Saturday, December 17, 2005

ماذا بعد انتخابات مصر القبيحة

الصحف الأجنبية تنصح بوش بالتعامل مع الإخوان مباشرة

ـ مبارك سيوافق على إعطاء شرعية لأحزاب المعارضة إذا أيدته في قضية خلافته
ـ عند لحظة معينة ستبتكر الولايات المتحدة سياسة تعتمد على تسلم الإسلاميين المعتدلين للسلطة
ـ هل سيتم الربط بين سلوك مبارك والمعونة الأمريكية السنوية التي تتلقاها مصر؟
ـ يجب ألا يخشى بوش من الفزاعة التي يستخدمها مبارك.
ـ يجب ألا تتهاون الإدارة الأمريكية مع انتقال غير ديموقراطي مستقبلا للسلطة من مبارك إلى إبنه، أو أي شخص آخر
ـ مبارك غض الطرف عن الصعود السياسي للإخوان لأن الوضع المحتقن في مصر كان يمكن أن ينفجر في أي لحظة



لو أنك تحب مصر، الناس والماضي والمستقبل، ربما تحزن وأنت تقرأ التغطية الصحفية للانتخابات البرلمانية المصرية، وبالأخص مرحلتها الأخيرة، وستشعر –في الغالب- أن هناك من يسيء عامدا متعمدا إلى مصر –الناس والماضي والمستقبل، وليس الحكومة والحزب والزعيم الأوحد فلان بن فلانة.. الصحفيون والكتاب الأجانب ليسوا هم بالطبع الذين يتربصون بمصر ويحقدون على حاضرها الزاهر ومستقبلها الأكثر إزهارا، وإنما أولئك الجهلة الصغار الذين يديرون طاحونة القمع والقهر وتشويه إرادة الناس.. ولا يعيرون انتباها إلى أن العالم كله أصبح مكشوفا، وأن فضائح اليوم أصبحت عابرة للقارات بسرعة الضوء.. وأن دولا مثل ليبريا في وسط أفريقيا التي كانت مظلمة، أصبحت أكثر احتراما من دول عريقة مثل دولة الرئيس.. هؤلاء يستحقون فعلا أن يقاضيهم المصريون فردا فردا أمام المحاكم بتهمة تشويه سمعة الوطن.. الذي أصبحت تعرفه الآن "الناس والماضي والمستقبل"، ليس فيه حاضر لأن إخوتنا في الحزب المزعوم سرقوه، جهارا نهارا وحولوه إلى أموال سائلة في جيوبهم وجيوب من يلف لفهم من المنتفخين كذبا ونفاقا وأكلا من مال الناس.

***

مثلا تقرأ في افتتاحية لواشنطن بوست عنوانها "انتخابات مصر القبيحة" أن "الأيام الأخيرة في الانتخابات البرلمانية المصرية كانت مخزية. قوات الأمن وعصابات البلطجية من الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم حاصرت مداخل عشرات اللجان الانتخابية حيث يوجد مرشحون أقوياء من المعارضة. وفي عدة حالات فتحت قوات الأمن النار على المواطنين الذين حاولوا التصويت؛ وذكر أن 10 أشخاص قتلوا. وداخل مقار الانتخابات، زور مندوبون حكوميون بطاقات التصويت علانية على مرأى من القضاة".

الرئيس حسني مبارك، الذي تلقى فترة رئاسة لست سنوات أخرى في انتخابات غير نزيهة في سبتمبر الماضي، استخدم مثل هذا التزوير قبل أسبوعين لكي يحرم أيمن نور عضو البرلمان الليبرالي الديموقراطي ومنافسه في الانتخابات الرئاسية، من مقعده في البرلمان.

وإدارة بوش التي كانت متلهفة لتصديق وعود مبارك بأنه سيقود إرساء ديموقراطية تدريجية في مصر، كانت بطيئة في ردها على هذه الأحداث الواضحة. فأصدرت وزارة الخارجية الأسبوع الماضي بيانا أحمقا يقول "لم تكن هناك إشارة على أن الحكومة المصرية لم تهتم بإجراء انتخابات سلمية وحرة ونزيهة". وهذا الأسبوع صححت موقفها، بالقول إن هناك "قلق شديد حول مسار الإصلاح السياسي في مصر". لكن خطوات الإدارة القادمة ستكون حاسمة: فهل ستدعم تقنين وضع جماعة الإخوان المسلمين، التي نبذت العنف وأيدت الديمقراطية- والتي أثبتت أنها تحظى بتأييد ملايين المصريين؟ هل ستطلب الإدارة إطلاق سراح أيمن نور وتدعم الحركة المدنية المستقلة التي طالبت بإصلاح سياسي حقيقي؟ هل سيتم الربط بين سلوك مبارك والمعونة الأمريكية السنوية التي تتلقاها مصر وتبلغ 1.8 مليار دولار؟ المصريون سيرون الآن ما إذا كان بوش جادا في الدفاع عن قضية الحرية في قلب الشرق الأوسط.

***

الواشنطن بوست الليبرالية واسعة الانتشار والمختلفة بالطبع مع إدارة بوش تحاول تحفيزها لكي تثبت مصداقيتها، وتشير بالطبع إلى إمكانية قطع المعونة التي لا يعرف كثيرون من المستفيد الأكبر منها، ولا يعرفون أيضا من يدفع ثمن دماء "القتلى" ضحايا أغلبية الثلثين، وكم تساوي كل قطرة دم سالت فيها، وهل العمولات الناجمة عن الاتفاقيات الناجمة عن التفويض الناجم عن أغلبية الثلثين تستحق هذه الدماء؟ عليك أن تسأل نفسك وتجيب لتعرف لماذا كانت "معركة النزع الأخير" من الانتخابات البرلمانية، ولتعرف أن رقم الضحايا لو زاد عشرة أضعاف لم يكن ليحرك شعرة بيضاء، مصبوغة بلون أسود سواد قرن الخروب كسواد السنوات التي نعيشها، في رأس النظام، (تعبير السنة القادمة سنة سوداء سواد قرن الخروب استعمله الرئيس المصري حسني مبارك في تليفزيون مصر على الهواء مباشرة في جلسة مشتركة لأعضاء مجلسي الشعب والشورى عام 1986).. وننتقل إلى صفحة تالية في صحيفة أخرى، بريطانية هذه المرة..

