الظابط وكفاية والموت علي الأسفلت
مع كل الاحترام لعبد الرحمن الأبنودي وكل الاحتقار للظابط
أردد بين الحين والآخر مقاطع من قصيدة «الأحزان العادية» للشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي التي كتبها عام 1995 بعد صدور قانون الصحافة الذي اشتهر باسم «قانون حبس الصحفيين»، وأستحضر نبرات صوته الأجش وروحه المتألقة الوثابة وهو يلقيها في نقابة الصحفيين وفي مناسبات وأماكن أخري مستجيباً لطلب الجمهور سماعها منه، واندهشت في سعادة حين وجدت مقطعاً شهيراً منها مسجلا علي موبايل صديق بينما كنا نتابع ما حدث لعدد من قيادات وشباب حركة «كفاية» الذين احتجزوا ومنعت مظاهرتهم في ميدان السيدة زينب ضد الغلاء في ذكري الانتفاضة الشعبية في 18 و19 يناير 1977، ومن بينهم د.عبد الوهاب المسيري (العالم المسن والمريض) وزوجته وآخرون.. ظلوا في سيارة الترحيلات ساعات، حائرة بهم من مكان إلي آخر، وفي النهاية تفتق ذهن أحدهم (أحد «الظباط» الكبار) عن فكرة تركهم فرادي في صحراء مصر الجديدة، وكان التكليف الشفوي لمنفذ المهمة أن ينزلهم واحداً واحداً في الصحراء ويترك مسافة كيلو متر ما بين الواحد والآخر، وبعد تفاوض مع «منفذ المهمة» اكتفي بتركهم علي الأسفلت في طريق صحراوي، ليواجهوا مصيرهم، أن يموتوا أو يعودوا، والحمد لله أنهم عادوا ليحكوا ما حدث.. تذكرت الأبنودي وهو يقول:
ولقيت نفسي محاصر تاني
وتحت الرجلين
قلت لنفسي: «وبعدين؟
راح تفضل كده لامتي يا غلبان
بتداري إيه؟/ إيه باقي تاني عشان تِبْقِي عليه؟/ وطنك.. متباع.. سرك.. متذاع/ الدنيا حويطة وانت بتاع!».../ ويهين المعني الظابط /ويدوس بالجزمة ع الحلم/ ربنا رازقه بجهل غانيه عن كل العلم/ ماذا تعني إن الكون يا يساعك يا يساعني/ رد يا جربان يا ابن الوسخة يا كلب/ أظنك هاتقول تاني الشعب/ وصفعني وتني علي بطني بالكعب.
هو نفس «الظابط» الذي أهان الأبنودي وأهان «المعني» في زمن عبد الناصر 1966- 1967، لكنه تطور.. أصبح أكثر صلفاً وغباء ووحشية، هل تتخيل أن تلقي برجل مسن ومريض أو تلقي بامرأة أو حتي شاب في مقتبل عمره وسط الصحراء ليواجه مصيره، يموت برداً أو جوعاً، تقتل مواطناً هكذا بمنتهي السهولة والقسوة، ولا اتهام ولا محاكمة، ولا ذنب أصلا؟.. هل تصبح شخصاً مؤتمناً علي تطبيق القانون؟.. أي ضمير يسمح لك بأن تنفذ أمراً شفوياً من «ظابط كبير» جبان، لتتحمل مسئولية قتل إنسان بهذه الطريقة البشعة؟.. وأي ثمن ستحصل عليه، ترقية! جنيهات ملطخة بالدم؟.. كيف ستعود مساء إلي أسرتك تجلس بين أولادك، تحكي لهم عن عملك المحترم، عن وظيفتك «الإنسانية»؟.. كيف ستتذكر القسم الذي أقسمته عندما تخرجت في كليتك شابا عن «حماية الوطن وأمنه وشرفه»، عن أي شرف ستحدث نفسك؟.. تذكرت الأبنودي ثانية وهو يرد علي «الظابط» الذي يوجه له اتهاما، وتذكرت أنه كانت هناك اتهامات، وليس بلطجة وقتلاً مع سبق الإصرار والترصد، دون اتهام أو محاكمة، ودون خوف من تبعات الجريمة العلنية التي بدأت في وضح النهار، اختطاف واحتجاز ثم مصير مجهول! يقول الأبنودي للظابط الذي يحقق معه بعد موته:
يا عم الظابط إنت كداب/ واللي بعتك كداب/ مش بالذل حشوفكم غير/ أو استرجي منكم خير/ إنتو كلاب الحاكم وإحنا الطير/ إنتو التوقيف وإحنا السير/ إنتوا لصوص القوت /وإحنا بنبني بيوت/ إحنا الصوت.. ساعة متحبوا الدنيا سكوت/ إحنا شعبين شعبين شعبين/ شوف الأول فين.. والتاني فين/ وادي الخط ما بين الاتنين.. بيفوت
إنتوا بعتوا الأرض بفاسها.. بناسها/في ميدان الدنيا فكيتوا لباسها/ بانت وش وضهر.. بطن وصدر/ماتت.. والريحة سبقت طلعة أنفاسها/ وإحنا ولاد الكلب الشعب/إحنا بتوع الأصعب وطريقه الصعب/والضرب ببوز الجزمة وبسٍن الكعب/ والموت في الحرب/لكن إنتوا خلقكم سيد المُلك/ جاهزين للمُلك/ إيدكم نعمت من طول ما بتفتل وبتفتل.. ليالينا الحلك/ إحنا الهلك.. وإنتو الترك.
لا أفهم كيف يواصل «الظابط» حتي الآن ذلك الدور القذر، يضرب مواطنيه ويعتقلهم ويكاد يقتلهم، وهناك من يقتلهم بالفعل تعذيباً في السجون والأقسام.. من تحمي أيها «الظابط» وأنت تعرف كما يعرف الأبنودي أن «وطنك متباع»، وأن آخرين يسرقونه يوميا، وأنت لست غريباً عنا، أنت تتابع مثلنا أخبار الفساد والنهب والأسعار، وتعاني أيضا براتبك الهزيل مثلنا، وتعلم جيدا صدق الذين ضاقت بهم الدنيا من العمال والموظفين والفلاحين فخرجوا لا يحملون معهم إلا حياتهم، ولا يملكون إلا صوتهم، يتظاهرون ويحتجون من أجل البقاء أحياء، من أجل العدل ومن أجل شروط حياة كريمة مقبولة؟.
لا أفهم كيف لا يدرك «الظابط» الآن أننا نعيش المشهد الأخير في عهد لن يأسف عليه أحد إلا المليارديرات الذين تحلقوا حول السلطة، فمن شهد جنازة عبد الناصر -بكل أخطائه- أو حتي سمع عنها، وقارن بينها وبين جنازة السادات بعد حادث المنصة الشهير، لابد أن يستشرف المشهد الختامي لهذا العهد، الناس ودعت عبد الناصر بالدموع والأسي وشعور حقيقي بالافتقاد، وودعت السادات دون شعور بالوحشة، فالأول انحاز لهم والثاني نسيهم تقريباً.. أما عهدنا الحالي فاحتقر احتياجاتهم ومطالبهم، أو عجز تماماً عن تلبيتها، واعتبرهم أحياناً كثيرة عبئا عليه فبادلوه نفس الشعور.
