Tuesday, April 25, 2006

مبارك الوقح


ما وجه الشبه بين حسني مبارك وأيمن الظواهري؟
وقاحة مبارك أوضح مثال على غدر بوش
واشنطن لم تفهم أن "الوقح" لا يمكن إحراجه أبدا
رسالة مبارك إلى الأقباط: "لم نعد نخشى غضب بعض أعضاء الكونجرس من أجلكم"
"في مصر هناك حديث معلن وآخر سري وخصوصا بين المسيحيين"

***

يمكنك أن تسمع نكاتا في مصر عن أوجه الشبه بين حسني مبارك وأيمن الظواهري مثل "الظواهري لا يخاف من الموت إنما مبارك بيخاف موت.. من الموت"، أو نكاتا عن الفرق بين آخر حديثين لمبارك والظواهري "مثل الجمهور انتظر حديث الظواهري بشغف، وتعامل مع حديث مبارك بقرف"، لكن بعيدا عن النكات هناك فعلا أوجه شبه وعلاقة بين مبارك والظواهري جديرة بالاهتمام، رصدها مقال في نيويورك صن الأمريكية عنوانه "مبارك الوقح"، ويأتي المقال على ذكر شيعة مصر أيضا، ويعقد مقارنة بين تعامل "نظام مبارك" معهم رغم ضآلة أعدادهم وضآلة ما يمكن أن يمثلوه من خطر، كنموذج لتعامله مع معارضيه السياسيين وتلطيخه لأسمائهم في محاكم الرأي العام وفي المحاكم الحقيقية، وما تحويه تصريحات مبارك عن ارتباط شيعة العالم العربي بإيران من "إشارة لأقباط مصر"، ويمكنك بالطبع أن تختلف مع ذلك المقال، لكن من المهم أن تقرأه.. وفي المقال التالي ستجد متابعة لمسلسل الاشتباكات بين "الأقباط والمسلمين" التي كانت في السابق لا تحدث إلا كل عشر سنوات تقريبا كما يلاحظ مدير "مركز التفاهم الغربي العربي" الذي يتابع النزاعات الطائفية، وتتوصل صاحبتها مراسلة كريستيان ساينس مونيتور إلى استنتاج مهم "هو أن في مصر دائما خطابان معلن وسري فيما يتعلق بالخلافات بين المسلمين والأقباط وخصوصا لدى الأقباط".

***

نيويورك صن

في مقال "مبارك الوقح" بصحيفة نيويورك صن نقرأ معا:

عدو الديمقراطية في كل مكان يكن لها نفس القدر من الكراهية الذي يكنه الرئيس المصري حسني مبارك. ويبدو عدو الديموقراطية سواء كان الديكتاتور المصري مبارك، أو الإرهابي المصري أيمن الظواهري مستمتعا بأن مبدأ الرئيس بوش لنشر الديمقراطية قد تبخر تماما في القاهرة. وفي الواقع هم يسارعون للقول إن مبادرة بوش ماتت وانتهت عمليا، وأن الشرق الأوسط يعود إلى طريقته المعتادة في إدارة الأمور.

قبل فترة شاهدت مجموعة من المعارضين السوريين متجمعين حول مسئول في وزارة الخارجية الأمريكية وهو يمتدح سياسة أمريكا الجديدة لنشر الديمقراطية. وسأله أحدهم "ماذا عن مصر؟" فأجاب المسئول أن وزارة الخارجية توبخ النظام المصري توبيخ الأخ الأكبر، هي تعانق مبارك بيد بينما تلوح بإصبعها في وجهه علامة على رفض سلوكه. والنتيجة أنهم يحددون لذلك الولد الشرير الصحيح من الخطأ ويجبرونه على الإصلاح بإدانة سلوكه الخاطئ. عندئذ أومأ السوريون رؤوسهم على طريقة "المحاسيب"؛ وبدا الحرج واضحا على المسئول الأمريكي، لأنهم جميعا يعرفون جيدا طبيعة الاستبداد.

مؤخرا حاول مبارك حشد الوضع الراهن في الشرق الأوسط ضد مؤشرات التغيير. شن مبارك هجوما تشويشيا على الشيعة، وشكك في ولائهم وأعاد صياغة بعض نقاط الخطاب السائد في أوائل الثمانينات والذي كان يصمهم بأنهم وكلاء لشيعة إيران غير العرب. لكن مبارك استهدف إحداث تأثير أبعد من مجرد النقد اللاذع للشيعة. كان مبارك يبعث برسالة إلى كل الأقليات في الشرق الأوسط: "إلزموا حدودكم".

