Tuesday, November 14, 2006

ماذا سيفعل الديموقراطيون في العراق؟



الأرجح أن فوز الديموقراطيين في انتخابات التجديد النصفي في الكونجرس يمثل بداية تغيير نسبي في استراتيجية أمريكا في العراق، وربما في المنطقة، فالمعارضون أصبحوا شركاء في السلطة ولديهم رؤى محددة ومعلنة، ولن يكونوا مستعدين للدخول في مواجهة مع الناخبين الذين صعدوا بهم بالأساس على خلفية قضية رئيسية هي "الحرب في العراق"، والرئيس الجمهوري الذي تخلى عن أهم رموز استراتيجيته "دونالد رامسفيلد" عقب هزيمة حزبه في الانتخابات، بعد أن كان قد قال في السابق ردا على حملات تطالب باستقالة رامسفيلد أنه سيبقى معه "حتى آخر يوم في ولايته"، سيكون مقيدا بشدة بالأغلبية الديموقراطية في الكونجرس.

فما طبيعة التغيير المحتمل، ودون أن نتصور أن الديموقراطيين يملكون عصى سحرية تقلب
الأوضاع رأسا على عقب، فمن المهم أن يكون الرئيس بوش مستعدا بالفعل لمراجعة استراتيجية إدارته في العراق، خاصة أنه قال وهو يودع "وزير دفاعه" "أنه لا هو ولا الشعب الأمريكي سيقبل انسحابا بدون "انتصار". وهذا التخيل بأن الاحتلال الأمريكي للعراق سينتهي بنوع من الانتصار للسياسة الخارجية الأمريكية قد يعني أن الانتخابات وإبعاد رامسفيلد لن يكون لهما تأثير حقيقي، ما لم تظهر مؤشرات على أن بوش أدرك بالفعل أن انكشاف استراتيجيته في العراق هو شيء أكبر من مجرد مشكلة سياسية.

هناك بالطبع خلافات بين الديمقراطيين حول تفاصيل الاستراتيجية الجديدة تجاه العراق وتحديدا حول توقيت إعادة الانتشار التدريجي للقوات الأمريكية أو أعداد القوات التي ينبغي سحبها من العراق، لكنهم متفقون حول بعض المفاهيم الرئيسية، ومن بينها الاعتقاد بأن الولايات المتحدة يجب أن تبدأ سحب قواتها في العراق البالغ عددها حاليا 150 ألف جندي من الشوارع خلال شهور والدفع بقوات عراقية مكانها، ويتلو ذلك انسحاب تدريجي لمعظم القوات من العراق، على أن يركز قطاع من القوات الأمريكية التي ستترك في العراق والبالغ قوامها 50 ألف جندي على تقديم المشورة والتعليمات للقوات العراقية، أما القطاع الأكبر من القوات التي ستبقى فستعمل كقوة طوارئ يمكنها أن تساعد القوات العراقية في حالة مواجهتها لمشاكل.

ويرى كثير من الديمقراطيين أن العراق يخرج عن السيطرة يوما بعد يوم، فيما تتضاءل فرص تحسين الأوضاع فيه، ويقولون إن الالتزام العسكري الأمريكي غير المحدد بسقف زمني يضر بالروح المعنوية للقوات الأمريكية ويقلل من قدرتها على الاستعداد للنزاعات المستقبلية المحتملة في دول مثل إيران أو كوريا الشمالية، ولمنع مزيد من الأضرار على الجيش الأمريكي ولدفع الحكومة العراقية لتقديم تنازلات مطلوبة لتهدئة الأوضاع يؤكد الديمقراطيون على ضرورة أن تتحرك الولايات المتحدة بسرعة لخفض وجود قواتها في العراق.