وأخيراً لا أفهم كيف يجازف «الظابط» بمصيره، وهو يعلم الآن أن «الجرائم ضد الإنسانية» لا تسقط بالتقادم، وأن المحاكمات والعقاب وارد ومحتمل جداً بعد أن ينزل الستار علي نهاية هذا العهد، ويغيب من حدثه عبر الهاتف، يعطيه أمراً شفوياً بالقتل أو الضرب في المليان، سيختفي «ذلك الآمر» ولن يحمي أحداً، وربما سيعجز عن أن يحمي نفسه، ويبحث عن مكان ما يخبئ نفسه فيه.
فهل سيدرك «الظابط» مصيبته ومصيبتنا.. يدرك أننا شركاء في الهم والوطن، وأن الكارثة إن حلت ستطيح بكل شيء، فيغير سلوكه ويعود بشراً طبيعياً.. أم يظل كما هو حسب وصف الأبنودي «ربنا رازقه بجهل غانيه عن كل العلم»، يواصل عمله كأداة للقمع في يد آخرين يجنون هم ثمرته ويتركونه «مجرماً» أمام نفسه وأمام الجميع حتي تصبح البدلة والنجوم والنسور علي الكتف عنواناً لأي شيء آخر غير أداء الواجب والتزام شرف المهنة وتطبيق القانون؟ فلا يحسن تقدير الخطر القادم في نبوءة الأبنودي عن جيل جديد يدرك جيداً أين تكمن قوته وأين يسكن ضعفه، فيخلع قيد الخوف من صدره وعقله، ولا يخشي السجن أو الموت، فيجرد «الظابط» من سلاحه الوحيد الذي يحكم به قبضته علي «الأمن»:
يا عم الظابط احبسني/سففني الحنضل واتعسني/ رأينا خلف خلاف/ احبسني أو أطلقني وادهسني/ رأينا خلف خلاف/وإذا كنت لوحدي دلوقت/ بكره مع الوقت/ حتزور الزنزانة دي أجيال /وأكيد فيه جيل/ أوصافه غير نفس الأوصاف/ إن شاف يوعي /وإن وعي ما يخاف/ إنتو الخونة لو يصدق ظني/ خد مفاتيح سجنك واترك لي وطني/ وطني غير وطنك/ ومشّي/ قلت لنفسي/ما خدمك إلا من سجنك
أرابيسك- أيمن شرف- الدستور يناير 2007
حال العرب عندما زارهم بوش.. حيرة وفوضى ويأس
قائمة طويلة من المقالات والتحليلات تناولت على مدار الأسبوعين الماضيين جولة الرئيس بوش إلى الشرق الأوسط، إلى عدد من الدول العربية وإسرائيل، تحدثت عن دوافعه وأهدافه من الزيارة، لكنها جميعا –تقريبا- لم ترصد حال العرب الذين يزورهم بوش، والذين يعيشون الآن حالة من الحيرة والفوضى، ويستقبلونه بمزاج متشائم يائس.
العرب كشعوب يعيشون هذه الأيام أحوالا صعبة بالفعل، الجيل الذي تخطى الخمسين من العمر يشعر بأن الأحوال قد تغيرت كثيرا بشكل لم يعد قادرا على التكيف أو التعامل معه وأصبح إحساسه بالاغتراب داخل وطنه حادا، وجيل الشباب الذي تلقى تعليما لسنوات في مدارس حكومية كئيبة لم يهيأ بشكل كاف للتعامل مع العالم الجديد، والحقوق التي يتمتعون بها كمواطنين محدودة إن لم تكن غير موجودة، أما السفر إلى الخارج فقد يعني احتمال الاتهام بالإرهاب لمجرد أن الملامح التي يحملونها "شرق أوسطية"، ناهيك عن مخاطر الموت غرقا أو الاعتقال إن كان السفر غير شرعي، وحتى الزعماء العرب لا يحسنون فهم كثير من المتغيرات في العالم، بعضهم ليسوا في واقع الحال إلا رجال أعمال يحملون صولجان السلطة وهمهم الأول تكديس الأموال، وبعضهم الآخر مجرد أبواق يتبنون لغة خطابية فارغة، وقليل منهم من يمتلكون رؤية أو خيالا ملهما.
لا يعني ذلك التعميم أنه لا توجد اختلافات ضخمة بين الـ 300 مليون عربي في الـ 22 دولة، ففي ظل أسعار النفط المرتفعة بشكل غير مسبوق يزدهر الاقتصاد في بعض الدول العربية، حتى أن الفجوة بين لاجىء من دارفور ومواطن في دبي يقتني سيارة "بورش" أصبحت الأكبر بين غني وفقير على سطح الكرة الأرضية، ورغم ذلك فهناك قاسم مشترك في المزاج العام في العالم العربي، خصوصا بين الشباب تحت الثلاثين، الذين يمثلون الأغلبية الساحقة من السكان، هو خليط من السخط والقلق.
وهناك عوامل عدة تساهم في ذلك المزاج المتشائم، من بينها أن المنطقة تشهد معدلات نمو سكاني هو الأسرع في العالم، إلى جانب أنظمة تعليم حكومية فاشلة وتقاليد اجتماعية بالية تتعارض أحيانا مع نمط الحياة المدينية الذي أصبح الآن معيارا في الدول العربية وخصوصا في الخليج، لكن السياسة تلعب الدور الأهم في خلق حالة السخط بين الجيل الجديد.
وفي الخارج عموما لا تبدو الأمور جيدة بالنسبة للعرب منذ زمن طويل، فجيل ما بعد الحرب العالمية الثانية آمن بحتمية حدوث نهضة عربية بعد قرون من الاحتلال العثماني والإستعمار الأوروبي، وخلال مشروع النهضة العربية وقفت مشكلة فلسطين حجر عثرة أمامه، وحطمت هزيمة 1967 كثيرا من الأحلام، وحتى بعد تفوق إسرائيل عسكريا واستمرار احتلالها العنصري والدعم الأمريكي والغربي غير المحدود لها، ظلت قضية فلسطين وطريقة التعامل معها معيارا للمواقف الوطنية العربية، وظل الإحساس العام بين العرب بأن العدل سيتحقق إن عاجلا أو آجلا.
هذه الثقة تلقت مؤخرا ضربة جديدة، ولم يتوقع كثير من العرب أن تحقق مبادرة السلام التي أعلنها جورج بوش في "أنابوليس" في نوفمبر الماضي شيئا على الإطلاق، والخلاف بين حماس وفتح هز بشدة ما كان بديهية مسبقة لدى العرب عن عدم إمكانية حدوث خلاف فلسطيني-فلسطيني، وأطلت برأسها مقولة جديدة: إذا كان الفلسطينيون أنفسهم لا يستطيعون الاتفاق والتوحد في قضيتهم فلماذا يجب على العرب الآخرين أن يساعدوهم؟ ومع أي طرف من الطرفين يقفون؟ وأصبح الأمر محيرا بالنسبة للعرب، كما هو بالنسبة للفلسطينيين أنفسهم، فالاختيار بين "حالة عاطفية" تدعو إلى "المقاومة" و"حالة عقلانية" تنصح بالتسوية أصبح محيرا جدا.