***

في نفس اتجاه افتتاحية واشنطن بوست كتبت فاينانشال تايمز البريطانية تحليلا عنوانه: "مكاسب الإسلاميين في مصر .. يتعين على الولايات المتحدة الآن التعامل مع الإخوان المسلمين"، وكما هو واضح في العنوان، ومع استعارة لغة رأس النظام البليغة جدا "يبدو أن حكومة الحزب المزعوم هيطلع نقبها على شونة وتلبس المقلب، إذا قبلت الإدارة الأمريكية الأمر الواقع وقررت التعامل مع الإخوان، ويكون لسان حالها "خوتونا بفزاعة الإخوان، طيب إركنوا على جنب وخلونا نتعامل معاهم".

تقول الصحيفة: إن السلطات المصرية استخدمت كل الخدع الممكنة في محاولة للتلاعب بالانتخابات التشريعية.. زورت صناديق الاقتراع ومنعت الناخبين عمدا من الوصول إلى مراكز الاقتراع. وخلفت أكثر المصادمات دموية عشرة من القتلى".

ومن سخرية القدر، وعلى الرغم من كل هذه المعوقات، حققت حركة الإخوان المسلمين المحظورة مكاسب كبيرة، بفوزها بنحو عشرين بالمئة من مقاعد البرلمان المصري. ولكن الإخوان دفعوا فقط بمرشحين للمنافسة على 130 مقعدا فقط من بين 440، أي أن أداءهم كان يمكن أن يكون أقوى لو كانوا قد سعوا إلى عدد أكبر من المقاعد.

والرئيس المصري حسني مبارك الذي واجه مطالب أمريكية متكررة بانتهاج إصلاحات ديموقراطية، سيحاول مقاومة هذه الضغوط بحجة قوية، هي أن الديموقراطية في مصر ليست في صالح الولايات المتحدة. لكن يتعين على إدارة الرئيس جورج بوش ألا تقع في هذا الفخ.

لقد أبرزت الانتخابات التشريعية المصرية أن الإسلاميين يمثلون أكبر معارضة للحكومة.. ولكن مزيدا من الإصلاحات والحريات ستؤدي إلى مزيد من التنوع في الحياة السياسية.

الإخوان ليسوا الحزب الليبرالي الموالي للغرب الذي تتمنى أن تراه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وقادتها الذي يرفعون شعار "الإسلام هو الحل"، يريدون الترويج لمجتمع أكثر تدينا ويعارضون بشكل عاطفي السياسة الخارجية الأمريكية. وقد عانى الإسلاميون في مصر من وطأة قمع النظام. وفي نفس الوقت، سمح وضعهم القانوني الغامض – الحظر مع إغماض الطرف مؤخرا - بتوسيع شعبيتهم.

والأحزاب اليسارية والعلمانية، من ناحية أخرى، مازالت منقسمة وضعيفة التنظيم. لكن أداؤها المحبط في الانتخابات - 21 مقعدا فقط – هو أيضا نتيجة القيود الخانقة على أنشطتها السياسية.

يتعين على واشنطن أن تنتقد بوضوح ما جرى في الانتخابات التشريعية المصرية. وأن تكون رسالتها إلى مبارك هي الضغط من أجل الإصلاح وتشجيع حياة سياسية أكثر حيوية.

ولكن في هذه اللحظة يجب على إدارة بوش أن تمضي قدما وتتعامل مباشرة مع الإخوان المسلمين من خلال ممثليها الجدد في البرلمان. قد يكون الإسلاميون في مصر واقعا غير مريح. لكن إذا كانت الولايات المتحدة جادة بشأن نشر الديموقراطية في الشرق الأوسط، فإنه لم يعد ممكنا أن تتجاهلهم بعد الآن.

***

عن التوقعات والاستنتاجات ما بعد "زلزال الإخوان" نقرأ في لوس أنجليس تايمز أن الحكومة أصبحة مضطرة للتعامل معهم، وأن صعودهم في مصر لا ينفصل عن صعود التيار الإسلامي في أماكن أخرى، وأن التقسيم الحاد للعالم بعد 11 سبتمبر إلى غرب وإسلام دفع كثيرين في العالم العربي والإسلامي نحو "الهوية الإسلامية" لمجتمعاتهم..

يقول ميجان ستاك في لوس أنجليس تايمز في مقال عنوانه "الخروج من الظل إلى الضوء- جماعة الإخوان المسلمين المصرية المحظورة تظهر كقوة تشريعية لكن عليها أن ترتفع لمستوى الحدث":

لا أحد، حتى أعضاء الجماعة أنفسهم، كانوا يتوقعون بروز الجماعة الإسلامية شبه السرية بقوة في هذه الانتخابات البرلمانية.. وتمت هذه المكاسب المفاجئة على الرغم من شكاوى واسعة الانتشار بأن بعض انصارها هوجموا بالغاز المسيل للدموع وتعرضوا للترويع والمنع من التصويت.. وهي تقدم رؤية مهمة لأسئلة قديمة حول عمق تأييد الإخوان المسلمين بين جموع المصريين الذين لم يصوت منهم سوى نسبة ضئيلة في الانتخابات.

الاتجاه الواضح بين المصريين لتأييد بديل إسلامي قد يوحي بإحباط على نطاق واسع نتيجة الركود الاقتصادي والسياسي في الدولة الأكثر سكانا في العالم العربي، لكنه لا ينفصل أيضا عن المكاسب الانتخابية التي حققتها تيارات الإسلام السياسي في أماكن أخرى من العالم الاسلامي منذ هجمات 11 سبتمبر.

فتقسيم العالم إلى معسكرين، أمريكا والغرب من جهة والمسلمون من جانب آخر، يعطي الجميع انطباعا بأن الإسلام في خطر وهوية المسلمين في خطر، لذلك يجب أن يختاروا طريقة لبناء أنفسهم بأنفسهم. والإسلام في هذه الحالة هو الرد.

