Sunday, September 24, 2006

صحف أجنبية مبارك الصغير يسير على حبل الوراثة


ـ فكرة البرنامج النووي المصري والانتقاد المقنع لواشنطن يغطي على عيوب جمال مبارك كمرشح للرئاسة: نقص خلفيته العسكرية وأنه هو وأبوه خادمان مطيعان لواشنطن
ـ المصريون يطلقون النكات حول سعي ابن الرئيس المحموم عن مسوغات الرئاسة
ـ جمال سيفقد 90 بالمائة من التأييد فور وفاة أبيه


الهروب من الحديث عن الخبز والمعاشات إلى الكلام عن الطاقة النووية لتلميع جمال، هذا هو العنوان العريض لمؤتمر "الأنتكخانة" الشهير بمؤتمر الحزب الوطني.. لا شيء جديد ولا فكر جديد، ولا حتى أخبار جديدة (باستثناء شخير النائمين أثناء الخطاب المطول للفتى الجهبذ ابن الرئيس العظيم)، ليس هناك من شيء واضح في مؤتمر حزب "الاحتلال" الوطني غير جماعة تفترض -وتظن- أنها ستظل تحكم مصر للأبد، وتدعي كذبا وبهتانا أن "كل شيء تمام ومصر في أحسن حال، وكل ما في الموضوع أن صحف المعارضة ناس مسيئة مش فاهمه حاجة".
فجأة وبدون مقدمات مثل الأشياء التي تحدث على غفلة اقترح الفتى الجهبذ أن تدرس مصر استخدام الطاقة النووية السلمية، وهات يا تصفيق، وكأن "الإيراني محمود أحمدي نجاد" قد دخل متخفيا إلى كواليس المؤتمر، وكأن "الناس في مصر مازالت تأكل من الكلام ده"، ومن بين ما قاله أيضا كلام "أصبح" عبيطا عن أن مصر دولة كبيرة "لا تقبل مشروعات من الخارج"، طيب هل هناك مشروعات من الداخل؟، وهل "مازالت" مصر بالفعل دولة كبيرة طالما أن هؤلاء الصغار هم الذين يديرونها بمنطق حلب ثرواتها وبيع مصادر قوتها وتقليص دورها في المنطقة لصالح أساطين البيزنيس ولصالح الشريكين الاستراتيجيين الأمريكي والإسرائيلي؟، وهل مصر لا تقبل تبويس الأيادي واستجداء الرضا والقبول من ولاة الأمور في واشنطن، ومناقشة الخطط المستقبلية في أروقة البيت الأبيض مع تشيني ورايس وقبلهما ستيفن هادلي مستشار الأمن القومي الأمريكي؟.
باختصار هي حالة من الكلام.. من تكرار عبارات التدليس والتطجين والتهييس، هي مجرد خلفية لعملية ترفيع وتلميع الوجيه الأمثل والفتى الجهبذ نجل الرئيس العجوز، وجوقته الجديدة من جماعة الإصلاح الجواني الاستبطاني غير المفهوم على الإطلاق، مجرد خلفية لعملية سطو غير مسلح على السلطة أو قل عملية انتقال للسطو على السلطة، فلم يكن السابقون –كاللاحقين- يتمتعون بأي شرعية لحيازة السلطة ووجاهتها وهيلمانها وفلوسها أيضا.
هذا ما عندي من تعليق ولننتقل إلى ما عند الصحف الأجنبية هذا الأسبوع على مؤتمر "جماعة" الحزب اللولبي الأرسقراطي الشهير بالحزب الوطني الديموقراطي.

***

في واشنطن بوست 20 سبتمبر نقرأ تحت عنوان "ابن مبارك يطالب بتطوير نووي": دعا ابن الرئيس المصري بلاده إلى دراسة تطوير الطاقة النووية، وهو اقتراح يمكن أن يساعد على تأسيس أوراق اعتماده الخاصة كسياسي جاد ويبعده علنا عن الولايات المتحدة.