والوضع في العراق مشابه للوضع في فلسطين، فالاحتلال الأمريكي في 2003 أدى إلى غضب عربي عالمي تقريبا، وبدت "المقاومة" العراقية في الخارج طبيعية ونبيلة، لكن مع ازدياد الفوضى في العراق، اختلط الحق بالباطل، وأصبح قتلة من القاعدة والميليشيات الشيعية والعصابات الإجرامية والإنفصاليين الأكراد والسياسيين الفاسدين أبطالا.
وفي أماكن أخرى أصبح من الصعب على العرب أن يدينوا المذابح في دارفور غرب السودان أو المسئولين عن مأزق الأطراف اللبنانية حول السياسة الخارجية الأمريكية، ومازال كثير من العرب يرون "حرب بوش على الإرهاب" حملة صليبية ضد الإسلام، لكن آخرين يرون أيضا أن "الجهاد" على طريقة القاعدة أسفر عن مقتل مسلمين من المغرب إلى السعودية إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينية في لبنان، أكثر مما قتل من "الكفار" حسب مفهمومهم.
وفي العقود الماضية كان العرب يعتمدون على الزعماء لكي يرشدوهم إلى الطريق الصحيح، وكان جمال عبد الناصر في مصر والحبيب بورقيبة في تونس، والملك حسين في الأردن والحسن الثاني في المغرب والملك فيصل في السعودية وحافظ الأسد في سوريا –رغم كل أخطائهم- زعماء حقيقيين يتمتعون بشعبية كبيرة في بلادهم، وحتى صدام حسين نفسه كان يتمتع أيضا بشيء من صورة رجل الدولة الوطني، أما قادة اليوم، فعلى النقيض، لأنهم يفتقرون إلى مشروع ملهم، ولا يتمتع أي منهم بشرعية طبيعية، انتخابات أو رضا شعبي عام، ولم تعد مصر التي يحكمها الرئيس مبارك منذ 26 عاما "بطل العروبة"، والسعودية التي تحوز أكبر ثروة نفطية في العالم العربي لا تمتع بسجل جيد في السياسة الخارجية العربية ولا تلعب دورا قياديا في توحيد العرب، مؤخرا فقط أبدت تحركات دبلوماسية في هذا الاتجاه لكنها فشلت فشلا ذريعا في المصالحة بين حركتي فتح وحماس.
انتهت زعامة الستينيات والسبعينيات التي كانت تعتمد على الكاريزما الشخصية في القيادة، لكن للأسف لم تحل محلها أنظمة تقوم على حكم المؤسسات، ناهيك عن أن تحل محلها أنظمة ديموقراطية –رغم كل الإلحاح الغربي على تطبيقها.. أجريت الانتخابات عدة مرات وأصبحت الأحزاب المعارضة والصحف أكثر حرية، لكن الوضع في الغالب كان إصلاحا شكليا بلا جوهر حقيقي، الأنظمة تشير إلى وجود برلمانات، لكنها في الواقع تخادع وتمارس ألاعيبها لدعم عملاءها وتستبعد وتهمش معارضيها الحقيقيين، تروج لبرامج الخصخصة التي تقلص دور الدولة، وتحجب حقيقة أن المستفيدين الحقيقيين منها هم أتباع النظام والحاشية المحيطة به من رجال الأعمال.
الصحف الأكثر حرية تتصدر التوزيع عند باعة الجرائد في مصر وفي كل أنحاء العالم العربي، لكن ذلك الانفتاح في مجال الصحافة والإعلام كان حتميا، بسبب صعوبة منع وسائل الإعلام والاتصالات الجديدة عبر الأقمار الصناعية والإنترنت، واتجهت الحكومات من السيطرة المطلقة على المعلومات عبر احتكارات التلفزيونات الحكومية، إلى سن قوانين تجرم "نشر الأخبار الكاذبة" أو "إهانة مؤسسات الدولة"، واستخدمت الحكومات الموالية للغرب كالمغرب والأردن وتونس ومصر مثل هذه الوسائل لخنق المعارضة، وبينما كانت سوريا –على سبيل المثال- في ظل حكم حافظ الأسد تلقي بالمعارضين إلى السجون بدون أي محاكمة، راح وريثه بشار يحاكمهم أولا، لكن مصير المعارضين في الحالتين هو السجن، الفرق في الطريقة.
هذه الحيل والألاعيب تفقد العمل السياسي حيويته، وحتى المغرب الأكثر جرأة في إجراء الإصلاح، وعلى الرغم من انتعاش ديموقراطيتها وحرية الصحافة فيها وإجراء انتخابات تعددية، مازال المغاربة متشككين في السيطرة على العملية السياسية بإحكام، والنتيجة تراجع الإقبال على التصويت خلال العقدين الماضيين، وفي مصر لا يذهب إلى التصويت في الانتخابات سوى أقل من 10% من الناخبين.
وأساتذة العلوم السياسية منذ فترة طويلة يحملون الثروة النفطية والاقتصاد الريعي -الذي يصاحبها عادة - المسئولية عن بقاء الاستبداد العربي، ففي مقابل عدم وجود نظام ضريبي لا يوجد تمثيل برلماني، الحكومات العربية وخصوصا في دول الخليج طبقت تلك الصيغة بالكامل وأكثر منها: خصصت موارد الطاقة الوطنية فلم يحتاجوا إلى فرض ضرائب باهظة وحصدوا سكوت مواطنيهم عنهم.
والمصدر الذي لا يمكنك أن تلمسه بوضوح لقوة الدولة هو الخوف مما قد يحدث في حال غيابها، والخوف من بطش آلتها القمعية، وقد أصبح الولاء للدولة في كثير من الدول العربية أضعف من الولاء إلى التجمعات الثانوية القائمة على العلاقة القبلية أو الانتماء العرقي أو الديني، وهي مشكلة مازالت موجودة في مناطق أخرى من العالم؛ ومازالت كثير من الديمقراطيات الناجحة تعاني منها، لكن العالم العربي الإسلامي بكل دوله تقريبا مازال يواجه مشكلة إضافية أساسية لم تحل، هي مصدر التشريع، هل هو وضعي أم إلهي.
قد تبدو هذه النقاط مجردة أكثر من اللازم لكنها ذات تأثير فعلي في الواقع، ففي معظم الدول العربية تسيطر أنظمة على السلطة استنادا إلى حماية التقاليد أو حركات تتمتع بدعم العسكر وتدعي أنها تمثل إرادة الجماهير.. بينما تتآكل تلك الأنظمة وتنهار من أعلى لأسفل، مثلما حدث في عراق ما بعد صدام أو في الأراضي الفلسطينية ما بعد عرفات، تواجه تلك الأنظمة صعوبة شديدة في إصلاح التآكل والانهيار من أسفل إلى أعلى.
أرابيسك ـ أيمن شرف ـ الدستور يناير 2008
mal3onaboeldonya@hotmail.com
الهروب من مصر
يأتي الزملاء الصحفيون من الخليج في إجازاتهم كل عام، وفي حلق كل منهم غصة الغربة يكتمها، وحنين إلى البلد والناس ولمة الأصدقاء يخشى التعبير عنه، لكنه يغلفه في سؤال بسيط مناور: ما أخبار مصر؟، وضمنيا يشير السؤال إلى أحوال المهنة.. الصحافة.