وبعد عقود اتسمت فيها السياسة المصرية بعلاقة عدائية ودامية في أغلب الأحيان بين الإخوان المسلمين والدولة، بشرت الانتخابات بزلزال. للمرة الأولى، ستجبر حكومة الرئيس حسني مبارك على التعامل مع الجماعة كحزب معارضة شرعي وليس عصابة هدامة من الخارجين على القانون.. وبدلا من، أو ربما بالإضافة إلى، ملاحقة وسجن أعضاء الإخوان، ستستعد الحكومة للمواجهة ضد الإسلاميين في البرلمان.

لكن الإخوان يواجههم تحدي آخر هو الارتفاع إلى مستوى الحدث. وأعضاء حزب مبارك الحاكم وغيرهم يتهمون الجماعة بالاختفاء وراء شعار مبهم لكنه شعبي "الإسلام هو الحل"، بدلا من صياغة برنامج سياسي متماسك.

وفي أوساط العلمانيين والمثقفين في القاهرة، أثارت الانتخابات الأسى على فشل أحزاب المعارضة الأخرى في حشد الناخبين – وما يمكن أن يفعله الإخوان إذا حاز مرشحوها على نصيب أكبر من السلطة. وهناك مخاوف من أن المرأة أو المسيحيين يمكن أن يهمشوا بدرجة أكبر، وأن تمنع المشروبات الروحية وتزداد الرقابة. ويخشى كثير من المصريين من أن الإخوان يريدون فرض نسخة صارمة من الشريعة الإسلامية.

ويقر أحد أعضاء لجنة السياسات بالحزب الحاكم أن "الديمقراطية لا يمكن أن تتقدم في مصر بدون تحديد ما ينبغي عمله معهم". "إذا كانوا جماعة سرية لا تستطيع التعامل مع القضية. والآن هم في العلن، وعليهم أن يتخذوا موقفا. وسنعرف من هم حقا، وسنعرف لونهم الحقيقي".

ولكن الإخوان حاليا يريدون التعامل معهم بجدية أكثر، ليس في الداخل فقط ولكن في الخارج أيضا. ويقول أحد قيادي الجماعة "نريد شيئا واحدا من الأمريكان: احترام إرادة الشعب. التعامل مع الناس وليس الحكومة". "الأمريكان ما زالوا يتعاملون مع الدكتاتوريين".

***

عن توقعات ما بعد الانتخابات البرلمانية نقرأ أيضا في تغطية لندوة عقدها معهد كارنيجي للسلام ونشرت على موقع المركز، عنوانها "الخبراء يتوقعون حدوث تطور في التحول السياسي المصري في العام أو العامين القادمين":

ثلاثة من المتخصصين الأمريكيين اختلفوا حول شكل الصورة في المستقبل القريب، لكن اثنين من المتخصصين المصريين أكدوا أن الأمر يتوقف على نوع تعامل نظام الرئيس مبارك مع الإخوان المسلمين، المجموعة السياسية الإسلامية الرئيسية في مصر والتي تتزايد قوتها في مصر.

فيرى عماد شاهين أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة والأستاذ الزائر في جامعة جورج تاون بواشنطن، إن مبارك "غض الطرف عن الصعود السياسي للإخوان هذا العام لأن "الوضع المحتقن في مصر كان يمكن أن ينفجر في أي لحظة، وأن مزيدا من القمع الحكومي كان يمكن أن يؤدي إلى نتيجة عكسية. وما تزال هناك رؤيتان في الحزب الوطني الديمقراطي للتعامل مع الإخوان الملاحقة أو محاولة تكييف الإخوان.. والبرلمان المصري الجديد سيقرر قضية انتقال الرئاسة، وقد يوافق مبارك على إعطاء شرعية لأحزاب المعارضة السياسية المختلفة إذا أيدته في قضية خلافته، وعند لحظة معينة يمكن أن تبتكر الولايات المتحدة سياسة تعتمد على تسلم الإسلاميين المعتدلين السلطة في مصر.

بينما يميل عمرو حمزاوي، أستاذ العلوم السياسية المصري، والباحث بمعهد كارنيجي للاعتقاد أن الحزب الوطني سيحاول تشجيع الأحزاب السياسية العلمانية والقومية واليسارية لمواجهة الإخوان، وسيكشف العامان المقبلان إذا ما كان سيظهر أكثر من منبر سياسي إسلامي في مصر، ومازالت ديناميكية الحزب الوطني مثيرة مثلها مثل ديناميكية الإخوان المسلمين. وبينما تشير الانتخابات البرلمانية إلى مرحلة جديدة في السياسة المصرية، بحصول المعارضة لأول مرة على نسبة تتراوح بين 20 إلى 25 بالمئة من المقاعد فإن الحزب الوطني سيواصل السيطرة على تصورات الإصلاحات الدستورية المصرية. مصر الآن أصبحت نظاما ثنائي القطبين بدون وسط سياسي.. واستراتيجية الإخوان لتشكيل جبهة معارضة موحدة ضد الحزب الوطني لا تمثل تطورا إيجابيا لمصر لأن هذا يؤدي إلى محاولة الأطراف المختلفة إخفاء اختلافاتها الأيديولوجية الرئيسية. هذه الوسيلة أراحت الأطراف الرئيسية من إدارة حملة جدية، وهي تثير أسئلة حول ما إذا كان البرلمان الجديد سيستطيع الاستمرار أم لا. وأحزاب المعارضة العلمانية ستخرج من اللعبة، فعندما حاول الإخوان تأسيس إجماع وطني للانتخابات، لم يستطع الكثير من أحزاب المعارضة التوصل إلى مثل هذا الإجماع بسبب إختلافاتها الأساسية. وسيعتمد المستقبل السياسي لمصر على التفاعل بين الحزب الوطني والإخوان. وهناك شائعة في مصر أن جمال مبارك، ابن الرئيس، قد يحاول تشكيل حزب سياسي جديد.