وعمليا تدعو اقتراحات الديمقراطيين إلى عقد قمة إقليمية لإشراك جيران العراق بما في ذلك إيران وسوريا للمساعدة على إرساء الاستقرار في العراق، ويدعون إلى جهود مصالحة وطنية داخل العراق تهدف إلى لملمة الانقسامات الواسعة بين السنة والشيعة والأكراد في العراق، وخصوصا فيما يتعلق بالسيطرة على عائدات النفط مستقبلا، وهناك أيضا دعوة مشتركة بين خطط الديمقراطيين من أجل مزيد من إعادة الإعمار وليس خفض الأموال الأمريكية التي تضخ في العراق لهذا الغرض أو انسحاب الشركات الكبرى العاملة في العراق مثلما يحدث مؤخرا.

ويؤيد كثير من الديمقراطيين فكرة إجراء مفاوضات أيضا مع القوى الإقليمية المستبعدة أمريكيا حتى الآن وهي إيران وسوريا، وتدعو لجنة جيمس بيكر (المكونة من أعضاء بارزين في الحزبين الجمهوري والديموقراطي) والتي قامت بمراجعة للاستراتيجية الأمريكية في العراق إلى حوار مباشر مع إيران وسوريا حول مشاكل العراق، على أمل أن يساعدا في وقف العنف، وسبق أن دعا روبرت جيتس المرشح لتولي منصب وزير الدفاع مكان رامسفيلد لإجراء محادثات مباشرة مع إيران، وفي صيف 2004 ترأس جيتس وزبجيني بريجينسكي مستشار الأمن القومي للرئيس السابق جيمي كارتر لجنة عمل دعت إلى حوار مباشر، وتوصلت اللجنة أيضا إلى أن نقص التعاون الأمريكي مع إيران أضر بالمصالح الأمريكية، وقد رحب بريجينسكي الذي يعارض الحرب في العراق بالأساس بتعيين جيتس وقال إنه مؤشر على بداية تصحيح رئيسي للسياسة الأمريكية نحو الشرق الأوسط.

أما عن الانحيازات الأمريكية في العراق فستظل كما هي مع بعض التعديلات، فالولايات المتحدة إذا ساندت الأكراد والشيعة -كما تقول مونيكا دوفي توفت وهي أستاذ مساعد في السياسة العامة في كلية جون إف كيندي بجامعة هارفارد ومؤلفة كتاب "جغرافية العنف العرقي" فإنها "ستخاطر باستبعاد حلفائها الإقليميين الرئيسيين: تركيا ومصر والسعودية وباكستان، ومن ناحية أخرى إذا ساندت الشيعة (كما تفعل) فإن هذا يعني الاختيار الأكثر عملية والذي يضمن استقرار السلام ويؤسس لفرص طويلة المدى للديمقراطية والتنمية الاقتصادية، بالإضافة إلى أن الدعم الأمريكي للأغلبية الشيعية يقلل من الخلافات الدبلوماسية تجاه إيران. وإذا ساندت أمريكا السنة في العراق فستكون في وضع شبيه بتجربتها في فيتنام: تصارع من أجل ضمان بقاء نظام أقلية ضعيف عسكريا وذي تاريخ سيء، ودون أي أمل في كسب شرعية أوسع في مناطق العراق الأخرى.. وحتى إذا نجح دعم السنة سيؤدي ذلك إلى احتمال نشوب حرب مستقبلية وانعدام الاستقرار الإقليمي حتى في ظل وجود عسكري أمريكي هائل (في الوقت الذي أصبح ما هو أقل من الوجود العسكري الهائل غير محتمل سياسيا في واشنطن)".

أي أن الخيار الأمريكي العاقل –من وجهة نظر أمريكية- يعني إبقاء السيطرة الأمريكية مع تجنب الخسائر الكبيرة، والحفاظ على التوازن "الإقليمي" داخل العراق حتى لا تنزلق إلى خارجه، ولا مانع من محاولة جديدة لتجفيف الدماء في القضية الفلسطينية –مؤقتا- مادامت إسرائيل لا تريد الوصول إلى حل نهائي متوازن.