ورغم أن هناك حراكا في مهنة الصحافة والإعلام في السنوات الأخيرة، اتساع في الإصدارات الصحفية الجديدة والقنوات الفضائية، حتى أصبح الكادر الصحفي المحترف غاليا ونادرا، وبتنا نسأل عن "ديسك مان" شاطر أو رئيس قسم أخبار ذو خبرة جيدة فلا نجد، رغم ذلك ورغم ارتفاع الأجور نسبيا للمحترفين، تظل الإجابة التي يتلقاها الصحفي "الغائب" المغترب كما هي "خليك هناك أحسن".
وحالة الانتعاش في سوق الصحافة لا تنطبق بالطبع على أسواق المهن الأخرى، ولا تنطبق بالمرة على الخالين من العمل، أصحاب المؤهلات الجالسين على دكة الانتظار سنوات بعد التخرج، أو الذين يعملون في وظائف شكلية مؤقتة أو يقومون بأي عمل والسلام انتظارا لفرصة أفضل، وحلم السفر والخروج من مصر راود ويرواد الملايين من شبابها، وحتى كبارها في السن الذين خرجوا على المعاش مبكرا من الشركات التي تم تصفيتها وبيعها، والاستعداد للمغامرة بدفع مبالغ كبيرة لمكتب سفريات أو وسيط قد يكون نصابا تزداد كلما زادت الحاجة والرغبة في الخلاص من الظروف المحيطة.
ليس غريبا إذن أن يتقدم 6 ملايين مصري للحصول على "الجرين كارد" للسفر إلى أمريكا، وليس غريبا أن يذهب أكثر من عشرين ألف مصري للعمل في إسرائيل، وغيرهم ملايين أخرى مستعدون ليس فقط للسفر –على أمل العودة مع تحسين الأوضاع- بل للهجرة والتوطن في أستراليا وكندا وغيرها من الدول،
يستطيع أن يتحدث أي مسئول "بيستعبط" عن توفر فرص عمل، أو عن نجاح برنامج الرئيس الانتخابي في تحقيق معدلات وظائف أكبر، ويستطيع شيخ أن يتبجح بالقول إن "الغرقى على شواطئ المهجر" طماعون، فلن يصدقهم أحد، اما "الاقتصادي المتحذلق المتفزلك" الذي يبشرنا قائلا إن مصر حققت معدلات نمو فوق السبعة بالمئة في العامين الماضيين، وإن الاستثمارات الأجنبية تضاعفت والصادرات زادت إلى أوروبا وأمريكا، فلن يدخل أحد معه في نقاش حول التفاصيل ودقة الأرقام والمعايير التي يبني عليها استنتاجاته وطبيعة ونوعية الصادرات وطبيعة ونوعية الاستثمارات وفي أي قطاعات، وسيواجه بسؤال واحد بسيط "كلامك مظبوط سيادتك.. لكن هي راحت فين؟"، الطفرة التي يتحدثون عنها يجني ثمارها عدد محدود جدا من الأشخاص، والفلوس لا تدور دورتها الطبيعية في أيدي الناس ولذلك يهربون من مصر
شيوخ ورهبان
في غمرة الأحداث أحيانا ما يخطئ الناس أخطاء التمني المعتادة، فيتصورون أن شيخ الأزهر وبابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقصية شخصيتان عامتان.. رجلا دين ملتزمان بمرجعياتهما.. يراعيان مشاعر واعتبارات الطائفة الدينية التي يمثلانها، وينسى الناس حقيقة أنهما موظفان كبيران جدا لدى الدولة، يسري عليهما ما يسري على أي موظف، مع فارق بسيط أنهما "شديدا الأهمية" لها، فيتمتعان بميزات ومخصصات فوق العادة، كل منهما بدرجة رئيس وزراء، أي أن راتب كل منهما لا يقل عن راتب رئيس الوزراء أحمد نظيف وبدلات الاجتماعات والسفر والحوافز التي يحصل عليها، ويتمتعان أيضا بنفس حصانة رئيس الوزراء أمام جهات التقاضي فلا يمثلان أمام قاضي التحقيق إلا بعد إجراءات رفع الحصانة عنهما وهو ما يعني حماية خاصة عند مخالفتهما للقانون، ولكن عند مخالفتهما لمقتضيات الوظيفة و"المهمة السياسية" التي تناط بهما ينالان العقاب المناسب الذي يليق بهما، والدولة لا تتصرف بفجاجة في مثل تلك الأحوال، بل تراعي حساسية تمثيلهما لطائفتيهما الدينية، وتراعي أهمية "الخدعة" التي تدخلها على الناس، حتى لا يصدمون دفعة واحدة بالحقيقة المرة، وهي أن "فضيلة" شيخ الأزهر و"قداسة" البابا بكل ما لهما من هيلمان ووجاهة وسلطة معنوية هما مجرد موظفين لدى الدولة.
والتؤهل للمنصب في الحالتين –رغم فارق أن شيخ الأزهر يأتي بالتعيين وبطريرك الكرازة المرقصية يأتي بالاختيار- يقتضي أن يكون صاحبه قريبا من مزاج السلطة، آراؤه ومواقفه تسير في ركبها، مستعدا لموالاتها وعدم مناطحتها أو مناكفتها، بل ومبررا لقراراتها السياسية، والشيوخ والرهبان الذين يحلمون بالجلوس على كرسي الشيخ والبابا يعرفون تماما مؤهلات ذلك الجلوس.
قد يتوهم أحدهما أحيانا أنه صاحب رسالة ومهمة وطنية، أسندتها إليه الظروف والمقادير، لكن محاولات الموظفين الكبيرين في التخفي في رداء "المهمة الإلهية" تتكشف دائما عند المواقف الصعبة التي تفرض اختيارا واضحا لا التباس فيه، شيخ الأزهر مثلا تحدث -بلا مناسبة تقريبا- عن شرعية توريث السلطة في الإسلام، وفي مرة أخرى تحدث –في حضور الرئيس وفي سياق اتهام صحفيين بترويج شائعة مرضه- عن عقوبة الجلد لمن يروج شائعة والمعنى مفهوم بالطبع، أما بابا الكرازة المرقصية فلم يفت بشيء ولم يسعفه التراث المسيحي بمقولة تصلح لتوظيفها لتبرير "توريث السلطة من الأب للابن عبر صندوق انتخابات يشرف عليها ضباط أمن دولة الرئيس"، ولكنه في إحدى المناسبات الدينية علق على الحائط من خلفه صورة "الابن" جمال مبارك كبيرة واضحة ودون صورة أبيه، والتقطت الكاميرات المشهد، وبعثت برسالة واضحة لا تخطئها العين وإن لم ينطقها اللسان.
لا داعي إذن أن يراهن ساذج أو مغالط لنفسه بالتمنى على فضيلة الشيخ أو قداسة البابا في أن يتصرف أحدهما كشخصية دينية قيادية مستقلة ويتمرد على "الكادر الوظيفي" الذي يشغله في الدولة
انتكاسة الحريات السياسية في مصر 2007
تقرير فريدوم هاوس عن 2007
أسباب تراجع الحريات في مصر: قمع الصحفيين وتكميم المعارضة السياسية من الأحزاب والإخوان وفرض قيود على إستقلال القضاء
الفوضى السياسية والقمع سحق آمال المواطنين في اللحاق بركب بقية العالم
شهدت الحريات في الشرق الأوسط انتكاسة كبيرة في 2007، حسبما رصد تقرير فريدوم هاوس "بيت الحرية" في مسح عالمي لأوضاع الحريات، صدر 17 يناير الجاري، وقال أرك بادينجتون مدير الابحاث في فريدوم هاوس، وهو مؤسسة مستقلة غير حكومية تدعم انتشار الحريات حول العالم، وتراقب مستوى الحقوق السياسية والحريات المدنية حول العالم منذ 1972، إن "نتائج هذا العام تظهر تدهورا مثيرا للقلق في الحريات على مستوى العالم".