واستبعد ميشيل دين من معهد كارنيجي للسلام أي سيناريو في السنوات القليلة القادمة تتخلى فيه عائلة مبارك عن السلطة من أجل المصلحة العليا لمصر. بينما رأى عماد شاهين أن ذلك السيناريو يمكن أن يحدث في عام 2010 إذا وافقت الأحزاب الرئيسية على "مرشح رئاسي إنتقالي" تكون مهمته الرئيسية صياغة دستور جديد.

وقال دين إن الانتخابات البرلمانية المصرية الأخيرة تميزت بثلاثة عناصر جديدة: هي مؤسسة ما يسمى بلجنة الانتخابات المستقلة التي ترأسها في حقيقة الأمر وزارة العدل المصرية؛ وجود مراقبين للانتخابات، ومن بينهم كثيرون تدربوا لدى منظمات غير حكومية وبتمويل دولي، من بين مصادره الولايات المتحدة؛ وثالثا نشاط القضاة المصريين، الذي احتشدوا وعلا صوتهم أكثر كثيرا عن الانتخابات السابقة. ونتيجة لذلك "كان تزوير هذه الانتخابات أصعب من غيرها، مما أدى إلى النجاح القوي للأخوان المسلمين، على الرغم من عودة عناصر الانتخابات السابقة مثل استئجار بلطجية لترويع الناخبين؛ واندلاع اشتباكات؛ واتهامات متزايدة بأن قوات الأمن تحاصر المقار الانتخابية، وخصوصا في مناطق التأييد القوي للإخوان، وشراء مرشحي الحزب الحاكم للأصوات.

ويتوقع دين أن البرلمان الجديد، قد لا يستمر دورته الكاملة (خمس سنوات) بسبب رفع كثير من الدعاوى وتوثيق مراقبي الانتخابات للانتهاكات هذه المرة. البرلمان يمكن أن يحل كما حدث عام 1990 عندما أعلنت المحكمة العليا عدم دستوريته.

***

تعالوا نختتم بمقتطفات من مقال موقع باسم وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس عنوانه "وعد السلام الديمقراطي لماذا الترويج للحرية هو الطريق الواقعي الوحيد إلى الأمن"، لنتأكد أن السعى للديمواقراطية –حسب رؤية فريق ضالع في الإدارة الحالية- مصلحة أمريكية مهمة، وليس لسواد عيوننا، ولك أن تتحفظ ما شئت من التحفظ على أهداف لا صلة لها بالديموقراطية أو على توصيفات غير دقيقة ما بين السطور، ولكن الحقيقة أن السياسة ليس فيها "سواد عيون"، وإنما فيها مصالح وانتهاز فرص وخلق فرص، وأي قوة سياسية في مصر، بل وأي شعب في مصر يريد أن يكون له مستقبل ويريد أن يستفيد من هذا الوضع الضاغط من الخارج عليها أن يتقدم ليحقق مصالحه في المقام الأول، ويخرج من دائرة "أكل العيش" الحلزونية اللعينة التي رسمها له النظام، ويرفع الغمامة من على عينيه لكي يتأكد أنه يدور حول نفسه ليس إلا، وأن المستقبل الأفضل يحتاج إلى المغامرة لا الركون إلى سياط "الحمارين"..

***

تقول رايس في مقالها (واشنطن بوست – 11 ديسمبر) "في منطقة واحدة من العالم، المشاكل التي تبرز نتيجة طبيعة الأنظمة الحاكمة هي الأكثر إلحاحا من غيرها. و"نقص الحرية" في الشرق الأوسط الكبير يقدم أرضا خصبة لنمو أيديولوجية كراهية تتسم بالشر والقسوة حتى أنها تدفع الناس لأن يلفوا أحزمة انتحارية ناسفة حول أجسادهم ويقودوا الطائرات باتجاه البنايات. وعندما لا يستطيع المواطنون في تلك المنطقة تحقيق تقدم نحو مصالحهم والتوصل إلى حلول لشكاواهم من خلال عملية سياسية مفتوحة، سيتراجعون يائسين إلى الظل ليفترسهم رجال أشرار ذوي نوايا عنيفة. في تلك المجتمعات، من الوهم أن نشجع الإصلاح الإقتصادي وحده ونتمنى أن تحل مشكلة نقص الحرية نفسها بمرور الوقت.

على الرغم أن الشرق الأوسط الكبير ليس له تاريخ في الديمقراطية، فإن هذا ليس ذريعة لعدم عمل أي شيء. إذا كان كل عمل يحتاج إلى سابقة، فلن يكون هناك أعمال رائدة. إننا واثقون أن الديمقراطية ستنجح في هذه المنطقة ليس ببساطة لأن مؤمنون بمبادئنا ولكن لأن تطلع الإنسان الفطري نحو الحرية والحقوق الديمقراطية قد غير عالمنا. لقد كان الكتاب من أصحاب القوالب الفكرية الجامدة ومن يميلون إلى التحديدات الثقافية من قبل متأكدين أن "القيم الآسيوية" أو الثقافة اللاتينية، أو الاستبداد السلافي، أو القبلية الأفريقية ستجعل الديمقراطية مستحيلة. لكنهم كانوا مخطئين، وقاعدة حكم الدولة لدينا الآن يجب أن تقودها الحقيقة الساطعة القائلة بأن الديمقراطية هي الضمان الوحيد للسلام الدائم والأمن بين الدول، لأنها الضمان الوحيد للحرية والعدالة داخل الدول.

