النظام المصري يُخيِّر الأمريكان بين الإخوان وجمال؟
في تحليل مختلف قليلا لسماح النظام المصري بصعود "تحت السيطرة" لجماعة الإخوان المسلمين على حساب المعارضة الليبرالية العلمانية، يرى كاتب أمريكي هو جاكسون ديل في صحيفة واشنطن بوست (5 ديسمبر 2005) أن الرئيس المصري يهدف إلى تخيير الأمريكان بين أمرين: ابنه جمال أو حركة إسلامية أصولية، ولكن الكاتب ينصح الإدارة بأن توقع النظام في فخ شارك فيه بنفسه بعد استجابته لضغوطها، هو أن تنحاز أو تقبل بوجود حركة أصولية تكون نموذجا يحتذى في المنطقة..
المقال عنوانه "مبارك يتفوق على نفسه- تزوير الانتخابات يأتي بنتائج عكسية".. ترجمته لطرافته احكم عليه بنفسك.. مع الوضع في الاعتبار أن لا النظام المصري والنظام الأمريكي يلعب لعبة الديموقراطية لوجه الشعب المصري ولا إحقاقا لحق الشعوب في أن تحكم نفسها وفق قواعد محترمة، وإنما يستخدمها الطرفان وفق سياق رؤية كل منهما لاستمرار مصالحه، ومصالح المستفيدين منه.
الرئيس المصري حسني مبارك، الجنرال السابق، يمارس السياسة بخشونة العسكرية، لذلك لم يكن صعبا اكتشاف خطته الأخيرة لإحباط أجندة إدارة بوش الساعية من أجل الديمقراطية. تحت ضغوط واشنطن لإجراء انتخابات حرة ونزيهة لبرلمانه "التنفيذي" الذي يبصم على جميع قراراته، أجهز مبارك هذا الخريف على معارضته العلمانية والليبرالية، التي نمت قوتها على مدى هذا العام، بينما سمح لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة بترشيح عدد محدود من المرشحين ويقومون بحملة حرة نسبيا. الهدف كان إزالة كل المعارضة المعتدلة ووضع الولايات المتحدة أمام اختيار بين استمرار حكمه -وخلافة ابنه جمال له- وبين حركة إسلامية أصولية.
في الدورة الأولى من الانتخابات الشهر الماضي، أطاحت تلك الاستراتيجية الناعمة في القاهرة بأيمن نور، المنافس الديمقراطي الليبرالي لمبارك في انتخابات الرئاسة غير الحرة والذي يمثل أكبر تهديد لابنه. ورشح حزب الرئيس ضابطا سابقا في أمن الدولة ضد أيمن نور؛ وانسحب مرشح الإخوان المسلمين وساند رجل مبارك. وتم تسجيل 2000 ناخب من أنصار الحكومة بشكل غير قانوني في المنطقة، وفي تحد واضح لحكم محكمة, ونقلوا في أتوبيسات إلى مقار التصويت ضد نور الذي يتمتع بشعبية في الدائرة. وأعلنت خسارته، واستأنفت الحكومة الأسبوع الماضي الاتهام الجنائي ضده بتهم تزوير ملفقة.
وكما اتضح الآن، تمت خطة مبارك بشكل جيد جدا. المعارضة الديمقراطية في مصر أزيلت تقريبا من البرلمان -لكن الإخوان المسلمين ضربوا (عاقبوا) الحكومة في الانتخابات. في الدورتين الأوليين فاز 65 بالمئة من مرشحي الإخوان، مقارن بـ 42 بالمئة فقط من حزب مبارك الوطني الديمقراطي. ولأن الإسلاميين، في صفقة ضمنية مع الحكومة، اقتصروا على المنافسة في أقل من ثلث الدوائر، مازال مبارك يحتفظ بالأغلبية الحاسمة في عدد المقاعد.
ورغم هذا سبب فوز الإخوان النسبي رعبا في جهاز أمن الدولة. في الأيام الثلاثة الأخيرة من التصويت، شاركت قوات الأمن بقوة في عمليات بلطجة وتزوير واسعة في محاولة لمنع مزيد من الخسائر -على مرأى من المراقبين المصريين والدوليين، والصحفيين الغربيين، والقنوات الفضائية العربية. واعتقل أكثر من 1300 من الإخوان وقتل ثلاثة أشخاص على الأقل، كان إحداها عندما فتحت قوات الأمن النار على ناس يحاولون التصويت.
وقبل أن تجرى الجولة الانتخابية الأخيرة، نتائج هذه العملية القذرة هي: حصول الإخوان المسلمين على 76 مقعدا على الأقل في البرلمان المصري، من بين 454 مقعدا. وأحزاب المعارضة الأخرى ستتراجع إلى نحو عشرين مقعدا. لكن الثمن يغضب معظم النخبة السياسية ورجال الأعمال المصريين، وحتى الصحافة الرسمية السلسة عادة، التي بدأت تدين تكتيكات الحكومة ونتائج حماقتها ووحشيتها.
وقال بيان وقعه 44 مثقفا وكاتبا وبث على موقع صحيفة الأهرام إن "الانتخابات البرلمانية شهدت تزويرا صارخا وعنفا لم يسبق له مثيل.. "التزوير قد يؤدي إلى انهيار شرعية الدولة والنظام الحالي، في ضوء أن الإصلاح السياسي كان عنصرا رئيسيا في مبررات الفترة الخامسة للرئيس".
من المحتمل ألا ينهار حكم مبارك الاستبدادي الممتد 24 عاما قريبا - لكنه فقد تأييد غالبية المصريين المعتدلين الذين تمنوا أنه ينفذ تحريرا سياسيا تدريجيا. هذا يجب أن يجبر إدارة بوش على اتخاذ بعض القرارات الصعبة، التي اعتمدت على إصلاح يقوده النظام أيضا؛ وتوصيفها للانتخابات الأسبوع الماضي بأنها "خطوة مهمة على طريق مصر نحو الإصلاح الديمقراطي" كان سخيفا ولا يمكن الدفاع عنه.
فما العمل؟ أولا، الرئيس بوش يجب ألا يخشى من الفزاعة التي يستخدنها مبارك. على الرغم من أن الإخوان المسلمين حركة أصولية بالفعل، إلا أنها نبذت العنفا منذ عقود وانضمت إلى مجموعات المعارضة العلمانية في الدعوة إلى ديمقراطية برلمانية حقيقية في مصر. وقد قال عصام العريان الشخصية البارزة في الجماعة في مقال منشور بالأهرام الأسبوع الماضي "إننا جادون حول مواصلة عملية الإصلاح، وتحقيق التحول الديمقراطي وبناء عصر نهضة تنموية على كل الجبهات". وهذه أجندة تستطيع الإدارة التصديق عليها- والترويج لها كنموذج للحركات الإسلامية الأخرى في الشرق الأوسط.
ثانيا، أن الإدارة يجب أن توضح، بدءا من الآن، أنها لن تتهاون مع انتقال غير ديموقراطي مستقبلا للسلطة من مبارك إلى إبنه، أو أي شخص آخر. الرئيس البالغ من العمر 77 عاما يبدأ فترة حكم جديدة لست سنوات؛ والولايات المتحدة يجب أن تربط بين استمرار المعونة الرسمية بمليارات الدولارات التي تسند نظامه بخطوات نحو انتخابات ديمقراطية لخليفته. إذا تحررت الحياة السياسية المصرية، سيكون هناك الكثير من المرشحين الجيدين بحلول عام 2011؛ مثل أيمن نور، ولن يكونوا مجرد أعضاء في برلمان مبارك.