وطبقا للتقرير الذي حمل عنوان "الحرية في العالم 2008"، وصلت فترة المكاسب البسيطة التي ميزت المشهد السياسي في الشرق الأوسط فيما بعد أحداث 11 سبتمر إلى نهايتها في 2007. وسجلت انتكاسة في ثلاث دول مهمة في الشرق الأوسط العربي هي: مصر ولبنان وسوريا، ولوحظ التراجع أيضا في السلطة الوطنية الفلسطينية والمناطق التي تحتلها إسرائيل، وشهدت تونس، التي تعد منذ فترة طويلة إحدى دول المنطقة الأكثر قمعا، تراجعا آخر في الحقوق السياسية في 2007.
وتعكس نتائج الدراسة أحداث عالمية أثناء 2007، وقال أرك بادينجتون إن "الشرق الأوسط ما زال المنطقة الأكثر قمعا في العالم.. وبينما بدا في السنوات السابقة أن المنطقة تتقدم ببطئ، سحقت الفوضى السياسية وقمع الأصوات المستقلة الذي حدث في 2007 آمال المواطنين في الشرق الأوسط في أنهم قد يلحقون أخيرا بركب بقية العالم".
وكانت مصر ولبنان وسوريا والسلطة الفلسطينية قد أحرزت تقدما على مستوى مؤشرات بيت الحرية في السنوات الأخيرة، وفي حالة السلطة الفلسطينية ولبنان كان التقدم كبيرا. لكن في 2007، حدثت تطورات سلبية كبيرة:
شهدت مصر تراجعا لعدة أسباب: قمع الصحفيين؛ تكميم المعارضة السياسية، بما في ذلك كلا من الأحزاب الديمقراطية وقيادات الإخوان المسلمين؛ وقيود أخرى على إستقلال السلطة القضائية.
وحدث تراجع في لبنان بسبب أزمة إختيار رئيسها والعنف المستمر الموجه ضد المسئولين والصحفيين الذين عارضوا الهيمنة السورية في الحياة السياسية.
وشهدت السلطة الفلسطينية تغييرا في وضعها، من سلطة حرة جزئيا إلى سلطة غير حرة، بسبب إنهيار الحكومة الموحدة بعد استيلاء حركة حماس على غزة، وعدم قدرة النواب المنتخبين على الحكم في غزة أو الضفة الغربية. وفي المناطق التي تحتلها إسرائيل، تسببت التوغلات العسكرية الإسرائيلية وعنف الاحتجاجات المضادة في تراجع مستوى الحريات المدنية.
وفي سوريا، شهدت الحريات اتجاها سلبيا بسبب القمع المتكرر للمعارضين من أنصار الديمقراطية.
وشهدت تونس، التي تعتبر منذ فترة طويلة إحدى دول المنطقة الأكثر قمعا، تراجعا في الحقوق السياسية نظرا لتقارير موثقة حول انتشار الفساد حتى بين عائلة الرئيس زين العابدين بن علي.
ويقول بودينجتون إن "أسباب الركود السياسي في المنطقة كثيرة، وتتراوح ما بين تأثير الدول القمعية المجاورة إلى بروز المتطرفين الإسلاميين، "لكن المشكلة تكمن إلى حد بعيد في إحجام الدكتاتوريين المعمرين في المنطقة عن تقاسم السلطة وفي غياب مجموعات المعارضة القوية التي تستطيع الضغط على الدكتاتوريين لعمل ذلك".
وقد رصد تقرير "الحرية في العالم 2008" تراجع الحريات على مستوى العالم، وأن الانتكاس حدث في خمس دول العالم، وخصوصا في جنوب آسيا ودول الإتحاد السوفيتي السابق والشرق الأوسط، وأن عددا كبيرا من الدول المهمة سياسيا ينطوي الانتكاس فيها على نتائج إقليمية وعالمية واسعة من بينها روسيا وباكستان وكينيا ونيجيريا، وفنزويلا، قد شهدت تراجعا كبيرا.
وجاء في التقرير السنوي لبيت الحرية أن الدول التي يمكن ان توصف بأنها "حرة" عددها 90 دولة وتمثل 46 في المئة فقط من سكان العالم.
وأظهر التقرير انه على الرغم من ان هذا الرقم لم يتغير عن عام 2006 الا ان عددا كبيرا من الدول التي صنفت من قبل على انها "حرة نسبيا" أو "غير حرة" شهد تراجعا كبيرا عن الديمقراطية عام 2007 .
وقال التقرير ان 38 دولة شهدت تراجعا في الحريات وكان عدد كبير منها في الشرق الاوسط وجنوب اسيا ومن دول الاتحاد السوفيتي السابق وان عشر دول فقط من بينها تايلاند وتوجو شهدت تحولا ايجابيا.
أما باكستان التي كانت مصنفة أصلا بأنها "غير حرة" فقد تفاقمت الأوضاع فيها حين حاول الرئيس برويز مشرف تعزيز سلطاته من خلال قمع المعارضة الديمقراطية، وتصاعد العنف السياسي بدرجة ملحوظة بعد اغتيال زعيمة المعارضة بيناظير بوتو.
متى تتحول دولة إلى خرابة
المستشار عادل فرغلي رئيس قسم التشريع في مجلس الدولة قال في حوار منشور بالدستور وبشكل قاطع أن "رجال الأمن كانوا يتصنتون على المستشارين في غرف المداولة حتى أننا كنا نلجأ للمداولة في أماكن أخرى، وعندما علموا أننا سنلغي قرار رئيس الجمهورية في قضية سليمان خاطر فوجئنا قبل إصدار حكمنا بمندوب رسمي يبلغنا أن القضية انتهت، فسليمان خاطر انتحر في السجن، وكذلك الحال في قضية شكري مصطفى، أبلغنا بأن حكم الإعدام تم تنفيذه".
وسليمان خاطر لمن لا يتذكر كان جنديا في قوات الأمن المركزي على الحدود مع إسرائيل، أصاب سبعة إسرائيليين حاولوا اختراق الحدود رغم التحذير فأطلق عليهم النار في 5 أكتوبر 1985، وفي 28 ديسمبر 1985 صدر عليه حكم بالأشغال الشاقة المؤبدة 25 عاما، وتم ترحيله الي السجن الحربي بمدينة نصر بالقاهرة وبعدها بعشرة أيام تقريبا، في 7 يناير 1986 ادعت سلطات السجن أنه انتحر شنقاً.
أما شكري مصطفى فكان مؤسس "جماعة المسلمين" المعروفة باسم "التكفير والهجرة" التي اغتالت وزير الأوقاف السابق محمد حسين الذهبي عام 1977، وفي 30 مارس 1978 تم تنفيذ حكم الإعدام في شكري مصطفى وأربعة من قادة جماعته.