وبعد كل هذا، من يصدق حقيقة، بعد هجمات 11 سبتمبر, 2001، بأن الوضع الراهن في الشرق الأوسط كان مستقرا ومفيدا ويستحق الدفاع عنه؟ كيف يكون من التعقل إبقاء الأوضاع كما هي في منطقة تفرخ وتصدر الإرهاب؛ حيث كان انتشار الأسلحة الفتاكة يزداد سوءا، ولا يتجه إلى التحسن؛ حيث الأنظمة الاستبدادية تسلط فشلها على الدول والشعوب البريئة؛ حيث كانت لبنان تعاني تحت وطأة الاحتلال السوري؛ حيث كانت السلطة الفلسطينية الفاسدة مهتمة بالحفاظ على بقائها أكثر من اهتمامها بتطلعات شعبها؛ وحيث كان مستبد مثل صدام حسين حر في ذبح مواطنيه، وزعزعة استقرار جيرانه وتقويض الأمل في السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين؟ إن افتراض أن الشرق الأوسط كان ممتازا قبل أن توقع أمريكا إستقراره المزعوم في حالة من الفوضى ليس إلا محض خيال مطلق.

وإذا صدقنا هذا، وصدقنا أننا لم نفعل شيئا، فلننظر إلى كل ما غاب عنا في العام الماضي فقط: لبنان تحررت من الاحتلال الأجنبي وتجري إصلاح ديمقراطي. السلطة الفلسطينية يديرها زعيم منتخب يدعو إلى السلام علانية مع إسرائيل. مصر التي عدلت دستورها لإجراء إنتخابات متعددة الأطراف. الكويت حيث النساء يتمتعن بحقوق مواطنة كاملة الآن. وبالطبع، العراق الذي أجرى في مواجهة تمرد شنيع انتخابات تاريخية، وصاغ وصدق على دستور وطني جديد، وسيذهب إلى الانتخابات ثانية في الأيام المقبلة لانتخاب حكومة دستورية جديدة.

Thursday, December 15, 2005

الموت اغترابا

من يوميات صحفي في الخليج
هل يمكن أن يموت الإنسان –أن يموت- بسبب الاغتراب؟.. تردد هذا التساؤل في ذهني وأنا أستمع إلى الأستاذ محفوظ عبد الرحمن أثناء حوار معه، كان موضوعه "العرب في عيون مصرية"، قلت في نفسي "ربما أنه يبالغ".. ثم بصوت مسموع: "هل تقصد يا أستاذ محفوظ أن هناك أشخاصاً ماتوا فعلاً بسبب الغربة؟" أجاب بتأكيد قاطع: "نعم" ثم ضرب أمثلة محددة من أدباء مصريين قال إنهم ماتوا أدبياً وماتوا فعلياً بسبب الغربة، وأن فلاناً وفلاناً لو لم يمروا بتجربة الغربة القاتلة لكانوا ملء السمع والبصر الآن.

كنا في أواخر 1997 أوائل 1998 وتجربة جريدة الدستور في أوجها، ولم نكن ندري أنها تقترب من الموت! وكانت الفكرة مجموعة حوارات مع مثقفين وكتاب وأدباء مصريين عاشوا في الخارج "العربي" يمكنهم أن يرصدوا العلاقة بين العرب والمصريين كشعوب وأفراد بحيادية، دون أن تسيطر عليهم المشاكل والخلافات التقليدية الناشئة عن علاقات عمل المصريين في الخارج العربي، وقتها تحسس إبراهيم (عيسى) رئيس التحرير وجمال (فهمي) مدير التحرير من الفكرة رغم إعجابهما بها، خشية أن نثير مشاعر فرقة بين المصريين والعرب، وقررت أن أعدها مادة لكتاب لم يصدر بعد..

وأغلقت الدستور في فبراير 1998، ووجدتني بلا عمل أحبه، وبلا دخل منتظم يُسيّر الحياة، وكنت بإحساس دفين بالخطر الدائم من العمل في المهنة –كعادة كثيرين من الصحفيين- أفتح باباً آخر للرزق في مكتب البيان بالقاهرة مع أصدقاء آخرين-سعيد الشحات وصالح الفتياني، وأخيراً الأستاذ جلال عارف، وبعد قليل وجدتني مرشحاً للسفر إلى الإمارات للعمل بمقر الجريدة في دبي، وكنت أسعى حثيثاً للسفر، ولكن جلال عارف بأدبه الجم كاد ينصحني –لولا تقديره رغبتي في مغادرة مصر بكل ما فيها- بألا أسافر.

بعد ليلة مختلطة المشاعر، بذلت فيها جهداً للهرب من لحظة وداع الأطفال والزوجة وتجنب الدموع في العيون، وجدتني في سيارة على طريق صلاح سالم وعلى يساري قلعة صلاح الدين، وفي رفقتي صديقين يودعاني إلى المطار، ساعتها نظرت إلى القلعة، ولا أعرف كيف قلت بأسى ظاهر: "أشعر أنني أنسحب من القاهرة"، هل كان ما قلته بسبب السهر والإجهاد أم أشياء أخرى؟.. (حالتان اثنتان فقط تجعلان الذهن صافياً إلى أقصى درجة..السكر والصلاة).. ضحك خالد محمود-بأسى أيضاً- وقال: "داخل معركة يا عم أيمن.. متكبرش الموضوع"!

كنت غشيماً على ما يبدو، أظن أن الأمور متشابهة، مصر كالإمارات، الدستور أو الأحرار أو العربي صحف مثل البيان أو الخليج أو الاتحاد، ونحن كلنا صحفيون، سودانيين كنا أو لبنانيين أو فلسطينيين، ومتأخراً جداً اكتشفت أن هناك فروقا كبيرة، أولاً صفتي في بطاقة الهوية بعد سحب هويتي الأصلية.. جواز السفر، ووضعها لدى الصحيفة هي "موظف" بجريدة البيان، وليس صحفي في جريدة البيان..، وكلنا كذلك "موظفون"، وثانياً أن صفة المصرية أو اللبنانية أي الهوية الثقافية الأصلية تنحسر قليلاً في جانب منها لصالح أننا "وافدون" أو أجراء مجلوبون من بلادنا مقابل المال، وعلينا ألا نعبر بقوة عن هذه الهوية حتى "نتكيف" ونذوب في الصيغة الجديدة، وثالثاً أننا جميعاً لا نمتلك أي سند من القوة اللهم إلا إرضاء أصحاب العمل عنا-الذي لا نعرف على وجه التحديد مقدماته، وعلينا أن نجرب كل حسب طريقته ونمط سلوكه-وبالتالي نحن معرضون في أي لحظة "للتفنيش"، وهي الكلمة السائدة في كل دول الخليج تقريباً للتعبير عن إنهاء علاقة العمل-وهي تعريب لكلمة Finish بالإنجليزية والتي تعني ينهي أو نهاية.