منذ أن اتخذ جمال موقعا بارزا في حزب أبيه عام 2002، كثرت الشائعات عن أنه سيحل محل أبيه. وقد غذى ذلك التكهن ظهوره المتكرر في مهام رسمية في مصر وعدة رحلات إلى الولايات المتحدة، شملت اجتماعات مع كبار المسئولين الأمريكيين. وقد نفى جمال مرارا أنه يريد وراثة أبيه.

وأكد جمال خلال الخطاب الذي امتد أكثر من ساعة أمام أعضاء الحزب الوطني أن بلاده عليها "مسئولية تقديم رؤية جديدة من أجل الشرق الأوسط تستند على هويتنا العربية" وتعهد جمال "بعدم قبول أفكار حول الشرق الأوسط الكبير أو الشرق الأوسط الجديد"، في إشارة إلى الأفكار التي قدمتها إدارة بوش التي تقدم لمصر مساعدات سنوية كبيرة.

***

وفي جلوب أند ميل 22/9/2006 كتب مارك ماكينون تحت عنوان "ابن الرئيس المصري يسير على حبل الوراثة":

في مايو الماضي شعر كثيرون في مصر أن جمال مبارك يتم إعداده بقوة ليكون رئيس مصر القادم، حيث يتعرض نظام أبيه حسني مبارك، الديكتاتور العسكري الذي لم يسمح بمعارضة حقيقية أثناء حكمه طوال 25 عاما، لضغوط غير عادية. فقد أظهر الإخوان المسلمين أداء مفاجئا أثناء الانتخابات البرلمانية في الخريف الماضي على الرغم من الإجراءات الهائلة التي اتخذها النظام لعرقلتهم. في الوقت الذي أصبحت المظاهرات المطالبة باستقالة الرئيس مشهدا متكررا في القاهرة.

وكان الجانب الأكثر إثارة للقلق أن الولايات المتحدة التي تدعم الحكومة بنحو ملياري دولار سنويا، راحت تغازل معارضي النظام. وأبدت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس أثناء زيارة لمصر استيائها علنا من نقص الإصلاحات السياسية في البلاد.

وفي شهر مايو طار جمال إلى واشنطن فيما كان يفترض أنه زيارة سرية، حتى تم تسريب تفاصيلها إلى أجهزة الإعلام. وفي العاصمة الأمريكية أتيح لجمال الذي يفترض أنه مجرد مواطن بلا أي منصب حكومي رسمي استقبالا غير عادي: اجتماع مع نائب الرئيس ديك تشيني واجتماع آخر حضرته رايس ومستشار الأمن القومي ستيفن هادلي.

وسارت تلك الاجتماعات على ما يرام والتي جاءت بعد يوم واحد فقط من ضرب الشرطة للمتظاهرين المؤيدين للقضاة الذين شككوا صراحة في نزاهة الانتخابات البرلمانية. وتوقف الرئيس جورج بوش بنفسه لكي يرحب بجمال ويحمله تحياته إلى أبيه.

وفي هذا الشهر بدا بوش خلال مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال مؤيدا لجمال، وقال إنه متفائل بأن جمال ودائرته من "الإصلاحيين الشبان" يأخذون مصر في الاتجاه الصحيح.

وهذا الأسبوع، ومع استعادة النظام بحزم للسيطرة على الشارع وووضع شخصيات معارضة خلف القضبان، سيطر جمال على مؤتمر الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم.

وفي خطاب استمر لمدة ساعة حدد السياسات واقترح إجراء تعديلات دستورية واقترح أن تتبنى مصر استخدام الطاقة النووية.

وبينما ترك أبوه عمدا منصب نائب الرئيس خاليا، لا يستطيع جمال أن يتولى ذلك المنصب، لكنه يبدو كالوريث المختار، وهو الأمر الذي ينفيه هو وأبوه.