مبارك يقول في طيات ذلك النقد للشيعة "أي شخص يعتقد أن الإصلاح في مصر أو أي مكان آخر يتضمن تغييرات مثل المواطنة الكاملة مخطئ تماما". لقد حرر سقوط صدام بالتأكيد أقليات مضطهدة مثل الشيعة والأكراد، وأثار تطلعات إلى النجاة من جانب نظرائهم مثل الأقباط في مصر. ورغم ذلك يحول مبارك القضية بهدوء إلى أنها "لحظة وعدت" والتغيير لن يأتي أبدا.

شمت مبارك قبل عدة شهور من أن وزيرة الخارجية الأمريكية لم تعرض قضايا الإصلاح خلال جلستها الأخيرة معه، وأن هذا كان انعكاسا للمشاكل التي تواجهها أمريكا في المنطقة. لكن تشوش واشنطن الظاهر -أو "ترنحها" كما يصفه أيمن الظواهري- أعطى فرصة للقاعدة أيضا لكي تعزف على وتر عدم وفاء أمريكا بوعودها.

في رسالة الظواهري الأخيرة التي استغرقت نصف ساعة، بعنوان "أربع سنوات بعد تورا بورا" التي بدأ توزيعها على شبكة الإنترنت قبل أسبوع، استخدم الرجل الثاني في القاعدة مثلا عربيا لوصف كل خطابات أمريكا المتعلقة بالديمقراطية، "تمخض الجبل فولد فأرا". ولكي يبرهن على وجهة نظره استشهد بإعادة انتخاب مبارك.

من المؤسف فعلا أن تكون حجة الظواهري قوية، نظرا لأن منافس مبارك الرئيسي يقضي حكما بالسجن الآن، وينتظر المرشح الذي جاء في المركز الثالث في عدد الأصوات مصيرا مماثلا. وكل منهما تعرض للتشهير من داخل حزبيهما، وبتحريض –حسبما يتردد- من أجهزة الأمن المصرية.

لكي نفهم كيف يقضي النظام على سمعة وفرص معارضيه السياسيين بتلطيخ أسمائهم في محاكم الرأي العام وفي المحاكم الحقيقية أيضا، يجب أن نلقي نظرة على كيفية تعامل بلطجية أمن مبارك مع عدد محدود من المصريين الشيعة. بدأت القصة مع تزايد الاهتمام الثقافي بالمذهب الشيعي في الرأي العام المصري بعد اندلاع الثورة الإيرانية، وساعد هذا الاهتمام ميول ثقافية شيعية متجذرة في الإسلام المصري ترجع إلى ما قبل ثمانية قرون عندما كانت مصر تحت حكم الشيعة. وكان أول المصريين المتحولين إلى الشيعة مهنيون مثل الدكتور أحمد النفيس. لكن من البداية تعرض الشيعة للهجوم، وبدأت حملة منسقة لإذكاء الكراهية بين الشيعة والسنة" شنها النظام من خلال مطبوعاته الرسمية.

وكانت الحركة التالية للنظام هي اختراع قيادة لشيعة مصر، واتجهوا إلى شخصية غامضة تتراوح انتماءاته من موالاة صدام حسين إلى العلاقة بالمخابرات السعودية، هو محمد الدريني، ودُفع هذا الرجل لتشكيل شيء يسمى المجلس الأعلى للشيعة في مصر، بالرغم من أن أعداد الشيعة وفق معظم التقديرات لم تتجاوز عدة مئات. وبوضع مثل هذا الرجل على المسرح، استطاع النظام السيطرة على نبرة النقاش وتحويله إلى شيء أشبه بالسيرك. واستبعد علماء مثل الدكتور النفيس، لأنهم لا يستطيعون المنافسة في الأعمال البهلوانية.

لكن الدريني اصطدم مع النظام عند نقطة معينة وسجن 15 شهرا، وتمكن أحد المساعدين ويدعى محمد المرسي من تلويث اسم رئيسه السابق. ومن خلال لقاء مع المرسي في بنسيون قذر في وسط مدينة القاهرة في سبتمبر الماضي، والاستماع إلى هذيانه بصوت خافت حول الرؤى الإلهية، وادعائه أنه ليس متأكدا حول من يبعث رسائل بريد إلكتروني من العنوان البريدي للمجلس الأعلى الذي يرأسه تصف الدريني بأنه "صرصار"، أدركت ما يمكنني من أوجه اتهاما للدكتاتورية واضحا: نظام مبارك يمكنه دائما أن يجند مثل هؤلاء المرتزقة الوقحين للظهور على الساحة وإسقاط من يعتبرونه تهديدا.

