا فقط تجاه امرأة سعودية اتهمت بالزنا بعد أن اغتصبت سبع مرات في الصحراء على مشارف الرياض، وغني عن القول إن السعوديين يدركون تماما أن عهد الرئيس بوش ينتهي في ظل فوضى في باكستان، وحرب عصابات كارثية ضد القوات الغربية في أفغانستان، وقتال عنيف في غزة، وحرب أهلية وشيكة في لبنان وكارثة هائلة في العراق.

والقنبلة التي انفجرت في بيروت قبل الخامسة مساء، تمثل صدمة وقحة للرئيس المسترخي في الرياض الذي يتمتع بمثل هذه العلاقات الوثيقة بالنظام السعودي - على الرغم من حقيقة أن غالبية مختطفي الطائرات في الجريمة ضد الإنسانية التي وقعت في 11 سبتمبر 2001 جاءوا من المملكة - حتى أنه سمح لأمرائها الشبان بالطيران من الولايات المتحدة عائدين إلى وطنهم فور الهجمات، والرحلتان اللتان قام بهما الملك عبد الله إلى مزرعة بوش الخاصة في تكساس كانتا كفيلتين على ما يبدو لمنح الرئيس الأمريكي ليلة في مزرعة قصر الملك السعودي، محاطا بالخضرة والتلال العشبية الرائعة.

والقنبلة التي سمع صوت انفجارها على مسافة أميال من العاصمة اللبنانية، دمرت بنايات في شارع ضيق في شرق بيروت كانت تمر فيه السيارة، بينما كان السفير الأمريكي يتجه - عبر مسار آخر في المدينة - نحو فندق في وسط المدينة قبل توجهه إلى واشنطن، لكن متحدثا باسم وزارة الخارجية أكد عدم حدوث أي إصابات لمواطنين أمريكيين. وكانت السيارة الأمريكية قد اتخذت مسارا غير معتاد قريبا من جسر الكرنتينا للسير نحو شمال بيروت على طول ضفة نهر المدينة الوحيد عندما تعرضت للتفجير، مما دعا المسئولين العسكريين اللبنانيين إلى التساؤل إذا ما كان مفجر القنبلة كان يعرف بدقة المسار الذي ستتخذه السيارة.

وهناك من يقول إن السيارة كانت قافلة "وهمية" بهدف صرف انتباه مفجري القنابل المحتملين عن مسار قافلة السفير جيفري فيلتمان الذي كان متجها لحضور استقبال في فندق بوسط المدينة، وكان الانفجار شديدا إلى درجة تدمير مصنع لإنتاج السجاد وانهيار سقفه وتحطم النوافذ في دائرة قطرها نصف ميل من مسرح الحادث.

بالنسبة إلى القادة العرب، كانت رسالة الرئيس بوش لقادة الخليج مألوفة تماما، ففي الثمانينات عندما كانت إدارة ريجان تدعم غزو صدام حسين لأراضي إيرانية، بذلت واشنطن جهدا كبيرا لتحذير قادة الخليج من خطر العدوان الإيراني. وعندما غزا صدام الكويت تغير التأكيد الأمريكي: الآن أصبح العراق هو الذي يشكل الخطر الأعظم على ممالكهم، لكن بعد تحرير الإمارة، تم إبلاغ ملوك النفط الأغنياء - ثانية - أن إيران عدوهم.

العرب لم يعودوا يقتنعون بهذه القصص المكررة عن "الخير مقابل الشر" ولا بوعود واشنطن بالمساعدة في إنشاء دولة فلسطينية في نهاية العام، قبل يوم واحد من إعلان إسرائيل خططها لبناء مزيد من البيوت للمستوطنين على أراضي عربية وسط مستعمرات يهودية أقيمت بشكل غير قانوني على الأرض الفلسطينية.

ولفهم طبيعة هذه العلاقة الإستثنائية مع ملوك الخليج، من الضروري التذكير بأن واشنطن - مع بريطانيا وفرنسا وروسيا - تواصل ضخ الأسلحة إلى المنطقة، منذ أن وعد بوش الأب بـ"واحة سلام خالية من الأسلحة" في الخليج!

خلال العقد الماضي وحده أنفق عرب الخليج مليارات الدولارات النفطية على الأسلحة الأمريكية، والإحصائيات تروي قصتهم: في 1998 و1999 وحدهما وصل الإنفاق العسكري في الخليج العربي إلى 40 مليار استرليني، وفيما بين عامي 1997 و2005، وقع شيوخ الإمارات العربية المتحدة – الذين استضافوا بوش قبل أن يواصل جولته إلى الرياض - عقود أسلحة قيمتها 9 مليارات استرليني مع دول غربية، وفيما بين 1991 و1993 – عندما كان العراق "عدوا" – كانت فرق التدريب العسكري الأمريكية تدير أكثر من 14 مليار استرليني من ترسانة السلاح السعودية وباعت أمريكا لها ما قيمته 12 مليار استرليني من الأسلحة الأمريكية الجديدة. والآن يمتلك السعوديون 72 طائرة أمريكية من طراز إف -15 القاذفة المقاتلة و114 من طراز تورنادو البريطانية.

فماذا تغير في السنوات الـ17 الماضية، في 17 مايو 1991، على سبيل المثال، قال جورج بوش الأب إن هناك "أسباب حقيقية للتفاؤل" حول السلام في الشرق الأوسط. "نحن سنواصل العمل في عملية (السلام). "نحن لن نتخلى عن السلام".