في صالة التحرير لأول مرة استقبال فاتر من أحد الزملاء-أو الأصدقاء القدامى-على خلاف آخرين كانوا ودودين كما هو متوقع منهم، ولاحظت فيما بعد أن صاحب الاستقبال الفاتر أودعت سنوات الغربة في نفسه تجنباً دائماً لزملاء ورفقاء الماضي، حتى أنه أقام لفترة طويلة مع عمال هنود، ربما توفيراً للنفقات، وربما احتماء بخبرة الهنود في البقاء في الخليج لأزمنة طويلة، يقومون بدور الخدم بامتياز، طاعة عمياء وغباء -ظاهري-مطلق، شبهه أحدهم ذات مرة "بالروبوت"-الإنسان الآلي، يأتي في مواعيد منتظمة، يقضي ثماني ساعات كاملة يحرر أخبار وتقارير الوكالات دون أن يتفاعل مع أحد، وحكيت عنه نوادر كثيرة توحي بالاختلال العقلي أو النفسي منها أنه يقضي ساعات طويلة هائماً في المولات، ويقف مندهشاً أمام ميدالية أو ولاعة تضيء أو تصفر كلما مررت بيدك أمامها، اشترى واحدة منها، وكان كل ساعة أو ساعتين يفاجئ الجميع في صالة التحرير بعد أن يفتح درج مكتبه ويطرقع بإصبعيه ويقول ضاحكا "بتصفر يا ولاد.. بتصفر"!!

صديق آخر كان يخوض صراعا مع رئيسنا المباشر في العمل، وبلغة المكان –كان يشعر أنه على وشك "التفنيش"، استغل مجيئي –باعتباري وافد جديد جاهل بمعادلات المكان- وراح يدفعني دفعا للصدام مع رئيسه، ولم أدر إلا لاحقا أنه كان يزج بي في صدامه حتى يأخذ أنفاسه قليلا، ويستمر في المكان فترة أطول!! ولم لا.. فالحرص على البقاء في "الجنة الخليجية" أو قل عدم العودة بسرعة إلى الفقر في مصر محدد أساسي لسلوك كثيرين، على خلاف الشائع عن أن المصريين هم الأكثر ميلا للعودة، مقارنة باللبنانيين أو الفلسطينيين أو السوريين إلى آخره.

في شوارع المدن الصحراوية تبدو الأشجار كما لو كانت وافدة أيضا، أخذت من تربتها الأصلية لتزرع في بيئة مصنوعة، وعليها أن تتشبث بالتربة الرملية الجديدة وأن تتكيف حتى تحيا قدر الإمكان حتى لو كان التكيف يعني تغيير بنيتها البيولوجية، والبشر كذلك، يغيرون عاداتهم وبنيتهم النفسية وحتى أخلاقهم.. بعد أن عدت بعامين تقريبا فاجأني الصديق عمرو خفاجي بمعلومة غريبة، نقلا عن المدير العام السابق لمؤسسة الإمارات للإعلام، قال الرجل لعمرو أن زميلا لي كان يجلس معي ثم يتصل بين الحين والآخر عبر الموبايل ليسمع كلامي العفوي عن الصحيفة أو مشاكل العمل مباشرة إليه أو إلى آخرين!.. نعم ممكن، فالوضاعة أحيانا كنز لا يفنى!

خارج الدوام (مواعيد العمل الرسمي) الحياة في دبي وأبوظبي طرية وناعمة، وفي شهور الشتاء تصبح الأماكن المفتوحة جديرة بالاستمتاع بها، فطوال شهور الصيف لا يمكنك تحمل العرق والرطوبة الخانقة المزعجة، فتتنقل سريعا من مكيف السيارة إلى مكيف المنزل إلى مكيف الصحيفة فالمول إلى آخره، والنساء في مدن هي أقرب إلى معسكرات العمل "سياسة عليا"، بدونهن قد تحدث انفجارات لا تحمد عقباها، والوافدون –وهم أغلبية (العدد الإجمالي لسكان الإمارات –حسب معلوماتي قبل عامين تقريبا- كان نحو 3 ملايين نسمة، المواطنون منهم نحو 600 ألف نسمة مع المجاملة الشديدة) متوسط أعمارهم يتراوح بين العشرين والأربعين، وكثير منهم بلا زوجات، وينتمون لنحو 180 جنسية، وبالطبع تلزمهم نساء على شاكلتهم.. ذات مرة قالت لي صحفية بريطانية إن "الدعارة في لندن ليست على هذا النحو، لها آداب وسلوك منظم، ولا يحق للداعرة أن تتجول بمظهرها المعتاد في أي مكان كما يحدث هنا".

عزمني أحد الأصدقاء على الغداء في الأيام الأولى لقدومي إلى دبي حيث يسكن مع آخرين، فوجدت امرأتين تركيتين تتحدثان الإنجليزية بالمقلوب، وكذلك العربية.. صديقتين -للمكان على ما يبدو- تعدان الغداء، العلاقة هنا صداقة بريئة، لا تخلو أحيانا من مضاجعة بالرضا أو الفلوس.. سكان تلك الشقة كانوا مصريين ريفيين، مهندس مصور صحفي وقهوجي، أو شيئ من هذا القبيل، يقيمون معا من باب التوفير والونسة.. الصديق الذي عزمني واجه أزمتين، الأولى أنه شك في أنه أصيب بالإيدز، وسيطر عليه هذا الهاجس لفترة طويلة، والثانية أنه وقع في غرام "شرموطة" (ليست هنا شتيمة بل مهنة)، وكان عندما ينزل في إجازة إلى مصر يتصل بها هاتفيا (رغم تكلفة ذلك، ورغم بخله الشديد)، وظل مترددا في مسألة الزواج لسنوات بعد عودته إلى مصر، رغم توفر الشقة والإمكانيات المادية اللازمة!

