Friday, November 30, 2007

شرعية بابا

على الرغم من تخلي النخبة السياسية المصرية عن شرعية الانتحابات التي كانت سائدة في مصر قبل (ثورة-انقلاب) 1952 عند اختيار رئيس الوزراء والحكومة في العهد الملكي والاحتلال البريطاني، إلا أن فكرة "القبول والرضا الشعبي النسبي" عن الرئيس لم تغب أبدا عن بال النخبة، فاعتمدت شرعية عبد الناصر في البداية على الثورة نفسها، ثم على زعامته وقدرته على التأثير في الناس، وانحيازه لأحلامهم وتطلعاتهم، وتحقيق إنجازات ملموسة لتحسين مستوى حياتهم، واعتمدت شرعية السادات في بدايتها على رفقته لعبد الناصر واختياره له نائبا، ثم على إنجازه الأكبر انتصار أكتوبر 1973، واعتمدت شرعية مبارك على اختيار السادات له، وتعيينه نائبا، وعلى لحظة الإحساس بالخطر من فراغ السلطة عقب حدث اغتيال السادات المروع وسط أبناء جيشه وفي ذكرى انتصاره وإنجازه الأهم.
ولم تدم تلك الشرعيات طوال بقاء هؤلاء الثلاثة في الحكم أو تظل على نفس مستواها، بل إن تراجع شرعياتهم إلى مستوى متدن كان مؤشرا واضحا وإيذانا بنهاية حكمهم، مما دفع أنظمتهم إلى الاعتماد على "القوة الصريحة والمباشرة" باستخدام أجهزة الأمن للاستمرار، انتهت شرعية عبد الناصر بهزيمة 1967 تقريبا وانتهت شرعية السادات بمبادرة السلام وتوقيع الصلح مع إسرائيل، وانتهت شرعية مبارك مبكرا جدا على خلاف سابقيه لعدم تحقيقه إنجازات تصب في خانة "الرضا الشعبي" عنه، وإحداثه تغييرات في طبيعة "النخبة الحاكمة" –وتحديدا تصعيد رجال الأعمال للإمساك بمفاتيح السلطة- مما ساهم إلى حد كبير في سيطرة الفساد على مقاليد الحكم.
أما "شرعية بابا" وهو الوصف الأمثل تقريبا لشرعية جمال مبارك -إن حدثت- وتولى السلطة بعد أبيه فستكون الأضعف على الإطلاق في حلقات انتقال السلطة في مصر، ولن تكون مرشحة للاستمرار فترة طويلة، بل إن بدايتها ستكون هزلية إلى حد كبير، فهي أولا تستولد قصرا من "شرعية منهارة" توشك على النهاية وتستخدم القوة المفرطة من أجل البقاء، وثانيا أن الانتخابات التي ستستخدم كأداة لتصعيده "بشكل شرعي" بعد التعديلات الدستورية المفصلة خصيصا، لا يثق في طريقة إجرائها ولا نتائجها أحد في مصر، والحزب الذي سيصعده ينحدر من فشل انتخابي إلى آخر، وفقا لبيانات رسمية يعرفها جيدا القائمون عليه، والذين لجأوا وبذلوا جهودا مضنية عقب نتائج انتخابات مجلس الشعب 2005 لضم عدد كبير من المرشحين المستقلين إليه لتتحقق له الأغلبية في البرلمان، هذا بخلاف ما شهدته الانتخابات من استخدام مفرط للقوة لتزوير إرادة الناخبين فما بالك لو كانت انتخابات تتوفر فيها قواعد الاختيار الحر!.
"شرعية بابا" –إن حدثت- لن تستمر طويلا على الأرجح، وهي تنذر بنتائج كارثية، ستؤدي إلى مزيد من التشويه لتركيب النخبة الحاكمة، واستخدام مفرط للقوة، وربما إلى صدامات، وإلى دفع أثمان اجتماعية باهظة للتغيرات التي ستحدثها.. هذا ما يقوله تاريخنا الحي على الأقل.
mal3onaboeldonya@hotmail.com
أرابيسك أيمن شرف جريدة الدستور 25 نوفمبر 2007

Sunday, November 25, 2007

"بتوع الجاز"

"بتوع الجاز"
أرابيسك الدستور 24 نوفمبر 2007
العرب لم يعودوا"بتوع الجاز" -كناية عن النفط- حسب تعبير الشاعر الجميل أحمد فؤاد نجم، وكما كنا نتصور عنهم في الماضي.. فكل من يسافر إلى دول الخليج حاليا يدرك تغيرا ملحوظا، المدن منظمة، والشوراع نظيفة والحياة مريحة، والأهم والجديد أن المشاريع كثيرة.