وجيمس بيكر، الذي كان وزيرا للخارجية الأمريكية، حذر في 23 مايو 1991 من أن استمرار بناء المستوطنات اليهودية على الأراضي الفلسطينية "يعوق" السلام في الشرق الأوسط مستقبلا، بالضبط مثلما قالت وزيرة الخارجية الحالية الأسبوع الماضي، وفي الوقت نفسه طمأن ديك تشيني الإسرائيليين بأن الولايات المتحدة ستحمي "أمنهم".

ربما أن الغرب يمتلك ذاكرة ضعيفة، لكن العرب، الذين يعيشون في هذه المنطقة التي تسمى الشرق الأوسط ليسوا أغبياء، وليست ذاكرتهم ضعيفة بنفس الشكل، هم يعرفون جيدا ماذا يريد جورج بوش الآن، فبعد دعوته لنشر "الديمقراطية" في المنطقة –تلك السياسة التي تسببت في فوز الشيعة في الانتخابات في العراق، وفوز حماس الساحق في غزة والمكسب الكبير الذي حققه الإخوان المسلمون في السلطة السياسية في مصر - يبدو واضحا أن واشنطن اكتشفت خطأ أولويات بوش، بدلا من أن يدعو "لشرق أوسط جديد"، يحاول بوش، المستلقي وسط الأرائك الحريرية في قصر الملك السعودي، العودة إلى "الشرق الأوسط القديم"، حيث يعمل بنشاط رجال الأمن السريين، وتعمل غرف التعذيب - وحيث يكون سماع أنين السجناء مفيدا – تحت إمرة رؤساء وملوك دكتاتوريين "معتدلين"،. فمن ياترى من الطغاة العرب سيعترض على ذلك؟

ترجمة أيمن شرف – الدستور- 17 يناير 2008

مقالات هيكل والشخصنة


يبدو أن مقالات محمد حسنين هيكل الستة التي امتنع عن نشرها 25 عاما، بناء على رغبته واستجابة لرغبة الرئيس مبارك، ثم نشرها أخيرا في المصري اليوم، قد وجدت طريقها متسللة إلى خطاب الرئيس مبارك بمناسبة عيد الشرطة، فالرئيس قال تلميحا إن "عجلة التاريخ لا تعرف الرجوع الى الوراء، والأصوات الآتية من الماضي لا مكان لها في حاضر الوطن ومستقبله". وتابع: "إننا نعي جيدا اعتبارات أمننا القومي، فلا نفرط فيها، ولا نسمح لأحد بأن يقترب منها أو يحاول اختراقها، كما نعلم ما نواجهه من مخاطر وتحديات، مابين إرهاب يتربص بنا، وتطرف يستتر بعباءة الدين ليعود بنا إلى الوراء، ومحاولات للوقيعة بين مسلمينا وأقباطنا، وقوى خارجية تحاول التدخل في شئوننا تحت ذرائع مختلفة، وأخرى من بيننا تنشر دعاوى التشكيك والإحباط".

وإذا كان هذا التلميح صحيحا، فإنه يرقى لمستوى "النكتة"، فمقالات هيكل الستة وإن لم تنشر نصا طوال هذه السنوات الخمس والعشرين، فقد نشرت ضمنا في العديد من مقالاته وكتبه التي ألفها في هذه الفترة الطويلة، وتناول محتواها أيضا في لقاءاته التليفزيونية على قناة الجزيرة، وتناول كثيرون من الكتاب والمفكرين تلك المحاور المتعلقة برؤية أمن مصر القومي، والصحف والمجلات والكتب التي تتناول ذلك الموضوع وتنتقد السياسة المصرية في عهد الرئيس لا حصر لها.

ونشرها الآن ليس إلا نوعا من التوثيق لوجهة نظره، وليست –في ظني- تعبيرا عن موقف، فلو كانت كذلك لأصر هيكل على نشرها في حينه بأي صورة من الصور، لكي يسجل موقفا ويتحمل تبعاته، لكن هيكل على ما يبدو لا يفضل مثل هذه الاختيارات الحدية، وتاريخه مع الرئيس عبد الناصر تحديدا، ومع الرئيس السادات –جزئيا- يؤكد ذلك.. لا يفضل مقعد المعارض، وإنما يكتفي بمقعد المستشار والناصح، فلا يدخل معارك من أجل وجهة نظره تحسبا للعواقب، وربما اقتناعا منه بأنه لا جدوى من معارضة الرئيس –أي رئيس- حتى لو كانت المعارضة ضرورية لكي يتخلى الرئيس –أي رئيس- عن إحساسه بأنه المتصرف الأوحد في الأمور، وأن الآخرين من حقهم أن يكون لهم دور ورأي وكلمة مخالفة، بل وتأثير واضح في الرأي العام.

فلماذا هذه الحساسية من مقالات هيكل تحديدا، هل لأنها كانت موجهة إلى الرئيس شخصيا، هل لأنها تتحدث بأثر رجعي عما كان يجب عمله، ولم يُعمل، فظهرت النتائج الكارثية واضحة للعيان، هل اعتبرها المحيطون بالرئيس نوعا من "المعايرة"، على طريقة "مش قلت لكم قبل كده وإنتوا ما انتبهتوش"، لماذا هذه الشخصنة؟
أرابيسك أيمن شرف