Monday, December 12, 2005

استقرار يهود إسرائيل في أربع مدن كبرى في بولندا


تخيلات مستقبلية لما يمكن أن يحدث بعد خمسين عاما
تنشر تباعا في صحيفة الكرامة المصرية

توصلت المفاوضات بين دول الاتحاد الأوروبي الثلاثين إلى حل وسط لمشكلة يهود إسرائيل النازحين من فلسطين المحتلة يقضي بأن تقيم الكتلة الأساسية من النازحين (ثلاثة ملايين) في أربع مدن كبرى ببولندا، وذلك بعد أن رفضت كل من ألمانيا والنمسا الاقتراح الفرنسي باستضافتهم، على اعتبار أن الرايخ الثالث الذي كان يضم كلا من النمسا وألمانيا التاريخيتين هو السبب الرئيسي في الأزمة اليهودية قبيل الحرب العالمية الثانية في القرن العشرين 1939 / 1945
وقال محللون سياسيون أن رفض ألمانيا والنمسا استند بالأساس إلى أن البلدين قدما تعويضات بما فيه الكفاية لليهود وتحملتا كلفة هائلة في تأسيس دولة لهم في فلسطين وتعهدتا من قبل بضمان أمنها، على الرغم من إيمانهما العميق بفشل المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط، وانهما اضطرا في السابق لذلك نتيجة هزيمة هتلر في الحرب ليس إلا، وأشار محللون أيضا إلى خشية الدولتين من أن يكرر اليهود حماقات أجدادهم في البلدين بالسيطرة على الاقتصاد وعدم الاندماج داخل المجتمعات المسيحية في الدولتين.

من جانب آخر اشترطت بولندا لقبولها باستضافة يهود إسرائيل أن يتحمل الاتحاد الأوروبي ميزانية برنامج اقتصادي ثقافي ونفسي طويل المدى تقدر بعشرة مليارات يورو، لتأهيل ودمج المستوطنين، يهدف البرنامج لتعديل الشخصية الاستعلائية لدى اليهود باعتبارهم شعب الله المختار، ووضع قواعد لممارساتهم الاقتصادية والمالية حتى لا يسيطرون على اقتصاد البلاد.

يذكر أن الحرب التي اندلعت بين إسرائيل وإيران قبل عام ونصف وتزامنت مع الانتفاضة الفلسطينية السابعة قد أدت إلى حركة هجرة كثيفة من فلسطين المحتلة، وتحلل نهائي لدولة إسرائيل كدولة عنصرية أحادية القومية، وأجريت في فلسطين أول انتخابات شارك فيها الفلسطينيون ومن تبقى من الإسرائيليين، حاز فيها حزب حماس 2 على الأغلبية، وشكل أول حكومة وطنية على كامل تراب فلسطين من البحر إلى النهر.

وفي عدد من الصحف الألمانية والنمساوية الصادرة هذا الأسبوع تندر عدد من رسامي الكاريكاتير والكتاب بموقف بلديهما الرافض لاستضافة يهود إسرائيل، وتذكر أحدهم تصريحات للرئيس الإيراني الراحل محمود أحمدي نجاد خلال مؤتمر في مكة بالسعودية قبل قرابة الخمسين عاما يدعو فيها الدولتين إلى استيعاب الإسرائيليين ما دامتا تشعران بالذنب تجاه اليهود، وأشار الكاتب إلى ما معناه بالعربية "ألم يكن جحا أولى بلحم طوره"، وتصدرت الصفحات الأولى عناوين على شاكلة "لو أننا استوعبنا اليهود ألم نكن قد وفرنا "مائة عام من العزلة" و"أخيرا عاد المهاجرون بعد موت ملايين العرب" وكتبت صحيفة بولندية معارضة في افتتاحية لها "عاد الطابور الخامس إلى إسبرطة القديمة".

برنامج "الميت أولى من الحي" يحصل على جائزة مهرجان الميديا العربية


تخيلات مستقبلية لما يمكن أن يحدث بعد خمسين عاما
تنشر تباعا في صحيفة الكرامة المصرية
حصل البرنامج الوثائقي "الميت أولى من الحي" من إنتاج قناة الموتى المتخصصة على الجائزة الأولى في السيناريو والإخراج في مهرجان الميديا العربية الثالث عشر

البرنامج يتناول قصة حياة مواطن مصري منذ مولده في مدافن الخفير مطلع القرن، ويتتبع سيرته مع أسرته التي تنقلت بين عدة مدافن حتى انتهى بها الحال في مقبرة ثري مصري في جزيرة مايوركا الإسبانية

وقال معد البرنامج عقب حصوله على الجائزة إن "قصة الرجل عادية جدا.. بالصدفة كانت أسرته تقيم في مدفن عائلة غنية في مدافن الخفير، وعندما قرر عميد الأسرة الانتقال إلى الخارج وبناء مقبرة له في جزيرة مايوركا استحسن فكرة أن يأخذ سكان المقبرة معه ليكملوا الديكور فيواصل شعوره بأنه مازال في مصر

وأضاف المعد ولكننا نستغرب تلك القصة لأننا كمجتمع وكدولة وأجهزة إعلام لا نتابع أحوال سكان المقابر في مصر، ونادرا ما نهتم بموضوع الموت مثلما فعلت قناة الموتى، التي فتحت بموضوعاتها الجريئة الباب لكي نتعرف على ذلك العالم". وأضاف قبل بث القناة لم نكن نعرف مثلا شكل جنازات الأثرياء في مصر الحديثة وما يحدث فيها، وكيف أن أحدهم أوصى قبل وفاته باستيراد نعش من خشب الماهوجني ومخدة مصنوعة من أفخم أنواع ريش النعام لتوضع تحت رأسه، وآخر استأجر كافة الأدوات المستخدمة في جنازته وسرادق العزاء من سنغافورة، من السيارة التي وضع فيها جثمانه إلى أطقم فناجين القهوة وجلب العمال الذين كانوا يخدمون على المعزين من السعودية، وعزفت الموسيقى الجنائزية لحظة خروج الجثمان من منزله فرقة تراث يمنية

بودرة العفريت مكنت المصريين من التصويت في انتخابات 2010

تخيلات مستقبلية لما يمكن أن يحدث بعد خمسين عاما
تنشر تباعا في صحيفة الكرامة المصرية

في كتابه الرائع "الانتخابات المصرية من البلطجة إلى الشفافية" رصد المؤرخ المصري العجوز حسن هويدي ما حدث من وقائع في الانتخابات البرلمانية المصرية عام 2010 باعتبارها نقطة التحول الرئيسية في تاريخ الحياة البرلمانية والسياسية في مصر.