ومن الغريب أن عملاء مبارك ذهبوا إلى هذا الحد لشل شيء تافه العدد جدا مثل حركة الشيعة في مصر. لكنهم في الحقيقة لم يشعروا بالتهديد من الشيعة في حد ذاتهم وإنما شعروا بالتهديد من فكرة أن يكون لدى الفرد المصري حرية اختيار -لا يستطيع النظام السيطرة عليه - طريق روحي أو سياسي غير الذي يحدده النظام.

ومن السهل على النظام أن يوجه إلى أيمن نور اتهامات بكل ما يريد من الجرائم. فهو نفسه كان سياسيا استخدمه النظام للنباح ضد آخرين، لكن بعد أن سيطرت عليه وعود أمريكا بالتغيير، قرر اختبار حظه في الوقوف ضد مبارك. وأيمن نور الذي كان صاحب قضية شهير لدرجة أن وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس تلغي زيارة رسمية إلى مصر احتجاجا على اعتقاله في المرة السابقة، وجد نفسه الآن في السجن بتهم ملفقة ومحروما من الأصدقاء والاهتمام.

تصريحات مبارك سيئة أيضا بالنسبة للأقباط. فقد جذبوا جانبا من الاهتمام في الكونجرس، بسبب ضغوط أقباط المهجر في أمريكا. لكن الهجمات العنيفة الأخيرة عليهم ولامبالاة الحكومة المصرية الواضحة تعكس على ما يبدج الرسالة الأخرى من نظام مبارك إلى الأقباط الآن: "لم نعد نخشى غضب بعض أعضاء الكونجرس من أجلكم".

واشنطن حتى الآن لم تفهم العقيدة الأساسية في التعامل مع الديكتاتوريين: لا يمكن أن تحرج شخصا وقحا. والدكتاتور المصري يتباهى بتجاهله للمشهد السياسي المتغير في الشرق الأوسط بإشارة ضمنية إلى أن كل هذا كان لحظة تاريخية عابرة وأن الأمور ستعود كما كانت دائما. ولن تكفي أي كمية من كلمات التوبيخ لتغيير ألاعيبه؛ ومن أكثر الأشياء إحراجا أن يشير الإرهابيون إليه كمثال على غدر الرئيس بوش.

***

كريستيان ساينس مونيتور

تحت عنوان "اضطرابات الاسكندرية تكشف مدى الانقسام الديني في مصر -المسلمون والمسيحيون في الإسكندرية دعوا إلى الهدوء بعد يومين من الاشتباكات" كتبت أورسولا ليندساي

لقد أثار هجوم على عدة كنائس مسيحية في هذه المدينة الساحلية المصرية الإسكندرية وما تلاه من اشتباكات طائفية على مدار يومين مخاوف جديدة عن أن الوحدة الاجتماعية بين الأغلبية المسلمة والأقلية المسيحية القبطية مفككة.

بينما تقول الحكومة وكثير من المصريين إن التسامح الديني هو القاعدة، يرى بعض الأقباط أن الهجوم والطريقة التي تجري بها التحقيقات هي دليل على أنهم يعيشون وعلى نحو متزايد تحت حصار.

نظم مسيحيون ومسلمون موكبا سلميا في الحي الذي وقعت فيه بعض الاشتباكات، وهتف المتظاهرون تحت قيادة رجال دين مسلمين ومسيحيين "يحيا الهلال مع الصليب"، وهو شعار له جذوره في حركة الاستقلال الوطني في مصر عام 1919 التي اندلعت احتجاجا على الاحتلال البريطاني وساعدت على صياغة فكرة "الوحدة الوطنية" بغض النظر عن الدين.

لكن ذلك التضامن تعرض للتوتر منذ السبعينات التي شهدت صعود الجماعات الإسلامية العنيفة في مصر وانتشار التدين بين المواطنين العاديين.

ومع انتشار الأصولية الإسلامية لم يعد كثير من المسلمين متسامحين كما كانوا، ويعتقد كثير من المسلمين أن الإسلام يجب أن يكون الدين الوحيد في مصر قدر الإمكان. وهذا الكلام لا يقال علانية وإنما يقال في السر.

السلطات المصرية تقول إن الرجل الذي طعن 17 شخصا في ثلاث كنائس كان مريضا عقليا وتصرف بمفرده. لكن بعض المصريين الأقباط مقتنعون أن منفذ الهجوم معه متواطئون وأن التحقيق الرسمي مجرد تغطية على العملية.