واحدة في أواخر عهد السادات والثانية في بدايات عهد مبارك.. وما قاله المستشار عادل فرغلي مر مرور الكرام، وكأنه كان يتحدث عن فرختين، وكأن المواطنين المتهمين أو المدانين لم يكونا "أمانة" لدى سلطات احتجازهما مسئولين عنهما، وكأن مجلس الدولة كان يلعب في الوقت الضائع وهو ينظر قضية شكرى مصطفى، أو لا يعلم موعد تنفيذ حكم الإعدام فيه هو ورفاقه الأربعة، وكأن الاستعجال في تنفيذ الحكم ضرورة لا مفر منها.. مر كلام المستشار مرور الكرام وكأن أجهزة الأمن التي كانت تتصنت على غرف المداولة لا تقرأ الصحف، فلا تفهم ولا تدرك أن الكلام اتهام صريح لها، ومن شخص له مكانته واحترامه وحيثيته، وليس من معارض أيديولوجي هنا أو هناك.
تستطيع الآن أن تفهم ملابسات الحالات الأحدث لانتحار سجين في معتقل أو مواطن محتجز في قسم شرطة من النوعية التي تقرأ عنها كثيرا هذه الأيام في الصحف، وتستطيع أن تفهم متى وكيف تتحول دولة إلى خرابة.. عندما يصبح حماة الأمن موضع شبهات، ويدان بعضهم بالتعذيب في الأقسام، وعندما تصبح أرواح أبنائها –أيا ما كانوا متهمين أو مدانين أو متظاهرين أو مارة عابرين في الشوارع- هينة على سلطتها، وعندما يصبح مصيرهم لا يهز كرسى ولا يهز شعرة في نظام حكمها.
أرابيسك - أيمن شرف - الدستور يناير 2007
إرسال قوات أمريكية لمراقبة الحدود وإزالة المتفجرات في سيناء
فيما يعد استجابة واضحة لمطالب إسرائيلية قررت الولايات المتحدة إرسال جنود أمريكيين إلى شبه جزيرة سيناء ضمن القوة متعددة الجنسيات والمراقبين الدوليين، فقد كتبت صحيفة أرمي تايمز الأمريكية تحت عنوان "استدعاء الوحدة 109 للذهاب إلى مصر" أن حوالي 95 جنديا من الحرس الوطني في ولاية أيوا، والذين يتمركز معظمهم في مدينة أيوا، تم استدعاؤهم لأداء مهمة فيدرالية نشطة تبدأ الشهر القادم.
وأضاف تقرير الصحيفة العسكرية المتخصصة، نقلا عن طبقا لبيان صحفي أصدره المقدم جريج هابجود، ضابط الشئون العامة في الحرس الوطني بأيوا، أن ثلاثة وحدات تتمركز في مدينة أيوا ستنشر في شبه جزيرة سيناء في مصر كجزء من القوة متعددة الجنسيات والمراقبين الدوليين، وغالبيتهم ينتمون لمقر قيادة الحرس الوطني في أيوا والوحدات الدائمة، والكتيبة الطبية 109 (متعددة الوظائف)، وقال إن الوحدات الأخرى المشاركة في المهمة هي وحدة الدعم الطبي الميداني 209 وقيادة القوات السابعة والستين.
وحسب موقع "نشرة واشنطن -يو.إس.إنفو" التابع لوزارة الخارجية الأمريكية قررت إدارة بوش في عام 2001 تقليص مشاركة الولايات المتحدة في القوة متعددة الجنسيات، لكن مصر وإسرائيل سعتا إلى إقناع البيت الأبيض بإعادة النظر في القرار والعدول عنه، ومنذ عام 2002 تألفت الكتيبة الأمريكية في القوة متعددة الجنسيات من جنود من المواطنين من الحرس الوطني التابع للجيش، وهي الوحدات العسكرية التي تخضع لسيطرة الحكام والتي يمكن أن تستدعيها الحكومة الفدرالية للعمليات العسكرية، وحل أفراد من الكتيبة الأولى 296 مشاة من الحرس الوطني لبورتوريكو محل الكتيبة الأمريكية المكونة من 425 فردا.
ووفقا للبيان الصحفي سيتولى أفراد الكتيبة الطبية 109 قيادة ثلاث وحدات للإمداد والخدمات الطبية والطيران وإزالة المتفجرات لجميع وحدات القوة متعددة الجنسيات والمراقبين الدوليين المكونة من إحدى عشرة دولة.
وقد تلقى الجنود أوامر بالخدمة الفعلية لسنة واحدة، لكن وزارة الدفاع يمكن أن تمدد مهمتهم سنة إضافية، وقال هابجود إنها "تعبئة مبرمجة مسبقا.. فالوحدات كانت تستعد لهذه المهمة منذ فترة".
وقال المقدم جويل هاريس من الكتيبة الطبية 109 إنه أبلغ بتعبئة محتملة في مارس 2007، وأضاف هاريس، الذي ينتمي لمدينة أيوا، وهو عضو دائم في الحرس الوطني عمل مع الكتيبة أيضا في العراق في الفترة من 2003 إلى 2004، أن "ذلك ما نفعله منذ فترة"، وقال هاريس إن 90 بالمائة من الجنود المشاركين في هذه المهمة سيكونون من المرتبطين بالكتيبة الطبية 109، وجميع جنود الحرس الوطني الذين سيرسلون يقومون بالتدريب هذا الأسبوع في معسكر دودج، بالإضافة إلى أفراد الوحدات الأخرى.
وقال هابجود هذه ثاني وحدة من الحرس الوطني في أيوا تشارك في القوة متعددة الجنسيات والمراقبين الدوليين، وكانت آخر وحدة قد عادت في 2004، وقال إن المعلومات المحددة حول موعد السفر وتفاصيله ستتقرر، لكن من المتوقع بدء الإجراءات الرسمية في مطلع شهر فبراير المقبل قبل مغادرة الجنود للتعبئة في قاعدة لويس بواشنطن، وأضاف أن الجنود سيكونون في واشنطن لمدة شهرين إلى ثلاثة شهور حتى يتم التصديق على مهام جميع أعضاء الوحدة وهم عدة مئات من الجنود.
وكان نحو 150 جنديا بمقر الكتيبة 109 وكتيبة الدعم المتخصصة في الرعاية الطبية، قد نشطوا في 24 يناير 2003، وتوجهوا إلى قاعدة ماكوي، في ولاية ويسكونسن، لمدة شهرين قبل الإبحار إلى الشرق الأوسط. ولحقهم 60 آخرون من جنود الكتيبة المرافقة بعد شهر.
وفترة بقائهم بعيدا عن الوطن والتي كان متوقعا في الأصل أن تستمر عاما، تم تمديدها خلال الربيع. ولم تتعرض الكتيبة لخسائر أو إصابات وعادت من العراق في أبريل 2004، وقال هابجود إن بعض جنود الحرس الوطني في أيوا من الكتيبة الطبية 109 شاركوا أيضا في مهمات أخرى.
وسيقدم جنود من وحدات الحرس الوطني التالية دعما تقنيا وتكتيكيا إضافيا إلى الكتيبة 109 في هذه المهمة: وحدة الدعم الطبي الميداني 294 ومقرها جونستون؛ الوحدة الطبية 134 ومقرها واشنطن؛ وحدة الشئون العامة المتنقلة 135 ومقرها جونستون؛ وحدة النقل 2133 ومقرها سنترفيل؛ ومقر القوات المشتركة ومقرها جونستون.