دبي التي اكتسبت شهرة في منطقتنا العربية من خلال مهرجان التسوق، مما أوحى لي ذات مرة باقتراح ساخر هو أن يضاف في وسط علمها علم دولة الإمارات شعار جديد يعبر عن سمة مميزة لأهلها وهو شعار مهرجان التسوق نفسه "أسرة رجل وزوجته وطفليه يدفعون أمامهم ترولي به حاجياتهم التي جمعوها من السوبر ماركت، دبي هذه تتغير الآن كل شهر تقريبا، تبنى ثلاث جزر في قبالة ساحل الخليج لتكون منتجعات سياحية وتبني أعلى برج في العالم ومطارات دولية وتضاعف عدد الغرف السياحية لاستقبال 15 مليون سائح عام 2015.

والدوحة تقفز قفزة كبيرة استعدادا لاستضافة بطولات رياضية عالمية وتنفذ فكرة تكاد تكون خيالية نظرا للطقس الحار والرطوبة المرتفعة هناك.. تقيم "ممشى مكيف" مفتوح في الهواء الطلق لمممرسة الرياضة، وأبوظبي تستقطب متاحف عالمية مثل اللوفر وجوجينهايم وتبنى مدينة ثقافية ومدينة للطاقة "مصدر" تعمل كلها بالطاقة المتجددة، والسعودية يقام بها ست مدن جديدة دفعة واحدة هي ليست فقط مدنا سكنية لتستوعب الزيادة السكانية الكبيرة وإنما مدن صناعية تهدف إلى جلب استثمارات خارجية، وتبني أيضا جامعة للأبحاث العلمية بالأساس مستقلة عن وزارة التعليم ولا تخضع لسلطة "المطوعين" هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تمارس سلطاتها في كافة أرجاء المجتمع السعودي، والبحرين تسعى بقوة لتكون عاصمة مصرفية.

إنها حالة من المنافسة الشديدة، ليس للتباهي والمفاخرة كعادة العرب القديمة، وإنما لهدف واضح: مواجهة مرحلة ما بعد النفط، وتنويع مصادر الدخل الاقتصادي، وقائمة المشروعات طويلة جدا، ولدبي فيها نصيب الأسد والسبق.. للوهلة الأولى ربما ترجع ذلك التطور إلى الطفرة النفطية في السنوات الثلاث أو الخمس الماضية، وإلى تدفق عائدات بالمليارات نتيجة ارتفاع أسعار النفط حتى قاربت 100 دولار للبرميل مؤخرا، لكن الأمر له بعد إضافي يتعلق بأسلوب إدارة تلك الدول، التي يشبهها البعض "بإدارة الشركات"، فالقائمون على أمور دول الخليج يستعينون بخبراء محترفين في إدارة الموارد والتخطيط للمستقبل وتسويق المشروعات لتحقيق أعلى عوائد على البلد نفسها وعلى مواطنيها، بل إن كثيرا من الخبراء الغربيين يشكون من تراجع اسثمارات دول الخليج في أمريكا تحديدا، واتجاهها إلى مشاريع البنية الأساسية داخل دول الخليج نفسها، ولتحقيق رفاهية المواطنين.

العرب يسابقون الزمن وهاجسهم المستقبل، فخلال خمسين أو مائة عام قادمة ربما تتراجع أو تنفذ تماما احتياطياتهم النفطية، بينما يتضاعف عدد سكانهم مرات، ولذلك راحوا يركزون على صناعات الخدمات: السياحة والتجارة والتنمية البشرية والعلم.. العرب لم يعودوا "بتوع الجاز" يا عم أحمد، وإحنا في مصر اللي بقينا بتوع حاجة تانية.
mal3onaboeldonya@hotmail.com