من جانب آخر يحتج السياسيون المعارضون على "الاستبداد الفرعوني" بسبب تسليط الأضواء على الابن، ويقول المعارضون إن قلة الخبرة العسكرية لجمال مبارك قد تمنعه من الرئاسة، ويقول أحدهم أن "حسني مبارك سيموت وهو في السلطة، وسيفقد جمال 90 بالمائة من التأييد فور وفاة أبيه، فمصر لا يمكن أن يحكمها مدني".

***

وفي أقصى الشرق.. في الهند تقول صحيفة إنديا تايمز إن "المحللين الأمريكيين اعتبروا على الفور دعوة جمال لاستخدام الطاقة النووية تحركا محسوبا لتحسين صورة مبارك الصغير يمكن أن يثير تأييد النخبة السياسية في البلاد.

وقال خبير مصري "إذا كانت جميع أنشطتنا النووية سلمية وشفافة وتحت رقابة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية فلماذا تكون هناك اعتراضات على حقوقنا المعترف بها قانونيا؟ ما هي الحكومات التي تعترض على هذه الحقوق؟ إنها حكومات هي نفسها تستفيد من الطاقة النووية ودورة الوقود". وأضاف أن "مصر حليف إستراتيجي للولايات المتحدة ولا تريد مواجهة معها حول برنامج نووي. بل تريد التعاون. ولماذا تساعد الولايات المتحدة الهند في برنامجها النووي ولا تساعد مصر؟".

***

وفي تقرير موسع في نيويورك تايمز كتب مايكل سلاكمان وجانو شربل ووليام برود أن "جمال مبارك ابن الرئيس المصري اقترح أن تتبنى بلاده إنتاج الطاقة النووية ما أثار تصفيق النخبة السياسية في الحزب الوطني، وأثار احتمالات أن يحل جمال محل أبيه كرئيس.

وقد أثار الخطاب السياسي الذي أعد بعناية تطورين محرجين بالفعل للبيت الأبيض هما: برنامج نووي في مصر التي تتلقى معونة سنوية من الولايات المتحدة، وخلافة مبارك لأبيه حسني كرئيس بدون تحدي سياسي كبير.

وقد اعتبر محللون سياسيون وخبراء في الشئون الخارجية موضوع طموحات مصر النووية ببساطة مجرد محاولة محسوبة لتحسين وضع جمال مبارك وخلق تأييد في الرأي العام من خلال افتعال مواجهة مع واشنطن.

عندما دعا الرئيس بوش إلى دعم الديمقراطية في الشرق الأوسط، تطلع إلى مصر كقائدة لذلك التوجه. ولكن الإدارة تراجعت عن الضغط من أجل الديمقراطية في مصر في ظل الفوضى التي حدثت في المنطقة، وفي ظل احتياج أمريكا لحلفاء أقوياء.

وبدلا من ذلك، شهدت البلاد انتكاسة في مكاسب سابقة، واعتقل النظام شخصيات من المعارضة، وضرب المتظاهرين في الشوارع، ومنع إنشاء الأحزاب السياسية الجديدة وأجل الانتخابات المحلية عامين.

وفي خطابه أمام الحزب لم يحدد جمال مبارك تصورا لبرنامج نووي، لكن هناك عدة مسارات محتملة. فإذا اشترت مصر، على سبيل المثال، الوقود النووي من الخارج لتشغيل مفاعلاتها تحت تفتيش دولي، وبعد ذلك أعادت الوقود المستنفذ إلى مورده فلن يشكل ذلك أي تهديد كبير لتحويل الأنشطة إلى برنامج عسكري، كما يقول خبراء نوويون. وقد اقترحت إدارة بوش والدول الأوروبية ترتيبا مماثلا لحل المواجهة مع إيران لكنها ترفض هذه الفكرة حتى الآن.