وكان اليومان التاليان لحادث الاعتداء على أشخاص في ثلاث كنائس أكثر إزعاجا لأهالي الإسكندرية عندما لشتبك بعض المسيحيين والمسلمين في الشارع.

وقد قلل المسيحيون والمسلمون في منطقة الأحداث من أهمية العنف بين الطرفين وقالوا إن وراءه "غرباء" أو "مراهقين". وقالوا أيضا أنه قد استغل كفرصة للسرقة من المحلات.

لكن آخرين رأوا أن ما حدث في الإسكندرية لا يمكن اعتباره حادثة معزولة. فيقول كورنيلز هيلزمان مدير مركز التفاهم الغربي العربي الذي يتابع النزاعات الطائفية إن "مثل هذه الحوادث كان يمكن أن تحدث مرة كل 10 سنوات.. لكننا نرى حادثة وراء الأخرى. وهذا النوع من الهجمات يخلق مشاعر سيئة ويفصل الطائفتين".

ويشكو الأقباط أيضا من أنهم ضحايا للتمييز يوميا. وهم مستاءون من الحد من بناء الكنائس، ويشيرون إلى أن عددا قليلا جدا من الأقباط يحتلون مناصب عليا في الحكومة، لكن المسئولين الحكوميين يقولون إن الأقباط لديهم نفس الحقوق كغيرهم من المواطنين. ومعظم المسلمين المصريين يوافقون على ذلك.

ويضيف هيلزمان "الحقيقة أن المجتمع المصري أصبح متدينا جدا. بينما يدين الوعاظ الكافرين في خطب الجمعة تكرس قنوات فضائية مسيحية لانتقاد الإسلام.. والمسلمون والمسيحيون "يؤثر كل منهما على الآخر". "فإذا بذلت مجموعة جهودا لتعزيز هويتها الخاصة سيكون لذلك بالطبع نتائج على الآخرين الذين يعيشون معها والذين سيسعون أيضا لتعزيز هويتهم".

ولا يعول بعض الأقباط على مظاهرات الإدانة التي يشارك فيها مسلمون ومسيحيون وقيادات دينية من الجانبين ويقولون إنها مظاهرات خيالية. وهي تنظم تحت مظلة الحكومة لتبعث برسالة أن الأمور جيدة لكنها ليست كذلك. وحتى تحل السلطات شكاوي الأقباط وتدخل في حوار حقيقي مع المصريين من المسلمين والمسيحيين، ستتكرر المشكلة الطائفية وستحدث تلك الاشتباكات مرة أخرى في الشهور القليلة القادمة.

***

وحسب تقليد متبع في بعض الصحف الأمريكية يضاف تعليق لرئيس التحرير أو رئيس القسم في الصحيفة نفسها تعليقا على تقرير المراسلة، كتب ديفيد كلارك سكوت محرر الشئون الدولية في الصحيفة نفسها تعليقا تحت عنوان "الدين في مصر":

عندما تغطي النزاع الطائفي في العالم العربي يجب أن تختار مترجمك بعناية. ولكن مراسلتنا أورسولا ليندساي لم تصطحب مترجما معها في رحلتها إلى الإسكندرية.

وتقول "بشكل من الأشكال كان تغطية هذه الأحداث أسهل بالنسبة لي كشخص أجنبي. فلو كنت صحفية مصرية كان الناس سيسألونني فورا إذا كنت مسيحية أو مسلمة وكنت سأرد عليهم طبقا لديني، ونفس الشيء كان سيحدث لو استعنت بمترجم مصري. وأنا أعرف اللغة العربية بما يكفي للمرور من هذه الحالة".

عرفت أورسولا نفسها كصحفية أمريكية، وعندما كانت تسؤل عن صحيفتها لم تكن تقول "كريستيان ساينس مونيتور" بل "مونيتور فقط". وهي تقول إن "معظم الناس الذين قابلتهم قالوا إن العلاقة بين المسيحيين والمسلمين طيبة جدا. وقال أحدهم "ليس هناك مسلمون أو مسيحيون، وإنما مصريون شرفاء ومصريون جبناء".

ولاحقا دخلت مع زميل لها محلا حيث كان هناك مسلمون ومسيحيون. وسمعت نفس القصة. لكن بعد أن غادرا المكان لحق بهم أحد المسيحيين في الخارج. وقال للمراسلين "إنهم يدوسننا بأحذيتهم". وتقول أوروسلا "في أغلب الأحيان هناك حديث معلن وآخر في السر، وخصوصا بين المسيحيين".

***