Wednesday, November 29, 2006

الجهاد" والنفط وإسرائيل



مع اقتراب الإدارة الأميركية من خيارات صعبة تجنبتها في السابق، كالتفاوض المباشر مع إيران وسورية، على سبيل المثال، بما يعنيه من اعتراف بتأثيرهما على ملفات العراق ولبنان والقضية الفلسطينية، والتعامل مع ذلك كحقيقة، وتقديم تنازلات في مقابل تعاونهما، يبدو من المهم مراجعة أولويات السياسة الخارجية الأميركية في المرحلة الراهنة، بغض النظر عن سيطرة الجمهوريين أو الديمقراطيين على أحد أهم مراكز صنع القرار السياسي المباشر في أميركا؛ الكونغرس.
فبالرغم مما يبدو من بوادر تحول في أداء السياسة الخارجية الأميركية مع صعود الديمقراطيين، إلا أن إعادة صياغة المصالح القومية الأميركية -والغربية عموما- لا تسير وفقا للمزاج السياسي الذي يسيطر على الكونغرس. ولذلك، يبدو مستبعدا إقدام الإدارة الأميركية الحالية، أو حتى لو استبدلت بإدارة ديمقراطية على انسحاب فوري من العراق، أو تنفيذ خطة لتقسيم البلد، أو تقديم تنازلات كبيرة لإيران وسورية، كغض الطرف عن برنامج إيران النووي، أو ترك لبنان مرة أخرى ساحة مفتوحة للنفوذ السوري. فالاستراتيجية الأميركية التي يضعها، في الغالب، متخصصون لديهم تراث من الثوابت المعرفية، ترتكز إلى أربعة جوانب: تأمين إمدادات النفط، والاحتفاظ بالهيمنة الغربية على منابعه، وضمان بقاء إسرائيل وأمنها، ومؤخرا احتواء ما يسمى"الجهاد" الإسلامي.
وهذه الدوائر تتداخل معا بلا شك، ليكون الفارق بين صانع سياسة وآخر هو مدى الربط بين دائرة وأخرى، أو التعامل معها كما لو كانت جزرا معزولة لا علاقة بينها، أو كمجموعة واحدة كل منها يؤثر على الأخرى.
ومن الثابت في الذهنية الأميركية أن منطقة الخليج تحوي 60 بالمائة من احتياطيات النفط والغاز العالمية،(ويمتلك العراق والسعودية 500 مليار برميل من النفط) يعتمد عليها الغرب وأميركا بشدة، ويزداد هذا الاعتماد في ظل منافسة شرسة من قبل الصين والهند. وإلى أن يظهر في الصورة ما يسمى بالوقود البديل، كالطاقة الشمسية والإيثانول والرمال السوداء، ستسعى أميركا وحلفاؤها الأوروبيون إلى الاحتفاظ بنفوذهم على منطقة الخليج. وهي مسألة ليست عرضة للتقلبات السياسية، بل هي مصالح قومية عليا، وأي تحركات لتعديل مسارات السياسة الخارجية في المنطقة تنطلق في الغالب من هذه المسلمة.
ومنطقة الخليج هي أيضا، بحسب التصورات الأميركية السائدة، مركز الخطر الأعظم للغرب منذ انهيار الشيوعية، أي الأصولية الإسلامية وفلسفتها"الجهادية". ويسعى الغرب حاليا "ككيان موحد" إلى تنسيق هجوم مضاد، وهناك من يطالب بأن يتم نسج استراتيجية الطاقة ومواجهة الخطر "الجهادي" معا ليصبحا وجهين لعملة واحدة.
أما عن أوروبا، فليس غريبا أن يواصل الأوروبيون عزف مقطوعة الحوار الإسلامي-المسيحي، بينما يتحركون لمحاصرة ما يعتبرونه
"وحشا إسلاميا"، فيجري الهجوم في برلمانات وأحزاب وصحف القارة الأوروبية على الحجاب والأئمة والجيتوهات الإسلامية، وتسن القوانين، وتتخذ الإجراءات الصارمة لتحاصر التكتلات الجهادية الإسلامية، في هولندا وفرنسا وبريطانيا وإسكندنافيا، لمنع خطابات التحريض والكراهية! وتطوق المساجد والمدارس، وتمنع المظاهر الرمزية كالحجاب، فيما يعلن بابا روما بوضوح قاطع أن القارة الأوروبية نطاق مسيحي يهودي لا يتسامح إلا مع النمط العلماني من الإسلام، وتلقى دعوته تأييدا شعبيا أيضا، وليس نخبويا سياسيا فقط.
وربما يبدو الموقف الأوروبي من الهاجس الإسلامي أكثر حدة عن نظيره الأميركي، لأن أوروبا في الغالب أكثر علمانية من أميركا التي يلعب فيها الدين "والتيار السياسي الملتحف بالدين" دورا أكبر مقارنة بأوروبا، بالإضافة إلى أن هجرة المسلمين إلى أوروبا من شمال إفريقيا وآسيا – الهند وباكستان- قد زادت حدتها في السنوات العشرين الماضية، وبدا وجودهم أكثر قدرة على التعبير عن نفسه سياسيا، ما دق جرس إنذار الخوف على"الهوية المسيحية" لأوروبا.
المقال منشور في صحيفة الغد الأردنية بتاريخ 30 نوفمبر 2006