المشكلة ستأتي إذا أصرت مصر، مثل إيران، على تطوير قدراتها لإنتاج الوقود وحدها، ما يعطيها نظريا القدرة أيضا على إنتاج اليورانيوم بدرجة عسكرية.

وقد رحب كثير من الخبراء باقتراح جمال مبارك ورفضوا القول أنه قد يشكل تهديدا للغرب.

وفي المؤتمر السنوي الرابع أعاد الحزب التركيز في محاور المؤتمر التركيز على قضايا الخبز، والمعاشات والوظائف وحتى دعم كرة القدم التي تمثل هوسا وطنيا.

ولم يقل جمال ولا أبوه إنه ليس مهتما بالرئاسة. لكن المحللين السياسيين قالوا إن مصر جادة بخصوص الطاقة النووية وأن الخطاب استهدف بوضوح تعزيز وضع مبارك الصغير. وحتى أعضاء الحزب قالوا إن جمال سيكون مرشح الحزب للرئاسة في 2011.

ويمكن أن يساعد الابتعاد قليلا عن واشنطن والسعى لامتلاك الطاقة النووية في التغطية على عيبين رئيسين في جمال مبارك إذا كان سيترشح للرئاسة: نقص خلفيته العسكرية وأنه هو وأبوه خادمان مطيعان لواشنطن. البرنامج النووي قد يساعده على كسب تأييد الجيش والنقد المقنع لواشنطن قد يساعده على اكتساب بعض المصداقية لدى الرأي العام.

وإذا كان من المتوقع أن تكون فترة رئاسة مبارك الحالية هي الأخيرة له. فإن أعضاء الحزب المقربون من مبارك الابن يعترفون بأنه ليس هناك مرشح آخر في الأفق، لا في الحزب ولا في بقايا المعارضة المسحوقة والمشوشة.

ومن جانب آخر يطلق المصريون النكات كثيرا حول سعي ابن الرئيس المحموم عن مسوغات تولي منصب الرئيس. وأنه زار واشنطن مؤخرا لكي يسلم عليه الرئيس بوش. فيما يصر الحزب على أنه ذهب إلى الولايات المتحدة فقط من أجل تجديد رخصته في قيادة الطائرات.

***

وأخيرا نختم برد الفعل الأمريكي الذي لم يزد عن تصريحات للسفير الأمريكي في القاهرة ونشرته عدة صحف أمريكية من بينها واشنطن بوست، وهو ما يؤكد حتى الآن استنتاج الخبراء الذي قرأته في السطور السابقة وأن موضوع الطاقة النووية ليس إلا تلميعا لنجل الرئيس..

***

قال السفير فرانسيس ريكاردون إن الولايات المتحدة ليس لديها مشكلة مع برنامج نووي مصري وهي مستعدة لإمدادها بالتكنولوجيا اللازمة. وأضاف "ليس هناك مقارنة بين إيران ومصر في هذا المجال. إيران لديها برنامج أسلحة نووية، لكن استعمال الطاقة النووية للأغراض السلمية مسألة مختلفة تماما". "إذا قررت مصر بعد دراسة تفصيلية في هذا الموضوع أن الطاقة النووية شيء إيجابي ومهم لها، فإننا يمكن أن نتعاون في هذا المجال. لم لا؟".

والدعوة التي جاءت على لسان جمال مبارك أولا تتعلق أكثر بأمور داخلية: هي من أجل تأسيس أوراق اعتماد مبارك الصغير كسياسي جاد يطالب ببرنامج تكنولوجي طموح.

وضمنيا، سيضع ذلك مسافة بينه وبين الولايات المتحدة في عيون المصريين، حيث يتعاطف كثير من المصريين مع موقف الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد حول حق إيران في امتلاك التكنولوجيا النووية على الرغم من الضغوط الأمريكية. ويعتقد كثيرون في مصر أن جمال المرتبط برجال الأعمال يوضع على المسار لخلافة أبيه.

***
المقال منشور في صوت الأمة الأحد 24 سبتمبر 2006