ومعتمدا على وثائق وشهادات حية من زعماء "الحركة الوطنية لمقاومة البلطجة" و"منظمة حماية الناخبين" بأفرعها المختلفة في جميع محافظات مصر والتي نشأت عقب انتخابات 2005 الشهيرة بـ"انتخابات البلطجة"، أثبت المؤرخ أن نجاح القوى الشعبية المصرية في الإطاحة بالنظام الفاسد (عبر وسائل سلمية)، يعود الفضل فيه لاستيعاب تلك القوى لدرس "البلطجة" الكبير في الانتخابات السابقة لها، وبدء الاستعداد مبكرا لإجراءات كان من شأنها تمكين جموع الناخبين من التصويت في اللجان الانتخابية.

يقول المؤلف "بدأت تلك الحركتان وغيرهما بإعداد خرائط دقيقة لمواقع اللجان الانتخابية في جميع دوائر مصر، ودراسة طبيعة التربة المحيطة بها، ثم تنظيم فرق من الحفارين الشبان، قضوا شهورا وسنوات في حفر أنفاق تربط بين شوارع القرى والمدن المصرية بمقار اللجان، بعيدا عن أماكن تمركز قوات الأمن عند محاصرتها للجان، واستعانت القوى الشعبية بخبراء في حفر الأنفاق من غزة، ممن اكتسبوا خبرة طويلة من نشاطهم على الحدود بين غزة ومصر زمن الاحتلال الإسرائيلي لها".

ولم يتوقف الأمر على حفر الأنفاق بالطبع، -حسبما يقول المؤلف- وإنما أعدت حركة حماية الناخبين قائمة بأسماء وعناوين البلطجية في الدوائر المختلفة، وقامت باختطافهم قبل البدء في عملية التصويت، مما أوقع أجهزة الأمن في حيص بيص، وفي الحالات التي لم تتمكن الحركة من اختطاف البلطجية، قامت بسرقة أدواتهم واستبدلتها بأشكال ورقية، فكانت تلك المشاهد الهزلية التي صورتها كاميرات التليفزيونات العالمية "صوت وصورة" لأحد البلطجية يلوح للناخبين مهددا فيضحكون منه، وعندما اقترب منهم كسروا السيف والسنجة التي كان يحملها فأصيب بالذهول، واشتاط الضابط الذي كلفه بالمهمة غضبا ووقف يراقب العملية على بعد أمتار، واستقبله بوابل من الأقلام والشلاليط.

ومن الأسلحة المهمة خفيفة الظل التي ابتكرتها حركات مقاومة البلطجة وحماية الناخبين كانت بودرة العفريت، التي جمعت منها كميات كبيرة قبيل الانتخابات، واستخدمتها في تفريق عساكر الأمن المركزي وألقتها من فوق أسطح المنازل عليهم، فيما انبرت عناصر من الحركة من الصبية والفتيان متمركزين فوق أسطح المنازل بإلقاء الحجارة وقطع الطوب الأحمر عليهم باستخدام نبال استوردوها خصيصا من الأراضي الفلسطينية، ما جعل الضباط والعساكر يستغرقون في حالة من الهرش والانزعاج دامت أربعا وعشرين ساعة في بعض الحالات فعجزوا عن أداء مهمة منع الناخبين من التصويت، هذا إلى جانب أن كثيرات من ربات البيوت تبرعن بكميات من المنظفات الصناعية والصابون والزيوت سكبت في مناطق تمركز أفراد قوات الأمن بهدف زحلقتهم عند حدوث مناوشات بينهم وبين الأهالي المحتشدين من أجل التصويت، وفي بعض المناطق خزن فرع حركة حماية الناخبين من ربات البيوت كميات من الزبالة والقاذورات ومياه الغسيل وتم تجميعها في المنازل القريبة من اللجان الانتخابية لإلقائها على قوات الأمن التي تمنع الناخبين.

ويشير المؤرخ إلى عنصر رئيسي أيضا في التحول الذي حدث في انتخابات 2010 هو "المقلب المزدوج" الذي أعطاه الحزب الوطني البائد لقيادة الكنيسة المصرية، بعد أن وعد البابا الراحل بالحصول على أكثر من عشرين مقعدا في البرلمان، ثم سرعان ما "لحس وعده"، ما أدى إلى نمو حركة موازية بين أقباط مصر عرفت باسم "الناجون من مقالب الوطني"، والتي دعت قيادة الكنيسة إلى الخروج من تحت عباءة الوطني المهلهلة، وممارسة العمل السياسي دون وصاية جماعة المرتزقة الملتحقة بالدولة والمعروفة خطأ باسم "الحزب الوطني".

وفي الفصل الأخير من كتابه "انكشاف سيناريو قرضاي الأمريكي لمصر" تناول المؤرخ كيف أن نمو الوعي بالأزمة المصرية وقتها ساعد على كشف السيناريو الأمريكي لحكم مصر باستخدام "اثنين قرضاي" (إشارة إلى تدشين الإدارة الأمريكية لحاكم أفغانستان بعد غزوها في 2001) أحدهما رسمي من صفوف الحزب الحاكم وقتها والآخر معارض صنع تحت أعين أجهزة المخابرات الأمريكية، وأن الحيلة لم تنطل على جموع الناخبين في انتخابات الرئاسة التالية.