فيما ذكرت وكالة أنباء أسوشيتدبرس أن الكتيبة يتم تنشيطها في عدة مهام، من بينها الحرب على الإرهاب وعمليات النسر النبيل والحرية الدائمة والحرية العراقية. الجنود سيتولون قيادة ثلاث وحدات لإزالة المتفجرات ويقدمون الدعم الطبي واللوجسيتي والطيران لقوات في المنطقة.
وكانت مصر وإسرائيل قد بدأتا مفاوضات بدعم أمريكي قوي لتشكيل القوة متعددة الجنسيات والمراقبين الدوليين في 1981 خوفا من أن ترفض الأمم المتحدة تشكيل قوة حفظ سلام تابعة لها، وبعد إعلان الأمم المتحدة بالفعل أنها لن ترسل قوات حفظ سلام إلى سيناء تشكلت القوة عام 1982 كمنظمة حفظ سلام دولية مستقلة، وتدير القوة متعددة الجنسيات ومقرها روما مكاتب اتصال في كل من القاهرة وتل أبيب وشبكة تضم 35 برج مراقبة ونقطة تفتيش ومركز مراقبة على الشريط الممتد بطول شرقي سيناء، وتقوم القوة الدولية وقوامها قرابة 1700 جندي بالإضافة إلى طاقم المراقبين المدنيين الأميركيين البالغ عددهم 15 مراقبا بالتأكد من امتثال مصر وإسرائيل للأحكام الأمنية الواردة في اتفاقية كامب ديفيد.
وقد بدأت قصة القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين الدوليين برسالتين متطابقتين وجههما الرئيس جيمي كارتر إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن والرئيس المصري أنور السادات تشددان على التزام واشنطن بمساعدة الدولتين على مواصلة العمل من أجل تحقيق السلام بعد أن يتم توقيع الاتفاقية التي أبرمت بوساطة الولايات المتحدة. وتضمنتا تعهدا بمساعدتهما في تشكيل قوة حفظ سلام بديلة في سيناء إذا لزم الأمر.
وكانت الولايات المتحدة تساهم بكتيبة مشاة قوامها 425 جنديا في القطاع الجنوبي لانتشار القوة متعددة الجنسيات في سيناء، بالإضافة إلى 235 موظف دعم، يضمون أطباء ومتخصصين في الألغام الأرضية، وهناك كتيبتان إضافيتان من كولومبيا وفيجي تعملان في الشمال، وثلاث سفن من البحرية الإيطالية تقوم بدوريات في المياه المحاذية لسواحل سيناء، وذلك لضمان حرية الملاحة في مضيق تيران والوصول إلى خليج العقبة. وتساهم كل من أستراليا، كندا، فرنسا، المجر، نيوزيلندا، النرويج وأورجواي بوحدات أصغر في القوة المتعددة الجنسيات. وتعتبر هذه الوحدات مسئولة عن المهام التخصصية مثل التدريب والاتصالات والهندسة والدعم الجوي والنقل.
وحسب الموقع أيضا يمثل وجود قوات الحرس الوطني أكثر من مجرد فرصة للتعبير عن التزام الولايات المتحدة بتحقيق السلام في الشرق الأوسط، وإنما هو أيضا فرصة تدريب لصقل مهاراتهم وجعلهم أكثر تأثيرا وفعالية في واجباتهم التقليدية، مثل المساعدة في الرد على الكوارث الطبيعية في الولايات المتحدة، ودعم تطبيق القوانين المحلية والجهود المبذولة للمحافظة على الأمن الداخلي، والمشاركة في العمليات في العراق وأفغانستان
الدستور - أيمن شرف - يناير 2007
مستر منضبط
أعرف شخصا يسمونه بالإنجليزية (مستر إنتيجرتي) أي "مستر منضبط".. التعبير كان يطلق عليه في شبابه عندما كان نموذجا للاستقامة وطهارة اليد، قال عنه رئيسه المباشر ذات مرة مبررا ترقيته إن "سمعته زي الفل ومحبوب بين زملائه ومش طماع... شايف شغله.. ملوش لا في الخمرة ولا القمار.. في حاله من الشغل للبيت.. ومستقيم أخلاقيا ومتعته الوحيدة الأكل والرياضة".
ودارت الأيام ومرت الأيام كما تقول أغنية أم كلثوم ولم يعد مستر منضبط كذلك، غادر المؤسسة الصارمة التي كان يعمل بها والتحق بأخرى أقل صرامة وأوسع سلطة ونفوذا وأكثر مسئولية، دون ان تكون لديه خبرة كافية لإدارتها، في البداية حافظ على نمط سلوكياته بدواعي القصور الذاتي، ولكن سرعان ما تغير، أصبح يدخن السيجار ويشرب الخمر حتى في رمضان، لكنه ظل محافظا على صحته بالرياضة.
ذات مرة كان مسافرا إلى دولة أجنبية يجيد لغتها، وطلب من سكرتيره أن يرتب زيارته لمكان معين، فقال له السكرتير الذي يعرفه منذ زمن طويل وتربطهما زمالة أقرب إلى الصداقة إن هذا المكان لا يليق بك الآن، ومن العيب أن تذهب إليه، فانهال عليه بسيل من الشتائم وكاد يضربه بالشلوت، فترك أخينا المكتب وقرر أن يستقيل ويسيب له البلد باللي فيها، وبعد يومين من غيابه اتصل به أحد مساعدي مستر منضبط (سابقا): إنته فين.. الراجل بيسأل عنك.. إنت زعلت ولا إيه؟"، ولم يعد أخينا إلى عمله مرة أخرى حفاظا على كرامته.
ويبدو أن الحياة الجافة في سن الشباب تولد أحيانا درجة كبيرة من النزق عندما يتقدم السن بصاحبها، خاصة إذا كانت الاستقامة ليست فكرة أصيلة في نفسه، وإنما هي أداة للصعود في عمله، أو وسيلة لنيل رضا رؤسائه عنه، فأخينا المنضبط السابق عُرف بين المحيطين به بمعاكسة الفتيات صغيرات السن، أما فكرة طهارة اليد فقد نسيها تماما، وانقلب إلى النقيض، وذاعت أخبار اتساع ذمته المالية بين المحيطين به، وراح يستخدم نفوذ وظيفته الجديدة في جمع الأموال لنفسه ولعائلته والمقربين منه، دون رادع أو وازع من ضمير.
من معرفتي بهذا الشخص تعلمت ألا أربي أبنائي على كبت رغباتهم أو التضييق على أنفسهم أو منعهم من اللهو من أجل المذاكرة.. لم أعد مهتما بأن يكونوا متفوقين في دراستهم وإنما أن يكونوا أصحاء نفسيا، حتى لا يصبح أحدهم "مستر منضبط" في المستقبل.. ونصيحة مني لوجه الله لا داعي للانضباط أكثر من اللازم في تربية أولادك، حتى لا يفجروا عندما يخرجون عن سيطرتك وربما من وراء ظهرك.
أرابيسك- أيمن شرف –الدستور 9 ديسمبر 2007
mal3onaboeldonya@hotmail.com
التجريس في منى
يتصل قارئ لا أعرفه.. يبدي ملاحظة، أنتم تقدمون صورة سوداوية لما يحدث في مصر، تعرضون فقط ما هو سيء، وتنحون ما هو إيجابي جانبا، والقارئ لا يخص الدستور وحدها بملاحظته، بل يشير إلى صحف أخرى مستقلة ومعارضة، والقارئ له عذره، فهو يريد أيضا أن يقرأ شيئا يفتح النفس، ونحن أيضا كصحفيين في صحف مستقلة ومعارضة لنا عذرنا، فالواقع في إجماله سيء، وأحيانا يدعو لليأس والإحباط، صحيح أن مهمتنا بالفعل هي البحث عن الحقيقة، لكننا في واقع الحال كأي بشر لا نستطيع- إدراك الحقيقة كاملة- فقط أن نحاول إدراكها، وتقديم جانب منها، ففي بلاد مثل بلادنا ترسم فيها الصحف الحكومية صورة وردية للأوضاع، يصبح من المنطقي أن نختار إكمال الصورة بإظهار جانبها المظلم، وفي بلاد مثل بلادنا تسيطر فيها الدولة على معظم وسائل الإعلام وحولت بعض صحفييها إلى موظفين وكتبة ومنافقين، تصبح مهمتنا الأهم هي النبش بإبرة عن الفساد وإبراز الأخطاء، ليس لأننا نبحث عن بطولة زائفة، ولكن لأننا نريد تغيير الوطن للأجمل والأفضل والأحسن، في بلاد كبلادنا لا ينبغي أن يكون الصحفي "محايدا" أو "أرزقيا" يعمل لدى من يدفع أكثر، بل أن يكون صاحب دور ووظيفة اجتماعية.
ولنأخذ المثال الأحدث.. تصدير مظاهر الفساد الإداري إلى الخارج في مشهد يراه العالم كله، في الحج.. في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الحجاج المصرييين.. أضرب الحجاج عن الطعام احتجاجا على سوء أوضاع بعثتهم، ورفض 4 آلاف حاج تابعين لبعثة وزارة الداخلية المصرية تسلم وجبتي الإفطار والغداء، احتجاجا على سوء التنظيم من قبل مسئولي وزارة الداخلية، مقارنة بغيرهم من البعثات، واشتكوا أيضا من سوء مكان الإقامة، بالإضافة إلى دورات المياه السيئة وأكوم القمامة، وافترش الحجاج الأرض والطرقات في منطقة جبل عرفات بعد أن تركهم مشرفو البعثة دون أتوبيسات تنقلهم إلى منى لاستكمال مناسك الحج، ولك أن تتصور الفوضى الناجمة عن ذلك، ومع الغضب احتجز الحجاج أتوبيس البعثة المصرية في الطريق من عرفات إلى المزدلفة لعدة ساعات.
ترى من يسئ إلى مصر في الخارج، ومن يسئ إلى مصر والمصريين في الداخل، من يهينهم ويهين آدميتهم وكرامتهم، من يتاجر في عرقهم ويسرق أموالهم، من يتسبب في هجرتهم من بلدهم وموتهم غرقا أو كمدا في الغربة، ليست بالطبع صحف المعارضة التي تظهر الجانب المظلم من حقيقة ما نعيشه في مصر، والإجابة واضحة، لكن السؤال الأهم هو كيف ولماذا؟ لأن من يحكمون مصر منذ زمن الاستقلال استعاروا تراث المستعمر في حكمها وراحوا يطورون أدوات قمعه واستبداده، والآن أصبح من الضروري أن يتغير رد فعل المصريين من السكون إلى المقاومة، وأن يعتصم حتى الحجاج وأن يضربوا عن الطعام ويحتجزوا أتوبيس البعثة المصرية في الحج، أن يجرسوا قامعيهم على رؤوس الأشهاد.
أرابيسك- أيمن شرف- الدستور 8 ديسمبر 2007
mal3onaboeldonya@hotmail.com
بوش وطواحين الهواء
يستطيع الرئيس الأمريكي بوش أن يعد سيفا خشبيا ليحارب طواحين الهواء، أو يجهز سكينا منزليا لتقشير البصل، لكي يجد ما يسلي نفسه به في العام المتبقى له من فترته الرئاسية، استعدادا للفراغ الذي سيعيشه بعد أن يغارد البيت الأبيض، غير مأسوف عليه من أنصاره في الحزب الجمهوري ولا من خصومه في الحزب الديموقراطي.
لا يتبقى أمام بوش سوى الاستعداد لكيفية قضاء وقت فراغه، ومن حين إلى آخر يمكنه أن يخرج بتصريح خطابي فارغ عن أن "كل الخيارات مازالت مطروحة" كما فعل فور صدور التقرير المخابراتي في محاولة لاحتواء أثره داخل أمريكا وخارجها.
الرئيس بوش لن يمكنه التهديد أو الإعداد لحرب على إيران في السنة المتبقية له في الحكم، فقد ألقى تقرير وكالة "ناشيونال انتيليجنس استيميت" التابعة لمجلس الامن القومي الامريكي ماء باردا على وجهه –حسب تعبير راند بيرس رئيس شبكة الامن القومي البحثية والعضو السابق بمجلس الامن القومي بادارة بوش، فقد نزع التقرير منه حجته لتبرير حرب عليها، التقرير يقول إن إيران ليس لديها مشروع نووي سري، وهو ما يتفق تماما مع تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في جنيف، ويستبعد احتمالات أن تتمكن إيران من صنع قنبلة نووية أو مشروع نووي عسكري إلى عام 2015 أو 2009 على الأقل، هذا إذا سعت من أصله إلى ذلك، وإذا توقف إشراف ورقابة الوكالة الدولية على أنشطتها النووية.
التقرير يشجع أيضا كلا من روسيا والصين على رفض تصعيد العقوبات، وربما يتيح لأوروبيين مترددين في موقفهم تجاه إيران على التراجع عن مناصرة الولايات المتحدة و"دعاة الحرب" ممن تبقى من المحافظين الجدد في إدارة بوش.
والتقرير في كل الأحوال يمثل "إبراء ذمة" من أجهزة الاستخبارات الأمريكية من دم إيران الذي يمكن أن تسيله الإدارة في عامها الأخير، وهو "كارت أحمر" تصدره الأغلبية الديموقراطية في الكونجرس التي كلفت أجهزة المخابرات بإعداد تقرير موضوعي ومحايد، يؤكد قدرة تلك الأغلبية على فرملة الرئيس ونائبه "تشيني".
والآن يستطيع الخليجيون الذين أصروا على الإمساك بالعصا من المنتصف في إدارتهم للعلاقة مع إيران أن يميلوا نحو جارتهم إيران، وينفضوا من أيديهم فكرة إعداد المسرح للحرب، أما إسرائيل "المحرض الرئيسي" لأمريكا على الحرب أن تفتعل "تقارير مخابراتية" عن قدرة إيران النووية أو الصاروحية لكي تبقي التهديد الأمريكي مشرعا.
وفي مصر ينبغي أن تعيد إدارتها السياسية كل حساباتها تجاه إيران، ما لم يكن لديها
أغراض أخرى –أكثر ملكية من الملك- ولا يعرفها أحد.
أرابيسك - أيمن شرف - الدستور 5 ديسمبر 2007